الأربعاء، 27 مارس 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي (4)

من خلال الشكل السابق سنلحظ أن المعلومات في تزايد مستمر، والتأثيرات الكامنة تسير بتسارع، وخلال ثلاثة عقود أو تزيد لم نستطع قراءة هذا، ولم نضرب حسابًا لأن العملية هنا ليست في صناعة "حشود" بل في تزايد القطيعة بين الجمعي والفردي، إذ إنه مع تزايد المعلومات فإن هناك تزايدًا في عدم التواصل، وبالتالي فإن عملية الدعاية الإعلامية لم تعد مثلما كانت عليه في العقود الثلاثة الماضية، بل بدأت تتشكل بطريقة مختلفة عمّا كانت عليه. لنلحظ الآتي:

دعاية إعلامية: تأثيرات كامنة

دفق إعلامي: يعمل ضوضاء

جمهور: متأثر بالدفق الإعلامي

مشاهد: داعم للرسالة



إن الدعاية: فكرة تنبع من فكر واحد، وليس مقدّرًا لها أن تكون عن طريق فريق كامل متناقض، فالفكر المتناقض أو المختلف في وجهات النظر يؤدي إلى المنطق، وبالتالي إلى العقلانية، ولن يتخذ طريقه نحو العاطفة، والذي يجب أن يتخذ مساره بناء على رغبة نحو تنفيذ قرار، أو توجيه أجندة، أو تجسير فجوة، أو ترتيب أولويات، أو تنميط استهلاك...الخ. والأسلوب المتبع الآن في الدعاية يقارب أسلوب "إعادة التنظيم الاجتماعي" التي استلهمها كلود هنري دي سان سيمون (منتصف القرن التاسع عشر) والذي يُعنى بقراءة الواقع الاجتماعي باستلهام الفكرة المجازية عن العالم الحي، التي أدت إلى ميلاد الفكر المرتكز على "المؤسسة/ الشبكة" حيث شكلت "الفيزيولوجيا الاجتماعية" قاعدة لعلم أطلق عليه اسم "إعادة التنظيم الاجتماعي" وقد سعى إلى إعادة ترتيب الأمور، وذلك بالانتقال من "قيادة الأفراد" إلى "إدارة الأشياء".(آرمان وميشال مالاتر، تاريخ نظريات الاتصال)

وبما أن الدعاية: تعبئة القوى العاطفية والمصالح الفردية، بقصد حالة من التشتت الذهني أو الغموض الفكري التي تسمح بتسيير عملية الإقناع لفكرة معينة أو بمبدأ ما. وأنها "العملية النفسية والتي يقوم على أساسها الشخص إلى تغيير الرأي أو السلوك أو تعديل أي منهما أو كليهما استنادًا إلى الكذب أو إلى خلق نوع من الإثارة النفسية بحيث أنه كان يمكن أن يميل الفرد إلى ذلك الرأي لو لم يخضع لعملية تشويه للوقائع أو لنطق الحقائق (د. منال طلعت، مدخل إلى علم الاتصال)؛ فإنها من حيث جوهرها هي عملية تشتت ذهني تؤدي إلى تشويه في المنطق وبالتالي أي نوع من التشتت بغض النظر عن أسلوب العملية الدعائية. فالغاية النهائية للدعاية هي تغيير الاستجابة السلوكية في الموقف من مشكلة أو موضوع أو مسار ما.

ولا شك أن الدعاية في هذه الحالة ستستهدف في البدء "قادة الرأي" أو "قادة المجتمع" أو "رؤساء المجموعات" كي يؤثروا على الجمهور، ودومًا الهدف النهائي للدعاية ليس هذه الرؤوس بل هم الجمهور، وهو الشغل الشاغل للدعاية، وأيضًا حتى للإعلام لتغيير اتجاهات الرأي مع تغير بسيط وهو أن الإعلام يُفترض أنه يخاطب العقول في العادة بينما الدعاية تخاطب الغرائز.

من هنا فإن التأثيرات الكامنة للدعاية تتمحور حول العاطفة، وتستحضر الماضي البعيد، وتثير الغرائز، ويكون الدفق الإعلامي هو عملية التشويش على عقول الجماهير عبر الرسائل التي تسيّرها، وذلك للتأثير على الجمهور، ومن ثمّ ـ الآن ـ فإن المشاهد هو داعم للرسالة إن لم يكن هو الوسيلة، التي تتخذ مسارها لتكثيف الدعاية، دون أن تشعر بذلك، فتحول الفرد ـ هذه الأيام ـ إلى "مجموعة بيانات" أو إلى "رقم" يساعد على أن يكون هو المركب الذي تسير عليه الدعاية، فمن خلال دفق المعلومات التي تصلنا، وخط سير هذا "الرقم" نستطيع توجيه رسالتنا لنعبر إلى ما نريد.

هناك تعليق واحد:

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك