هذا جزء يفيض عن طاقتي! بمثل هذه الجملة تستطيع أن تستوعب أنّك تحمّل حياتك فوق طاقتها، سواء كنت تعيش في قرية أو مدينة، سواء تعيش في داخلك أنت أو في داخل الآخرين، والآخر هذا قد تراه من خلال ما تتصفحه في "الشبكة"، أو قد يكون ما تتابعه على التلفزيون، ليخرج بك من قريتك أو من مدينتك الصغيرة إلى مدينة العالم الكبيرة، التي تقدّم لك المغريات من كل حدب وصوب.
ما الذي لا تستطيعه؟عندما أقدّم لك عرضًا لملابس الفنانة العالمية، وهي تقف على البساط الأحمر، فإنك لا تنظر إلى اللباس بقدر ما تنظر إلى الجسد.. فما الذي أضفته في حصيلتك المعرفية عندما أضعت نصف ساعة وأنت تشاهد هذا؟ هل تستطيع أن تخبرني؟
قد تقول هذا من باب الترفيه على النفس. هل تعتقد أن هناك حدودًا لهذا الترفيه في حياتك عندما تذهب إلى صفحات الشبكة فتقدم لك ذات الصور التي رأيتها في التلفزيون؟ وهل ترى أنني أنمّط حياتك عندما أسحبك إلى هذه المشاهد؟
لا شك هنا أنني أوجهك كي أقول لك كيف تعيش! حتى ولو كنت تعتقد أنك من اختار ذلك فإنني أنا الصانع لكل هذا هو من يوجهك، إذ أقدّم لك الصور تلو الصور كي تصبح شيئًا عاديًا في حياتك، ولتحل هذه الصور مكان أخرى، ومتى حلّت فإنها لا تنفك تطاردك في خطك الزمني أثناء تصفحك جهازك الصغير، وتنقلك في المواقع، لأصنع عالمك بشكل ينفصل عن بيئتك، ويخرج بك إلى بيئة أخرى تحطّم كل ذكرياتك الصغيرة التي صاحبتك في سنواتك الماضية، ولتحلّ عليك التفاهة من كل جانب، وتصبح داعية إلى التفاهة دون شعور منك، وتحمّل آخرين وزر ما لا طاقة لهم به.
الفكرة لا تقف عند عارضات الأزياء أو الفنانات بل تتجاوزها إلى رغباتك اليومية، فهم يصنعون لك الحلوى في طريقك في كل مكان دون أن تشعر أن السكر سيغلي ذات يوم في جسدك ويصبح سمًّا تتجرعه كل يوم، ستكون أنت الجسد المليء بالرغبات وهم المصنع الذي يزودك بما لذّ وطاب، لتبحث عن عقلك فلا تجده إلا في هذه الطرقا التي تم صناعتها بكل اقتدار.
إنك تملأ حياتك بما لا يفيد، ولن تستطيع اللحاق بهذه الحياة ما لم تعد التفكير بشكل جاد، وتهمل هذه الشبكة وتهتم بما ومن حولك في بيئتك الصغيرة، تهتم بمقدساتك لا مقدساتهم، تهتم بتاريخك لا تاريخهم، تهتم بلغتك لا لغتهم، تهتم بمجتمعك لا مجتمعهم.. ولا تكذب على نفسك عندما تقول: إنك تود الثقافة، لأن التفاهة لم تكن في يوم من الأيام ثقافة، بل إنها وباء ستجعلك تابعًا وأنت تقبع في وسط هذا الوحل الذي إذا غصت فيه لن تخرج منه. استعد حياتك وفكّر ماذا قدمت لك هذه التقنية، وانظر إلى المفيد منها وخذه، ودع صنّاع التفاهة يموتون بغيضهم.
تدارك نفسك!!