الصوفية معركة الأفكار الغربية البديلة لمعركة الشيعة
إنَّ معركتنا هي معركة الأفكار ومعركة العقُول,
ولكي ننتصر على الإرهاب لا بد من الانتصار في ساحة الحرَب على الأفكار
بول ولفويتز
مقدمة
تعد الطريقة التيجانية في السودان والجزائر والمغرب أكثر طرق التصوف تأثيرًا في العالم العربي، والنقشبندية في آسيا والعالم هي الأكبر والأكثر انتشارًا. ويأتي ذلك من بين ما يقارب 280 طريقة صوفية، كل طريقة تحمل طابعها وتتمتع بحيوية ونفوذ في بيئتها. وتعد الرفاعية والعزمية في مصر، والتيجانية والعلوية في الجزائر والمغرب، والبرهانية في تونس والشاذلية في سوريا والسنوسية والعيساوية في ليبيا، والغزالية في اليمن من أهم الطرق في القطر العربي، بينما تنتشر وبشكل غير واضح الطريقتين النقشبندية والقادرية في بعض دول الخليج العربي، ولعل مرد ذلك إلى وجود جاليات من آسيا ومن موريتانيا في هذه الدول.
وتقترب عدد الطرق الصوفية فى مصر من 76 طريقة، تنتشر في محافظات “,”الصعيد“,”، وفي مدن الدلتا، وفي عشوائيات القاهرة الكبرى ، ومن أشهر تلك الطرق في مصر العزمية والسعدية والرفاعية والنقشبندية والشهاوية والشبراوية .
بينما بلغ عدد الطرق الصوفية في ليبيا حوالي 13 طريقة بعضها قادم من دول المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية، والبعض الآخر شديد الحداثة قادم مصر، ينتشرون في 659 زاوية بين شرق ليبيا وغربها وفي طرابلس العاصمة، وتعد من أشهر هذه الطرق وأكثرها تأثيرا بعد سقوط القذافي الطريقة العيساوية والزروقية والسنوسية.
وفي الجزائر وصل عدد الطرق الصوفية إلى30 طريقة، تنشر في 9 آلاف زاوية تضم حوالي 4 ملايين صوفي وأشهرها الرحمانية والسنوسية والدرقاوية والطيبية والتيجانية والعلاوية، ولهم تأثير في معظم المحافظات الجزائرية وعلى وجه الخصوص في العاصمة، وللأغلبية دور حيوي وأمني في الأماكن القريبة من الحدود المغربية خصوصا بين مريدي الطريقتين التيجانية والعلوية.
وفيما يتعلق بالسودان يقترب عدد الطرق الصوفية فيها من 40 طريقة، منتشرة وفاعلة في كافة ربوع السودان. وتتميز السودان بوجود مركز ثقل سياسي واجتماعي لكل طريقة حسب كل منطقة جغرافية ، فتتمركز الطريقة السمائية في وسط السودان وغرب أم درمان، وتنتشر الطريقة التيجانية في دارفور وفي شندي والدامر والأبيض والخرطوم وأم درمان، وتتمركز الطريقة الختمية في شرق السودان وشماله والخرطوم بحري وينتشر الأنصار الذين يتزعمهم الصادق المهدي في النيل الأبيض والجزيرة وأم درمان، أما الطريقة القادرية فتوجد في وسط السودان ومنطقة ولاية النيل، أما الطرق الحديثة البرهانية والدندراوية والأدارسة فمنتشرة في أماكن متفرقة بالقرب من الحدود المصرية.
وفيما يتعلق بعدد الطرق الصوفية في اليمن فقد اقترب من 20 طريقة، منتشرة في المنطقة الشرقية في محافظة حضرموت، والمنطقة الغربية في تهامة وفي المنطقة الجنوبية في محافظة عدن وايضا في المناطق الوسطى في محافظة إب وتعز والبيضاء. وكما هو الحال فى أغلب الدول العربية ففي اليمن تجد طرقاً صوفية محلية النشأة، وأخرى وافدة، ومن أشهر الطرق الصوفية محلية النشأة والوليدة من البيئة الداخلية: الأهدلية والجبرتية والعيدروسية. وفيما يتعلق بالطرق الوافدة المنتشرة في اليمن فهي: القادرية والشاذلية والرفاعية والنقشبندية والسهروردية.
وتتميز الخريطة الصوفية لدولة المغرب بأن عدد طرقها يقترب من عدد الطرق الصوفية في الجزائر؛ نظرا للتقارب الشديد بين الطرق الصوفية في الدولتين، وتنتشر في العاصمة مراكش وفي دمنات وفي إزيلات، وتنتشر بكثرة في الريف الشرقي. ومن أشهر الطرق الممتدة فى المناطق سالفة الذكر: الحنصالية والعلوية والقدورية الكركرية والدرقاوية والقادرية والشاذلية والشعبيون.
ورغم قدم وجمع الطرق الصوفية فى شمال افريقيا بين الطرق الوليدة فيها، والطرق الوافدة، يختلف الحال فى منطقة الخليج إذ تتسم الخريطة الصوفية فيها بالحداثة، وتتوزع في مناطق محدودة في دولة البحرين وفي الإمارات وفي الكويت. وأشهر الطرق التي تواجدت في هذه منطقة الخليج: النقشبندية والقادرية والعلوية الحدادية. [1]
التحرك السياسي
مؤتمر الشيشان الذي انعقد في العاصمة غروزني للفترة من 28 – 30 من شهر أغسطس 2016 تحت عنوان “من هم أهل السنة والجماعة؟ وندوة "برنامج الأمن الدولي" التي كانت بتاريخ: 24 أكتوبر 2003، في مركز نيكسون[2]، في العاصمة واشنطن DC الولايات المتحدة الأمريكية، 13 سنة، والتي لاحظنا فيها أن برنارد لويس أشد أعداء الإسلام، وديك تشيني وبول ولفويتز، ونائب الطريقة النقشبندية هشام قباني وغيره من رؤوس التصوف كانوا حاضرين تلك الندوة. وكانت تهدف إلى "استكشاف ومناقشة الدور الذي يمكن أن تؤديه القيم الباطنية في خدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية وتقديم النصح والمشورة للإدارة الأمريكية في كيفية فهم التصوف وتفعيل دوره في السياسة الخارجية الأمريكية"[3]
وكانت مجمل توصيات المشاركين في الندوة دعم التصوف من خلال: إعادة إعمار المزارات والأضرحة، ونشر الكتب الصوفية، ونشر المدارس الصوفية، ودعم الطرق الصوفية. وبرر المشاركون هذه الدعوة إلى دعم الصوفية أنها تتسم بالتسامح مع الأديان والمعتقدات الأخرى بعكس الوهابية أو غيرهم من المسلمين، المحافظة على المخطوطات القديمة وترجمتها، فبعض الشعر العظيم والعلم والمخطوطات الأدبية المهمة تبقي محجوبة بسبب نقص التمويل للمجهودات لنشرها وتوزيعها وبمساعدة كهذه يمكن لهذه الوثائق أن تبرهن على نطاق أوسع الأهمية التاريخية لهذه التقاليد الإسلامية، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في إنشاء مراكز تعليمية وتمويلها تقوم بالتركيز على التاريخ القديم والحضارة الخاصة بالمنطقة مع تركيز معين على سوابق التسامح الديني والعرق..[4]
طبعًا هذا التوجه في إنشاء مراكز وعقد مؤتمرات وندوات ومحاضرات في هذا الاتجاه اشتد في العالم العربي والغربي حيث أنه:
ـ في أكتوبر 2002م أقيم في المغرب بالتعاون مع مؤسسة كونراد الألمانية مؤتمر حول ابن عربي.
ـ وفي عام 2003م أقيم بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية مؤتمر حول الطريقة الشاذلية لمدة أربعة أيام.
ـ وفي 2004م ألقيت على مدى عشرين يومًا محاضرات عن الحلاج وابن عربي وابن الفارض.
ـ وفي 2004م تم افتتاح أول أكاديمية للصوفية في مصر.
ـ وفي 2004م أقيم في عاصمة مالي المؤتمر الأول لطرق الصوفية بغرب إفريقيا.
ـ وفي احتفال ذكرى الفاتح ممن سبتمبر من عام 2005م أقامت الجماهيرية الليبية مؤتمرًا دوليًا بعنوان (الطرق الصوفية في أفريقيا... حاضرها ومستقبلها).
ـ وفي 2005م عُقد في الجزائر مؤتمر عالمي حول التصوف بجانب ضريح" سيدي بومدين شعيب"
ـ وفي أواخر 2009م رعت بريطانيا إنشاء "المجلس العالمي الصوفي" في لندن، بترخيص بريطاني معتمد من وزارة الخارجية البريطانية.
والكثير من التقارير الصحافية، والمؤتمرات والندوات والمحاضرات، التي أقيمت برعاية غربية من أجل تحقيق أهداف هذا التوجه وهو الصراع الداخلي في البلدان الإسلامية بشكل عام والعربية بشكل خاص، وهذا ما شدد عليه بريجنسكي عندما قال: "سنلعب على وتر الطائفية، فاليوم تنخر الطائفية في الجسد العربي المثقل وتزيده ضعفا يوما بعد يوم."
والهدف الأساسي هو أن تشتعل حرب الأفكار؛ "وهي في المقام الأول حرب أهلية داخل العالم الإسلامي بين المعتدلين والمتطرفين." كما يقول ولفويتز.
لماذا مؤتمر الشيشان؟
المتتبع لمسار تحركات الغرب في العالم العربي سيلحظ أن اعتمادهم على الملالي في تفكيك الدول العربية لم ينجح، وأن ما كانت تقوم به إيران هو سعيها لإعادة الإمبراطورية الفارسية، وعندما رأت أمريكا والغرب أن هذا مسار الفرس، وأن الحركة الباطنية في ذراعهم التي اعتمدوا عليها لم تحقق كامل الرؤية في التفتيت، فإنها اتجهت إلى الخطة التالية التي ستعتمد عليها من الآن فصاعدًا، فتبنيهم للتصوف من بعد 11/9 واضح للعيان مما يدلل على أن الخطط البديلة جاهزة لديهم، ويمكن إطلاقها في أي وقت، وعندما رأت أنها لم تستطع التغلب على الإسلام السني (الحقيقي) اتجهت إلى تبني باطنية أخرى؛ وهي الصوفية، وعمدت إلى الشيشان لأن رئيسها من أعمدة الصوفية، بخلاف أنه يقف إلى جوار الروس ويأتمر بأمر بوتين، وبوتين يرى أن المجاهدين من السنة هم السبب في سقوط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.

وقطعًا الأفكار التي يسعون إليها هي أن يكون هناك طرفي نقيض في المعادلة ويريدون من ذلك خلق حرب طائفية جديدة بين السنة والمتصوفة مثلما أشعلوا نارها بين السنة والشيعة واستطاعوا الوصول إلى نصف أهدافهم، ويمتلكون الإصرار على أن يكملوا النصف الثاني عبر هذه المعادلة الجديدة أو الخطة البديلة، والمؤتمر برمته سياسي، وهو "بمثابة إيذان بأن المرحلة القادمة ستكون الدائرة فيها والدعم الدولي للحركات الباطنية، أما إذا تبنت الدول الإسلامية مقرراته بضغوطات أمريكية فسيشكل أزمة حقيقية في العالم الإسلامي لأنه سيمزق المسلمين ويشعل نار العداوات بينهم بأي صورة ويفتح مزيدا من جبهات الصراع، خصوصا وأن الأمة الإسلامية بعد الأحداث الجسام التي مرت وتمر بها تركت الحديث عن الاختلافات الدينية بين أهل السنة فلم نعد نسمع بخلافات بين الصوفية والسلفية كما كان ذلك حاصلا قبل أكثر من عشر سنوات، وبعد المؤتمر بدت بوادر الحديث في هذه الموضوعات من جديد، مع أن الخلاف الحقيقي الآن ليس خلاف الأشاعرة مع السلفين، أو السلفين مع الصوفية، أو السلفيين مع الإخوان، لكن الخلاف بين من يعمل لصالح المشروع الإسلامي، وبين من يعمل ضده."[5]
يتبع...
[1] راجع مقالة "معضلة الدور السياسي للتيار الصوفي بعد ربيع الثورات العربية" http://www.albawabhnews.com/News/6765
[2] مركز أسسه الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون قبل وفاته 1994م، متخصص في تحليل التحديات والسياسات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التركيز على المصلحة الأمريكية القومية، ويهتم كثيرًا بالأمن القومي.
[3] د.فراس الزوبعي دراسة بعنوان " مؤتمر الشيشان واللعب بورقة الدين" مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية، 16/9/2016م.
[4] تقرير، توبياس هيلمستروف وياسمين سينر وإيميت توهي: "فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية" صادر عن مركز نيكسون، ترجمة: د. مازن مطبقاني، عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات
[5] مركز أمية للدراسات والبحوث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك