الجمعة، 2 نوفمبر 2018

إيران وجه أمريكا المخادع

لا شيء يهز العالم 25


إن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى إقامة علاقة 
استراتيجية أوسع مع إيران. شمعون بيريز لرونالد ريغان 


من يقرأ المناورات الأمريكية الإيرانية سيشعر أن هناك قنبلة موقوتة ستنفجر في أي وقت، ومنذ احتجاز 400 أمريكي في إيران والتلاسن مستمرًا إلى اليوم، وهي لعبة يلعبها الطرفان دون أن يرمش لهما رمش وهما يكذبان عيانًا بيانًا منذ مجيء ما يسمى بالثورة الإسلامية إلى اليوم.

ومما يبدو أن نظرية "هم" و "نحن" التي تحدث عنها تشومسكي عن الشيطان الاتحاد السوفيتي وعن الملاك الأمريكي تتكرر في الشرق الأوسط الآن، حيث أن الإسلام أصبح "هم"، وبما أن هم هؤلاء ليسوا الإيرانيين فلا شك أن التمويه ومشاركته الهدف يجب أن يقوم على أسس من المراوغات، والجدل البيزنطي بين الطرفين، كي يقنع العالم الإسلامي أن إيران هي مع المسلمين بينما جميع الحوادث تسير عكس ما يريده الإسلام، ولعلّ أخطر عبث تعمله إيران هو استعطاف الشعوب العربية بقضية فلسطين في الوقت الذي تتضح فيه رؤية الفرس الازدواجية فـ :" في الثمانينات جعلت إيران نفسها من أكثر الداعمين الإقليميين مجاهرة بتأييد القضية الفلسطينية، لكن نادرا ما اقترن هذا الكلام بالفعل"، وهي ـ أي إيران ـ طبقت منهج بوش/شارانسكي واستخدمت لتصدير "الثورة الاجتماعية" وليس "الثورة الإسلامية" كما تدعي، كما أنها عملت على ما يقارب 70% من "الفوضى الخلاقة" واستطاعت أن تزرعها في الأرض العربية، وأيضًا طبقت منهج برنارد لويس بكل ما يمليه من طائفية. وبهذا فإنها خير معين للولايات المتحدة التي تريد إعادة صياغة جغرافيا العالم العربي.

والعملية برمتها لا تهدف إلى خلق نظم سياسية جديدة ديمقراطية كما تدعي أمريكا بل إنها تزيد من الهيمنة والسيطرة على البلدان العربية، وما احتلال العراق وتسليمه في يد إيران إلا الدليل الأكيد على تسيير هذه الفوضى من أجل المصالح الأمريكية، وليس من أجل المواطن العربي كما يدعون، وليس من أجل الديمقراطية أو العدالة بل من أجل حلب خيرات البلاد العربية، والسيطرة على مناطق النفوذ فيها.

"عملت إيران ضد العملية السلمية (فترة التسعينيات) مخافة أن تصبح معزولة في المنطقة[1]" والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي إن معادلة التقارب بين إيران وإسرائيل هي بالتنافر والتوجه نحو الإيديولوجيا التي يمتلكها كلا البلدين، بخلاف أن عدوهما هم العرب أو المسلمين بالمعنى الحقيقي، وهذه الحقيقة التي عمي عنها البعض حيث " فشل أغلب المراقبين، الذين أعماهم الخطاب النقدي، في ملاحظة مصلحة مشتركة حسّاسة تتقاسمها هاتان القوتان غير العربيتين في الشرق الأوسط: الحاجة إلى تصوير صراعهما الاستراتيجي الجوهري بأنه صراع استراتيجي[2]"

وقد "اعتمد آية الله الخميني ـ إبان حربه مع العراق ـ على النموذج الخاص بالإسلام السياسي والحماسة الإيديولوجية للتغلب على الانقسام العربي الفارسي، وتقويض الأنظمة العربية التي تعارض الطموحات الإيرانية. لكن ما من مرة كانت فيها الأهداف الإيديولوجية الاستراتيجية لإيران على المحك إلا وسيطرت المقتضيات الاستراتيجية لدى طهران. فلو عدنا إلى ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت إيران غارقة في حرب العراق، حرص الإيرانيون على عدم اتباع خطب آية الله الخميني اللاذعة التي كان ينتقد فيها إسرائيل بأي أعمال ملموسة. وبالرغم من أن الإيديولوجيا لعبت دورًا حاسمًا في السنين الأولى للثورة، اعتمدت سياسة إيران مع إسرائيل على الإكثار من الصراخ لكن مع القليل من الأفعال" ونجحت لغة الخطاب في إبراز العداوة بين إسرائيل وإيران خصوصًا وأن إيران الفارسية حاولت العمل على القضية الفلسطينية وكسب التأييد الشعبي العربي، مما دعا الملك عبد الله العاهل الأردني بعد سنوات من الثورة الإسلامية إلى التحذير من هلال شيعي يمتد من إيران ويمر عبر العراق ويصل للبنان، ومثله شدد العاهل المصري الأسبق حسني مبارك على موالاة العراقيين الشيعة لإيران، وحدث أن تحققت رؤية الملك عبد الله وحديث الرئيس مبارك، بعد أن سلّمت أمريكا العراق لإيران، مما يعني أن الاستراتيجية الإسرائيلية الإيرانية تسير بشكل ممتاز، والفائدة في النهاية ستذهب إلى المسألة الإيديولوجية سواء الفارسية أو الإسرائيلية، والمرشح هنا بما أن أمريكا مع المد الإسرائيلي بأنها ستذهب لمصلحة الأخيرة إلى نهاية العالم!



كان الكاتب كلايد هبرمان يتساءل في النيويورك تايمز  عام 1992م " لماذا انتظر الإسرائليون حتى وقت قريب لكي يطلقوا إنذارًا قويًا، هذا سؤال محيّر؟!، وتابع هبرمان حديثه:" ظلت إسرائيل على مدى سنوات عدة على استعداد مع إيران، حتى عندما كان الملالي يصرخون مطالبين بإزالة الكيان الصهيوني"  أي بكل وضوح مصالح إيران في المنطقة هي مصالح إسرائيل، وما الصراخ الذي يطلقه الإيرانيون إلا لعبة مدروسة يجيدونها معًا هم والأمريكان، بينما إسرائيل هي الحمل الوديع الذي يعيش في المنطقة مدعيًّا هو وأمريكا أنه يريد السلام للمنطقة، بينما هو ينتظر الفرصة السانحة كي ينقض على العالم العربي بمساعدة المد الشيطاني الإيراني، ويتمويل أمريكي متكامل من جميع الوجوه، سواء سياسيًا أو اقتصاديّا أو عسكريًا.

إن تمكين إيران في العراق لم يكن يأتي لولا التدخل الأمريكي، أي أن هناك تدخلاً خارجيًا انصب لمصلحة العملية الأمريكية، بحيث أن هذا عاملا مساعدًا للوصول إلى التفكك الكامل الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية ومن وراءها. وسعت ـ إلى الآن مستمرة ـ في هذا السياق بعد احتلال العراق إلى إنهاك الدول العربية الأخرى وخصوصًا التي لم تتأثر بما سمّي بـ "الربيع العربي" أو التي خرجت من الأزمة سريعًا كمصر. حيث أن عملية الإنهاك للمملكة العربية السعودية تمت عبر تسليم العراق لإيران ومثلها سوريا ومثلها التمهيد لمحاولة السيطرة على اليمن بعد أن فشلت في السيطرة على البحرين، لنلحظ الآتي:

ـ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق دخل ما يقارب المليون شخص من إيران إلى العراق بشكل غير رسمي، لينحل الجيش العراقي بأوامر المالكي "العميل الإيراني" وتبدأ "داعش" "الصنيعة الأمريكية" في الدخول إلى العراق، وتبدأ حرب على السنة العراقيين بمساعدة الأمريكان، والجنود الأمريكان جنبًا إلى جنب مع قاسم سليماني وهو المطلوب للعدالة أو مجرّم دوليًا، وفي هذا يتضح الأمر إلى أين تسير الأمور. حيث تم تجريف السنة وظهر الحشد الشعبي الذي قتل العراقيين السنة وجرّفهم أيما تجريف. ليظهر في النهاية أن الهدف ليس إرساء الديمقراطية كما ادعى بوش وزبانيته بل الهدف هو القضاء على المسلمين الحقيقيين الذين بإمكانهم إرساء الديمقراطية الحقيقية في العالم. وهذا جُلّ ما يخشاه الأمريكان، لأن الإسرائليين الذين يسيّرون أمريكا يعلمون أن المسلمين إن انتشرت عدالتهم سيسيطرون على العالم بها، فلا مجال لأن يصنعوا هذا، ولا طريق إلا عبر شيطنتهم أمام العالم.

ـ كان التوجه أن تسيطر إيران على البحرين، وبالتالي تسعى إلى إنهاك المملكة العربية السعودية عبر عملائها فيها الذين هيأتهم من قبل وبتأييد أمريكي كامل بدلالة الاجتماعات الأمريكية المستمرة مع المعارضين الشيعة وأعضاء جمعية الوفاق، وبدلالة غضب وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلنتون من تدخل السعودية في البحرين.

ـ مهدت الأمم المتحدة سقوط الحكومة اليمنية وبالتالي تعاونت مع "الحوثيين" التابع الإيراني للسيطرة على البلاد، والهدف هو إنهاك السعودية، وكانت الحرب على اليمن، التي كلما أراد التحالف أن ينهيها تدخلت الأمم المتحدة وأوقفتها، لأنه إن انتهت هذه الحرب فيعني أن السعودية ستتحرك في ثغرة أخرى لتسدها وهي سوريا التي تحد العراق "مركز العمليات الأمريكية"، وإن استطاعت السعودية إغلاق هذه الثغرة فإنها بلا شك ستبدأ في تحرير العراق من اليد الإيرانية، وهذا ما يريده الغرب، فالسعودية حاملة لواء الإسلام ولا يجب أن ترفع رأسها لتحرر العالم من كابوسه، ويجب استمرار الإنهاك.

ـ العمل على عدم استقرار سوريا والزج بإيران في هذه الحرب من أجل الوصول إلى درجة كبيرة من الإنهاك لخط الدفاع الأخير عن الإسلام، وهذا ما يسعى إليه الغرب برمته، وعلى العالم الإسلامي أن يتنبه أن السعودية هي الوحيدة التي تعمل ضد المشروع الغربي، وأن لا فائدة من تفكك العالم العربي، ولن تجني الشعوب سوى الدمار من خلال دخول المحتل الغربي المتوحش، بدلالة أن عدد القتلى في العراق وصل إلى أربعة ملايين قتيل جراء هذ الحرب.

ـ السعودية بعد سقوط بغداد ودمشق وانهاك القاهرة هي الخط الأقوى الآن في المنطقة، ولهذا فإن العمل على انهاكها يتم ببطء، ويجب على العرب التنبه لهذه النقطة، لأنه إن سقطت السعودية سيصبح العالم العربي دويلات صغيرة جدًّا ويسهل اختراقها بكل بساطة، ليس من إيران بل من إسرائيل فهي الخط النهائي الذي ينتظره الغرب مع بزوغ شمس "إسرائيل الكبرى".

إن إيران ما هي إلا يد مسيّرة، ولا تستطيع الخروج بسهولة إلى أن تكون مستقلة في رأيها أو في استراتيجيتها كما يرى بارسي في كتابه، وذلك كونها أوهن من أن تعمل لوحدها، ولولا وجود مظلة لها لما استطاعت التحرك في العراق أو في سوريا، والمظلة واضحة ومكشوفة من قبل الطرف الغربي.

ــــــــــــــــــ

[1]  تريتا بارسي، حلف المصالح المشتركة.. التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة،ت: أمين الأيوبي، م: مركز التعريب والبرمجة، الدار العربية للعروم ناشرون،ط1، 2008م. بيروت،لبنان. ص4

[2]  نفسه ص8

هناك 3 تعليقات:

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك