وأنا أقرأ " كانط" ليس الآن، بل في أي وقت أقرأه، أتذكر أستاذ علم الاجتماع الذي كان يدرسنا في الجامعة، وهو يطلب منا أن نضع أكفنا على الطاولة مع فرد الأصابع كي يرى طول أظافرنا، ومن كانت طويلة فإن علامة f تكون جاهزة، ولن يشم رائحة النجاح.
فلسفة كانط ـ وضعت الطاء مكان التاء للتفريق بين الناقص كانت وبين الاسم، رغم أن لفظه بالطاء صحيح لدى المغاربة، بينما معظم المشارقة ينطقونه بالتاء ـ في مجملها قلبت موازين المجتمع ـ قطعا لم أعرف هذا من أستاذ علم الاجتماع، بل بعد أن تعمقت في قراءاتي، لأن ما ندرسه في الجامعة ما هو إلا لذر الرماد في العيون، وليس للعلم أو المعرفة، آسف أستاذي أن أقول هذا فأنت تعلم أن هذا هو الصحيح.
يقول الشاعر
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن **** همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أكيد أن هذا الشعر للمتنبي. ولكني أعرف إن كانط كان يرى " أن الأخلاقيات المستنبطة من الميتافيزيقيه وهمية، غير أن السلوك الأخلاقي والفضيلة واقعان، وذهب إلى أنهما فرض لصورة مجردة وكلية خاصة بروحنا على تلك المادة المكونة من الفاعلات الإنسانية".
أحب مكــارم الأخلاق جــهدي **** وأكره أن أعـــيب وأن أعابا
وأصْبَح عن سباب الناس حلما **** وشر الناس من يهوى السبابا
ومن هاب الرجال تهيّـــــــبوه **** ومن حقر الرجــال فلن يهابا
أليس الشعراء فلاسفة، ومن يقرأ الشعر العربي من هذا الباب سيلحظ النظريات الفلسفية التي يطرحونها.. ولكن من لي بهذا.
لي أن أسأل كانط هنا كيف يمكن أن يكون الاستنباط الأخلاقي من الميتافيزيقا وهمياً؟ هل تم تشريح الروح مادياً؟ إن شرحت مادياً فله كامل الحق في قول هذا وإن لم يتم عليه أن يستنبط لي الروح أولاً ومن ثم يقول لنا إن الغيبيات وهمية، ولعل الوهمية هذه تنطبق على الروح.. هذه نقطة. النقطة الأخرى هي حقيقة البناء على الصورة إذ لا أرى فيها ما يوازي الفعل بقدر ما يوازي الروح، شاعرنا يقول:
................ إن القرين بالمقارن يقتدي
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول" الأرواح جنود مجندة ما تقارب منها ائتلف وما تنافر منها اختلف" وبهذا فإن المسألة لا تتوقف على المُتخيل الإنساني بقدر ما تتوقف على الوهمية التي تحدث عنها كانط.. أعني هنا الروح. والمسألة الندية والمطلقة لا تتحقق في تصوري في التفاعل بين البشر لأنهم فعلا ليسوا كذلك، بدليل التغير الأخلاقي في طبيعتهم، وبدليل التناقض الأخلاقي أيضاً.. فكون الإنسان شريراً غير كونه خيّراً، وكونه سالباً غيره ايجابياَ، وكونه ملكاً غير كونه عامياً، وهكذا. طبيعة الحياة برمتها تناقض. والتناقض لا يأتي بالمطلق، فالمطلق لا يأتي إلا من الكمال.
" فيخته" يرى أن النزاع يدور بين مجموعة من الأنّات هادفا إلى الإلغاء التدريجي للعقبات التي تعترض طريق الاستقلال الذاتي العقلاني" هنا يتضح مقدار النزاع الذي يوضح أن الإنسان ليس مطلقاً، فلو أنه مطلقا، لما استطاع أحد أن ينازعه، ولما استطاعت النفس منازعته، ولا عقبات تقف في طريقه.
الإشكالية هنا هي: إن أخلاق المجتمع تتشكل حسب النزاعات القائمة، حتى مع نفسه، وبين فينة وأخرى تتغير هذه الأخلاقيات بتغير النزاعات وبتغير الأفكار.. والدلائل أن هذه الألفية الجديدة كشفت الكثير من هذا.
لي عودة مع هذا الموضوع.. وسأربطه بشكل مقنن مع نزاع الفلاسفة حول الأخلاقيات قدر المستطاع، إذ أن كانط وأستاذي في الجامعة لا يكفيان في هذا الموضوع.
لولا المشقة ساد الناس كلهم **** الجود يفقر والإقدام قتّال
إلا جود المعرفة...
لله أنت أيها المتنبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك