صيغت النظريات الإعلامية لتنطلق من اللاوعي وتقرأ من أمامها بشكل جيد، وعلم النفس له دور كبير في هذا، والإذاعي إدوارد بيرنيز، الذي برز في منتصف القرن الميلادي الماضي، استخدم تقنيات خاله سيغموند فرويد ونظرياته في اللاوعي، وبرمج الجمهور عبر نظريته، مما جعله رجلا مطلوبًا من كل الشركات العالمية بل من حكومة الولايات المتحدة آنذاك.
وعندما انتشرت في القرن الماضي أسطورة الصحون الطائرة والغزو الفضائي تأثر العالم كله، فالتكريس لهذه الكذبة أتى من جميع الاتجاهات، وكرّس هذه النظرية "الكذبة" ما فعلته هوليوود عبر أفلامها إلى درجة أن تم هندسة الناس في أمريكا وجزء من العالم على أنها صحيحة، ولعل ما ساعد على انتشارها هو أن الميثولوجيا لعبت دورًا بارزًا لتؤثر بقوة؛ فالناس تحب الخرافات والأساطير، وحكاياتنا للأطفال عادة ما تتسم بمثل هذه الأساطير.
إن التكرار المستمر للكذبة يؤدي بالمتلقي إلى الشك، ومتى تحول المتلقي من عدم التصديق إلى الشك فإنه يدخل دائرة الخداع، وكلنا يدرك أن الحرب على العراق قامت على خدعة الجماهير الأمريكية والبريطانية ومن ثم العالم.
لماذا أنت مخدوع؟قدمت قناة الجزيرة كتابًا عنوانه "البحث عن الحقيقة في كومة الأخبار الكاذبة" وكأنها بهذا صدقت حالها قبل غيرها بأن بث الأخبار الكاذبة يوصل إلى الحقيقة، وهي بهذا تعكس توجهها الحقيقي الذي يقوم على الكذب فقط، ولا شيء غير الكذب من أجل الوصول إلى الحقيقة، أي أنها تمرر للمشاهد الكذب حتى تصل إلى الحقيقة. لاحظوا خطورة الوضع هنا؛ إذ إن تكرار الكذب سيوصل المشاهد إلى الحقيقة، وركزوا هنا جيدًا فالحقيقة التي سيصل إليها المشاهد بعد كومة الكذب هذه هي أنه كان مخدوعًا، وأنها طوال الفترة التي عاشها معها كانت تكذب عليه، ليكتشف أن الحقيقة هي عكس ما كانت تقوله له هذه القناة المخادعة. العجيب في هذا البحث الذي كتبه مجموعة ممن يعملون في الجزيرة يعلمك كيف تتبع الأخبار وكيف توثقها وتطارد مصادرها، ومع ذلك يعون أنك لن تفعل لأنك ببساطة تسمع الخبر وتصدقه منهم، دون أن تشغّل عقلك وتتأكد من مصداقيته!
سأسأل سؤالاً: كم عدد سكان الأرض؟ ستة مليارات سبعة.. ما هو تأثير قصة طفل أو رجل أو امرأة أو عشر قصص أو مائة على سبعة مليارات؟ وهل الحكم على الكرة الأرضية برمتها أنها خيّرة أو شريرة بناء على هذه القصص؟
المحتوى لا يكمن في الانتقائية بقدر ما يكمن في الموضوعية التي تربط الأحداث ببعضها بعضًا، لتؤلف المصداقية المنتظرة منها، وليس لتكرر القصة ذاتها من عدة اتجاهات من أجل أن نصدقها. وهذا بالضبط ما تفعله قناة الجزيرة في عقولكم ـ يا شعبنا العربي ـ حيث أنها تكرر من أجل أن تصدقوا، ولكنها لا تعطيكم القياس الحقيقي للمصداقية، ولا تنشر لكم بموضوعية، بقدر ما تكرّس للوصول إلى أهدافها التي تريدها منكم، فتنساقون وراءها معتقدين أنها تقدم الدليل تلو الآخر، بينما هي "تكرر" لكم من أجل أن تقتنعوا وليس من اجل الحقيقة كما يتم تصويره لكم.
وتعمل قناة الجزيرة على تكرار الكذبة مهما كانت صغيرة. وتستمر في ترديدها حتى يدخل الشك قلب المستمع، فيبدأ يبني على ما يسمعه باستمرار حتى يقتنع بأن ما يقال هو الحقيقة،
والتكرار يوصل المتلقي إلى:
أولا: الشك، ومتى وصل إلى هذه المرحلة فيعني أنه اقترب من الوقوع في الفخ.
ثانيًا: الاقتناع، بعد الشك يستمر التكرار إلى أن يصل إلى الاقتناع، وهو هنا يكون قد وقع في الشبكة وتمت السيطرة عليه.
ثالثًا: بعد الاقتناع تأتي التبعية. ويكون ذلك أيضًا عبر التكرار لعدم النسيان واستمراره كأحد الجماهير الذين يتم اخضاع عقولها لهذه التجارة الرائدة في قناة الجزيرة، وتصديق كل ما تقوله.
رابعًا: التحول من مستقبل إلى مرسل وذلك عبر إرسال قناعاته لآخرين كي يسيروا معه وراء هذه الخدعة دون أن يشعر أنه مخدوع.
هنا: لا أوجهك إلى عدم التصديق بل إلى التدقيقـ دقق في الرسائل التي تتكرر.
ـ اربط بينها.
ـ قارن مع الوسائل الأخرى.
كيف تسير في هذا الطريق:ـ لا تتابع ما ترغب في أن تسمعه فقط.
ـ توجه إلى كل الإعلام حتى ما لا يتفق معك كي تصل إلى الحقيقة.
ـ استقلاليتك تتم عبر نقدك، وليس عبر تبعيتك لما يقال.
ـ لا تصدق كل ما تقوله الجزيرة.
ـ اقرأ تاريخ المصادر التي تنقل لك المعلومات.
ـ تثبت من المعلومة، فليس شرطًا أن علمًا من الأعلام يقول لك الحقيقة.