الجمعة، 5 مايو 2023

الإنسان وما يعيش!!

إن فكرنا في القيم فإن الفلاسفة والمفكرين الأخلاقيين والدينيين والوعاظ، يضعون مقاييس يعتقدون أنها من صناعتهم، بينما هي متداولة بكل بساطة بين الناس، فالإنسان العادي لا يفكر في كيف تكون الأخلاق بل إننا نرى ذلك في فعله اليومي الذي يعيشه. كما إن المفكر أو الفيلسوف مثله مثل غيره "وبرهان ذلك أن الحكيم والعاقل والعلم والعامل واجدون لسائر اللذات كما يجدها المنهمك فيها، ويحسونها كما يحسها المقبل عليها" (ابن حزم، مداواة النفس. ص 3) ثم إن كل شيء شامل، ويسير بكل أريحية بين الناس، فلماذا نعمد إلى تفكيكه والزج بالمجتمعات في وصلات صغيرة نجتزئها كي نقنن الأخلاق، كي نفرض قيمنا" إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهت في أخذ فكرتك باضمحلال جميع أحوال الدنيا" (ابن حزم،3) الناس لا تحتاج إلى أن تدركها أو تطارد وراءها لتفهم كيف يجب عليها أن تدرك القيم، لأنها مدركة بشمولية، ومع هذا فهناك  " في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة. وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق. ومن الناس من يؤثر بهواه وارادته على بعد الصيت. وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده. وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها. وفي الناس من يؤثر الجهل على العلم كأكثر من ترى من العامة" (ابن حزم 5) هؤلاء وغيرهم من الأصناف التي تعيش بيننا تشعر بحياتها بهذا الشكل، أو بهذه الطريقة، وكل ما علينا فعله هو أن يكف شر الشرير على مجتمعه، بينما أنت تسعى إلى أن تفصّل كل شيء لها، المجتمعات لا تريد هذا التفصيل، لأنه هو الطريق الذي ينغلق عليها في النهاية، أو تغلقه كي تنقلها إلى جزئية أخرى، وهكذا.. وهذا مشتت لها، لأن سياقات المجتمعات تقوم على ما تآلفت عليه، والكذبة الكبرى التي يسعى إليها البعض هي أن الناس متساوية وأن الشرق مثل الغرب، أو العكس، بينما يدرك الشرق أنه شرقًا ويدرك الغرب أنه غربًا، وأن كل ما يمت للقيم والأخلاق هو مختلف بينهما تمامًا، ولن يكون هناك درب واحد، فالتسلسل الأخلاقي والديني والمعرفي والعرقي والفكري يختلف من مجتمع إلى آخر وهذا هو ديدن الحياة التي تعيش متناقضاتها ومن ضمنها تناقضات واختلافات هذا الإنسان. هذا التنافر بين الشرق والغرب علينا أن نؤمن به، وأن نقتنع أنه حاصل مهما كانت تسميته والتباعد بينهما سيتواصل، لأن الأصل هو التناقض في داخل المجتمع الواحد فما بالك بين المجتمعات الإنسانية جمعاء، التناقض في الأسرة الواحدة، حتى فكرة الشمولية أو ما تحدث عنه إيزايا برلين في نسيج الإنسان الفاسد: من أنه يجب الذهاب إلى نمط كامل، أو كان يبحث عن نمط كامل، بل ويلح على أن الناس يجب أن تكتشفه. وبكل أسف هو لا يذهب مثلما يذهب ابن حزم مثلًا وينظر إلى المسألة من باب جلاء الهم والبعد عنه ولا يتم إلا بالعمل للآخرة، والابتعاد عن كلام الناس إلى كلام الله، إذ هناك فرق في التوجه، وهنا اختلاف كبير بين مفهوم ومفهوم، وبين حقيقة أدركها أنا وحقيقة تدركها أنت، وقس على برلين الكثير من مفكري الغرب الذين من بعد ثورة فرنسا لا يعترفون بالدين رغم أنهم يستقون منه الشيء الكثير، بل الجزء الأكبر مما قدموه في فلسفتهم، بكل مواربة، وبكل تحيّز أيضًا لجهتهم على جهة الشرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك