مشكلة العصر الحديث هو الموت، فمنذ إعلان اشبنجلر عن نهاية الغرب، ومنذ إعلان نيتشه "موت الإله" والفلاسفة الجدد تخلوا عن جمود المقالة كما يسميها بارت أو يتجه بها حين قال: "لقد كان سارتر آلة ناسخة عظيمة..."

إن ملاحقة العقل أيضاً تقتله، فمثلما يموت المؤلف عند بارت سيموت العقل عند نيتشه أو فوكو أو بارت،، حتى الفلسفة قتلوها بنهاية هيجل وقالوا إنها بلغت نهايتها مع نهاية هذا الفيلسوف.

لم يتوقف جماعة الفلاسفة الجدد عن القتل حيث إن فوكو قتل "الإنسان" حين ألغى عنه النزعة الإنسانية، ووالتر بنيامين أعلن عن نهاية الفن في عصر الإنتاج الآلي، أي أن كل أطروحات هيجل ومن قبله عن الفن لا قيمة لها. بينما هايدجر أنهى الغيبيات، ورأى بتجاوزها. ورولان بارت أعلن موت المؤلف ربما بتأثر من "موت الإله"، ورورتي رأى نهاية الفلسفة النسقية، التي سار عليها ميشال فوكو حتى وفاته، وكأنه أعلن ذلك بعد وفاة فوكو. وفوكوياما أعلن للجميع نهاية التاريخ، أي قوض كل ما قاله من سبقه من الفلاسفة الجدد ليعود إلى الواحدية. وفي النهاية قد نلمس إعادة بناء التاريخ وبناء الفلسفة وبناء الإنسان خلال السنوات القادمة، وبشكل جديد عما كان يبشر به الفلاسفة إلى عهد هيجل!! لأنه إن توقفت الفلسفة عنده فيعني أن من جاء بعده ليسوا فلاسفة بل هم خليط بين المثقف والفيلسوف والمعرفي والناقد والروائي.. وكلهم ستكون نهايتهم الموت، وهذا هو العجيب الذي لم يفكروا فيه، وربما لو فكروا فيه لنسفوا "عقل" نيتشه وجعلوا "الموت" هو الإله!!

والإشكالية التي لا زالت موجودة ولم يتنبه لها الفلاسفة الجدد هي أن هناك ثقافتين قائمتين يلمسهما العالم أجمع وهي أن حالة الفن والآداب والإنسانيات تسير في خط لوحدها ولا ترى المعسكر الآخر وهو المشتغل بثقافة العلوم الطبيعية، وأتفق مع "سنو" بأن هناك انفصاماً بينهما، على الرغم من تفكير المشتغلين بالإنسانيات والثقافة في اتخاذهم منهجاً علمياً يسيرون عليه لفهم العالم وتفسيره وربطه بالحقائق العلمية، ولكنهم في نفس الوقت ينفون ما جاء به فوكو من موت "النزعة الإنسانية" ويعملون على مذهب إنساني شامل ثقافي موسوعي، ولا ننكر هنا إسهامات دافنشي علمياً وإنسانياً، إلا أن ذلك لا يعد في إطار يمكن عبره أن نقول إن هناك تواصلاً بين الثقافتين.

إن إعلان الأموات أبرز فلسفة "الإنسانيون الجدد" وتركوا وراءهم فلاسفة الموت، وذلك من أجل بناء الإنسان وليس هدمه بتشاؤمية بحتة، مع الأخذ في الاعتبار أنهم "يجعلون المعاني الأعمق لحياتنا مرئية لنا، وأن يعيدوا تعريف من نكون وماذا نكون" (الإنسانيون الجدد ص14)

ـــــــــــــــ

نشر في ملحق الرياض الثقافي