الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

كرة القدم من "يد" ماردونا إلى قدم ميسي.. ماذا تفعل بالعالم؟

 منتخب البرازيل و”السجين رقم 20″

باختصار:


كنت أتوقع أنني لن أخرج من نسخة البرازيل عام 1982 والتي كانت عبارة عن مجموعة مختلطة من الفلاسفة والفنانين، لا تعجبوا فقد مثلوا أسطورة عبر كعوبهم كأسطورة “أخيل”، كان المعلق أكرم صالح رحمه الله يقول “يا عيني ع هالكاحل” ليس كعب زيكو بل كعب “سقراط” تخيلوا ذلك الفيلسوف يلعب مع منخب البرازيل؛ إنه لكذلك شئتم أم أبيتم، وكأنه يريد أن يتقمص الزمن ليقول إن الفلسفة لا تتوقف على ما تقرأه، أو على ما يطرحه الفيلسوف من أفكار لكم بين دفتي كتاب، بل إنها هنا على العشب الأخضر، وها أنا أحضرها لكم.. لا شك أن تلك المجموعة من لاعبي البرازيل لن تتكرر حتى وإن ضمت رونالدو أو كارلوس البرتو أو الجميل كاكا، أو حتى نايمار أو رونالدينهو. العجيب أن أفضل نسخة في كرة العالم أخرجها من البطولة “السجين رقم 20” باولو روسي. بعد أن أنقذ الطليان، الذين قدموا أسوأ نموذج وهم يحصلون على كأس العالم تلك السنة، حيث تحولت الكرة من متعة “الهجوم خير وسيلة للدفاع” إلى “الدفاع خير وسيلة للفوز بالبطولة”. ولم يبق لكأس العالم طعمها سوى أسطورة كرة القدم الوحيدة الأرجنتيني “ماردونا” ومن حسن حظنا أن بروزه جاء في البطولة التالية عام 1986، وإلا لقلنا على كرة القدم السلام!، ليست “يده” التي أنقذت المستديرة، بل عقله الذي كان يسيطر على الكرة في الملعب، وبه يسيطر على كل خصومه، إلى درجة وكأنك تقرأ في أسطورة يونانية، أو كأنك ترى “الباخيات” يرقصن في المدرجات مع كل حركة يقوم بها ذلك اللاعب. هذا اللاعب أخرجني من نسخة البرازيل، وجعلني أتماهى مع حالة نادرة في لعب الكرة، ومن يقارنه ببيليه فقد ظلمه، فهو لا يشبه إلا نفسه، لأن زمن بيليه كان زمن الفرديات، وكان اللعب فيه الذي أراه “شبه عشائي”، بينما زمن ماردونا كان زمن “الخطط” بل زمن تحوّل اللعبة من الهجوم إلى الدفاع المكثف، وخصوصًا معه.

ومن حسن حظ الكرة أيضًا أن ظهر زيدان، اللاعب الذي كان يروض الكرة حتى لو أتته بسرعة 200كم/سا، واللاعب الذي ينقل لك الكرة بالملم، ودائمًا كل لاعب فذ تجده بخرج عن طوره، لأنه يرى ما لا يراه الحكم ولا الآخر الخصم. وظهر رونالدو معه، ليظهر ميسي ويعطي أملًا في بقاء المتعة لكرة القدم.

إن كرة القدم ليست لعبة تافهة كما يتخيلها البعض، بل هي تعبير عن مشاعر الناس، ومن لا يرى ذلك فهو يعيش في عماء، وهي ليست مجرد غواية، كما يحلو للبعض، بل هي رؤية تحمل في طياتها الكثير من الاقتباسات في حياة الأشخاص، فيرى نفسه فيها، وما فوز منتخبنا على فريق ماردونا ورديفه “ميسي” سوى حالة تعطي دلالة أكيدة على ما لها من أهمية في قراءة الشعوب، بل حياة الشعوب المسماة بدول العالم الثالث، والتي شدد عليها المستعمر قبضته سواء الاقتصادية أو الإعلامية أو حتى العسكرية، فلهذا تفرح بمثل هذا النصر المعنوي، وما يدلل على أهميتها أنها أيضًا تعد لعبة سياسية، فقد طردت ألمانيا النازية من البطولة، وكم تكرر ذلك لنشهد هذا عندما تم طرد “روسيا” منها أيضًا؛ أي أنها ليست مجرد لعبة، وإنما لعبة نفسية قوية، وتعطي أبعادًا، وتفتح آفاقًا، وتعد “قوة ناعمة” تعطي ثمارها في التأثير على الشعوب، ويتم قطف ما يجري في ميدانها عبر وسائل الإعلام جديدها وقديمها.

إنها هذه المستديرة أسطورة قائمة على “كعب” سقراط، وعلى استعراض ماردونا، وعلى مهارات “ميسي” وعلى ظهر دبابة قد تكون في العراق، لتتوقف من أجل مشاهدة “كعب سقراط” عندما تمرر كرة لزيكو، ليسجل هدفًا في المرمى الأمريكي، الذي لم يكن له وجود في ذلك الوقت.

وبعد هذا أرى أن صناعة الأيقونات بات واضحًا في كرة القدم الأوربية، وهذا ما سيخرب اللعبة مستقبلًا، لأن هناك لاعبين يلعبون الكرة من أجل الكرة والمتعة، بينما بدأت تنحو في أوروبا نحو صناعة المال فقط، وهذا ما سيسقط الكرة الأوربية..وقريبًا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك