السبت، 29 سبتمبر 2018

حزب الله وإسرائيل وإيران

لا شيء يهز العالم 22


عندما يأتي ذكر "حزب الله" لا بد أن تُذكر أفعاله تجاه الأمة العربية، وما الذي قدمه لها؟ بل ما الذي قدّمه لبلده لبنان سوى الدمار والشتات، والعيش في صراع منذ أن بدأ هذا الحزب في هذا البلد الذي حوّله إلى نفايات متكدسة، حتى في الرأي الذي يطلقه والتناقض عبارة عن نفايات تزيد لبنان تعفنًا ـ واسمحوا على هذه الكلمة ـ واتساخًا، وتصبح يده ـ أي لبنان ـ ملطخة بدماء الكثير من الشعوب العربية، وما يحدث في سوريا سوى أحد هذه الأدلة الواضحة للعيان، فلا مصلحة للبنان لدخول الحرب السورية، وما يحدث في اليمن هو دليل آخر، وما يحدث في العراق هو دليل ثالث، بخلاف ما يحدث مع إيران ومن ثّمًّ إسرائيل التي يعد حامي حماها في الجنوب.

المرتزقة

عند الحديث عن المرتزقة سنجد أن إسرائيل أنشأت جيش جنوب لبنان ويهدف إلى إرهاب السكان هناك، ويستشف من ذلك امتداد العمل إلى اليوم بوجود "حزب الله" حامي حمى إسرائيل، الملاصق لها، والذي يهددها ليل نهار دون أن يرسل عليها ذبابة واحدة وليس صاروخًا واحدًا، ويعد من الأدوات الفاعلة في المنطقة لمصلحة أمريكا وإسرائيل.

إن البيان الشهير الذي صدر العام 1985 والذي قال فيه الحزب إنه "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة". ما هو إلا دليل أكيد على أن هذا الحزب لم يتم إنشاؤه إلا من أجل مصلحة إيران، وسبب دعمه ووجوده هو لمصلحة المخططات الغربية تجاه المنطقة العربية، وهو ينفذ الأجندة بشكل جيد لهذه المصالح، بدلالة التهديدات والوعيد الشديد الذي تطلقه الولايات المتحدة ضده وضد إيران دون أن يكون هناك سوى الكلام، وبدلالة أن كل من تم إدراجهم ضمن قوائم الإرهاب يسرحون ويمرحون حول العالم دون أن تلقطهم استخبارات الغرب، التي تغض الطرف عنهم أينما ذهبوا.

ويقول إبراهيم الأمين الناطق باسم حزب الله: "نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران".  ويقول هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجمع تشخيص النظام والرجل القوي في إيران: تعتقد إيران أن مساعدتها لحزب الله في لبنان "واجب مذهبي وثوري" وأنها سوف تستمر في دعمه طالما ظلت أراضيه محتلة أو "مهددة" وأنها مع تقديرها للمواقف الشجاعة لشعب لبنان وحكومته في دعم جبهة المقاومة أمام محاولات التوسع للنظام الصهيوني تؤكد استمرار دعم إيران للمقاومة الشعبية في لبنان.

ويقول حسن سرور أحد قادة الحزب "نعلن للعالم أجمع أن إيران هي أُمُّنا وديننا وكعبتنا وشراييننا"

فهل بعد هذا شيء في أن كعبتهم في "قم" وهل يحسب مثل هؤلاء على العالم العربي؟ أم أنهم يعملون ضد العرب، دون أن يقرّ لهم قرار؟

إن الترابط الإيراني والحزب وإسرائيل واضحة للعيان، فإسرائيل تزيد استثماراتها في طهران عن 30 مليار دولار، كما أن عدد الشركات الإسرائيلية فيها تزيد عن الـ 200 شركة، كما تؤكد صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن "المرجع الأعلى ليهود إيران داخل إسرائيل الحاخام الأعظم يديديا شوفط يرتبط بعلاقات حميمة مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني. كما يبلغ عدد يهود إيران في إسرائيل أكثر من 200 ألف يهودي، يمتلكون نفوذً واسعًا في التجارة والأعمال والمقاولات العامة والسياسة، كما أن لهم نفوذًا أكبر في قيادة الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن اعتراف الرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر في حوار مع صحيفة “الهيرالد تربيون” في شهر أغسطس من العام 1981 أنه “أحيط علماً بالعلاقة الإيرانية الإسرائيلية”، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس وزراء إسرائيل الأسبق “مناحيم بيجن” أن إسرائيل زودت إيران عدة مرات بالسلاح. إن العلاقة بين إسرائيل وإيران لا يمكن أن تقرأ بمعزل عن العلاقة بين إسرائيل أو حزب الله، أو تقاطع المصالح بين الجانبين على أقل تقدير، وما التصريحات “الكلامية” الصادرة عن حزب الله ضد إسرائيل، إلا مجرد ترويج لأفكار المقاومة التي يقول إنه “يتبناها من أجل خدمة أهداف الأمة العربية” التي هو بعيد عنها كل البعد، وفق ما يؤكد مراقبون ومحللون"[1].

 

حزب الله وإسرائيل

في كتابه "ماذا تعرف عن حزب الله؟" وتحت فصل "هل هناك اتفاقيات سرية موقعة بين حزب الله وإسرائيل ذكر على الصادق ما يلي[2]: "يقول ضابط إسرائيلي من المخابرات: "إن العلاقة بين إسرائيل والسكان اللبنانيين الشيعة غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية، ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية وخلقت معهم نوعاً من التفاهم للقضاء على التواجد الفلسطيني والذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد".

واعترف الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي[3]  فقال: "إن حزب الله هو حرس حدود لإسرائيل[4]"

وقال أيضاً صبحي الطفيلي: "مع بداية التسعينات بدأت ملامح التغيير في السياسة الإيرانية. بتفاهم تموز 1993م، ثم بتفاهم نيسان 1996م، والذي تم الاعتراف فيه وبحضور وزير خارجية إيران آنذاك، بأمن العدو اليهودي في فلسطين. ومن ذلك الحين بدأ العدو الصهيوني يسعى إلى الانسحاب من لبنان على ضوء هذا التفاهم، لأن التفاهم يفرض على المقاومة أن تقف، تصل إلى الحدود وتقف".

ثم قال: "أريد أن أقول: إن النتيجة لتفاهم نيسان هو أن المقاومة تحولت من: مقاومة - هذه حقيقة  - إلى حرس حدود". ولذلك فإسرائيل تحرص على النفوذ الشيعي في جنوب لبنان ليكون حامياً لها ممن يريد الهجوم على إسرائيل من الحدود الشمالية لها.

وقد جاء في صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ (23/5/1985م): "إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح إسرائيل التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان، وجعلها منطقة خالية من أي هجمات ضدّ إسرائيل.. إن الوقت حان لأن تعهد إسرائيل إلى (أمل) بهذه المهمّة".

ويؤكّد هذا الأمر توفيق المديني فيقول: "حركة (أمل) التزمت من جانبها بمنع رجال المنظمات الفلسطينية من التسلل إلى مناطق الجنوب للقيام بعمليات مسلحة ضد الجيش الإسرائيلي وضد مستوطنات الجليل في شمال فلسطين المحتلّة".

وقد أكّد هذا الأمر الأمين العام السابق لحزب الله: صبحي الطفيلي، حيث يقول: "من أراد أن يتثبّت -يعني من كون حزب الله أصبح حامياً لحدود إسرائيل كما سبق -، فباستطاعته أن يأخذ سلاحاً ويتوجّه إلى الحدود، ويحاول أن يقوم بعملية ضدّ العدو الصهيوني، لنرى كيف يتصرّف الرجال المسلحون هناك! لأن كثيرين ذهبوا إلى هناك، والآن هم موجودون في السجون!، اعتقلوا على يد هؤلاء المسلحين".

"فإسرائيل لم تكن تسعى إلى القضاء على حزب الله وتدميره، ليس لقدراته وقوته، ولكن لأنه حزبٌ منضبط، على الرغم من الانزعاج الذي يسبّبه في بعض الأحيان، إلا أن زوال حزب الله من جنوب إسرائيل كفيلٌ بصعود مقاومة سنّية بديلة، وهو أمرٌ لا تقبله إسرائيل. ومن أجمل ما قيل: أن من مصلحة إسرائيل بقاء حزب الله، ومن مصلحة حزب الله بقاء إسرائيل. فالمشروع الشيعي - وإن كان مزعجاً للمشروع الصهيوني الأمريكي - إلا أنّه يبقى مشروعاً منضبطاً لا يرفض التعاون والتفاوض، بل قد يبادر إلى التعاون، مثلما حدث من إيران في أفغانستان والعراق، ومثلما حدث من حزب الله قديماً عندما عمل على إحباط هجمات المقاومة من جنوب لبنان.
أما المشروع السنيَّ للمقاومة، فهو مشروع مزعجٌ ولا يقبل التفاوض أو المساومة، والوقائع على ذلك كثيرة، بدءً من طالبان في أفغانستان وانتهاءً بالمقاومة الفلسطينية، ومروراً بالمقاومة العراقية"[5].

يتبع...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  راجع مركز المزماة للدراسات والبحوث 6 مارس 2016

[2]  علي الصادق، ماذا تعرف عن حزب الله، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، مصر الإسماعيلية، ط2، 2007م (حقوق الطبعة للمؤلف). ص102ـ104.

[3]  تولى صبحي الطفيلي منصب الأمين العام الأول لحزب الله في الفترة من عام 1989 حتى عام 1991، ثم أجبر على الاستقالة بعد إعلانه، من جانب واحد، العصيان المدني على الحكومة اللبنانية الأمر الذي رفضه الحزب، وتولى منصب الأمين العام عباس الموسوي خلفاً له، لكنه لم يستمر أكثر من تسعة أشهر، فقد اغتالته إسرائيل في عام 1992 ليقود الحزب من بعده حسن نصر الله الذي لا يزال يشغل هذا المنصب حتى الآن.

واعترض الطفيلي على دخول حزب الله في الانتخابات النيابية اللبنانية العام 1992م. مع أن مقرّبين منه (مثل الشيخ خضر طليس) كانوا قد دخلوا الانتخابات البرلمانية عن حزب الله. كما اعترض الطفيلي على اتفاقية التفاهم بعد حرب نيسان/ ابريل (عناقيد الغضب) 1996م. كما كان له اعتراض على "شخصنة" الحزب وربط الامور كلها بشخص واحد والابتعاد عن منطق الشورى. وعقب توقع اتفاقية التفاهم، انصرف الطفيلي لممارسة الدعوة والتبليغ الديني وسط أبناء الطائفة الشيعية وبخاصة الفقراء منهم في منطقتي بعلبك الهرمل. فأنشا حوزة عين بورضاي في منطقة البقاع اللبنانية.

كما عارض الطفيلي، اتفاق التحالف الذي جمع حزب الله وحركة أمل الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في العام 1996م. وبعدها رفع الطفيلي بالتدريج لواء المعارضة لسياسات الحزب ومن بينها المشاركة في الانتخابات النيابية، متهماً قادة الحزب بالمساومة، ومنتقداً تعاونهم مع النظام السياسي اللبناني “الفاسد”.

ومع بداية 1997، واحتجاجا على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشيعة في لبنان أعلن الشيخ الطفيلي العصيان المدني على الدولة اللبنانية، كما أعلن قيام ثورة الجياع. وقد عارض حزب الله رسميا هذه التحركات ودعا إلى مقاطعتها.

وكانت العصيان المدني أحد أكبر التحديات الداخلية، فالشيخ صبحي الطفيلي أول أمين عام له، بدأ الطفيلي تحركه في 4 مايو 1997، وأعلن قيام حركته التي أطلق عليها اسم “ثورة الجياع”، وهدفها إسقاط النظام السياسي اللبناني عبر ثورة شعبية شكلت من خلال مواقفها ونزولها للشارع تحدياً واقعياً لـ”حزب الله”، وتداعى إلى الأذهان احتمال حدوث انقسام داخل الحزب.  وفي يوم القدس العالمي في رمضان 1998 الذي اعتاد حزب الله على إحيائه في مدينة بعلبك ـ ساحة رأس العين بمراسم خاصة، أعلن الطفيلي عن إقامة المراسيم نفسها في المكان ذاته. فكان الإعلان كافياً للتعبير عن خروجه من الحزب، ما دفع قيادة الحزب إلى اتخاذ قرار بفصله بتاريخ 24 يناير 1998، وإلى إصدار بيان حول مواقفه وممارساته التي تكشف حسبما جاء في البيان “أن ما يقوم به ليس حركة مطلبية، بل سعيا إلى تقسيم الساحة وفرزها وفرض نفسه عليها بكل الوسائل المتوفرة لديه أياً تكن الخسائر والأضرار...”.

كانت حركة الطفيلي في الواقع موجهة ضد قادة “حزب الله” قبل أن تكون موجهة ضد الحكومة اللبنانية، ورغم تأييد حزب الله لمطالب الطفيلي الاجتماعية، فإن قادة الحزب، لم يؤيدوا حركته، كما تفادوا الصدام معه. وسعوا إضافة إلى ذلك، عن طريق شخصيات شيعية مدنية ودينية إلى إزالة التوتر بينهم وبين الطفيلي، لكن هذا الأخير أصر على شعاراته، وكانت هذه الحركة بالنسبة إلىه أهم مناسبة لاستعادة سلطته التي كان قد خسرها.

ويوم عيد الفطر في 1999، أعلن الطفيلي إقامة مهرجان في حوزة “الإمام المنتظر” العلمية في مدينة بعلبك، وخلال المهرجان قامت عناصر من حزب بمحاصرة الحوزة، فحدثت اشتباكات مسلحة بين أنصاره وبعض أفراد حزب الله في حوزة عين بورضاي يوم 30 يناير 1998. وقتل أثناء تبادل إطلاق النار الذي شارك فيه الجيش اللبناني الشيخ خضر طليس (نائب سابق) وأحد الضباط اللبنانيين.

مما ادي بالجيش اللبناني لمحاصرة الحوزة وجرت بين الفريقين صدامات عنيفة أدت إلى مقتل أحد ضباط الجيش اللبناني والشيخ خضر طليس، وغادر الطفيلي وأنصاره الحوزة بعد وقوع عدد من القتلى بين الفريقين، وهكذا فشلت حركة الطفيلي بعد أقل من عشرة أشهر من ولادتها.

كما انتقد بشدة اجتياح قوات حزب الله لبيروت في السابع من مايو/أيار 2008 ورأى فيه تورطا في صراع مذهبي.

[4]  راجع صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ 29 رجب 1424هـ، الموافق: 25/9/2003 م العدد (9067). وكذلك لقاء الطفيلي التلفزيوني في قناة new tv ضمن برنامج (بلا رقيب) أواخر عام 2003.

[5]  راجع علي الصادق، ماذا تعرف عن حزب الله، (سابق)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك