الثلاثاء، 11 مايو 2021

صدور ورايتي: سقف القرية..قاع المدينة عن النادي الأدبي بالباحة

 صدرت رواية: سقف القرية.. قاع المدينة عن طريق النادي الأدبي الثقافي بالباحة بالاشتراك مع دار الانتشار العربي.. أشكر النادي الأدبي على

طباعته لهذه الرواية، والشكر خاص لأديبنا وشاعرنا وأستاذنا: حسن الزهراني ولفريق العمل في هذا النادي.

آملا أنها ستقدم شيئًا أو كشفًا لما يدور في سياق هذه الرواية، وهي تتحدث عن القرية وتصفها بشكل بانورامي، ثم تستقريء فروقات الجنازة بين المدينة والقرية بين القديم والحديث.

مقتطف من الرواية:
القرية ليست منطقة حلم نعيشه، ولا مكان متعة، ولا مكانًا تنصت فيه لحفيف الرياح أو تراشق أوراق الشجر الصغيرة مع الهبوب الخفيفة فقط، ولم تكن ذات يوم مركز تخيلات وتهيؤات، كانت هي الحياة على طبيعتها. الحلم في مثل هذه الطبيعة نوع من الهذيان، والمتعة نوع من الترف، والإنصات نوع من الخيال، والتخيلات نوع من الجنون، وكل هذا لا وقت لديك لتمارسه، بل لا يسمح لك من حولك بالذهاب إلى هذه الأمكنة لأنهم يمنحونك ما تريد وتمنحهم ما يريدون، بل لأنك طاقة مسخّرة من الداخل لخدمة الجميع من أجل تحقيق هذيانهم وترفهم وخيالاتهم ورؤاهم وتهيؤاتهم، وهم يفعلون نفس الشيء، كل شيء مسخر لك.
الحكاية في القرية تؤخذ على علاتها دون الميل إلى تحليلها، فزمن القرية لم يكن لديه الوقت الكافي للتحليل وفحص المكنون، يأخذ الظاهر أما الباطن فهو بين الإنسان وربه. وهي رؤية تؤصل الإيمان الكامل بالله ثم بأن علاقاتهم لا ترتبط باستكناه الأشياء وتحويل حياتهم إلى مراكز بحث ودراسات لمعرفة حقيقة هذا الشخص أو ذاك، فالعلاقة هي علاقة ثقة وصدق فيما بينهم.
ـــــــ
مشهد:
أتذكر وجه جدتي من خلال الدخان وهي تصنع الخبزة، واراها الآن وهي تغمض عينيها حتى لا يدخل الدخان فيهما، تقول لي يومها: أعطني المنفاخ وهو عبارة عن ماسورة طويلة قليلاً؟ وبعد أن أعطيتها نفخت قليلًا ثم أعادته لي وقالت: انفخ أنت، نفَسي انقطع. وبعد أن نفخت سحبته من يدي وقالت: ما تشوف.. أنت تنفخ في الرماد وتنثره على عيوننا ما تعرف تنفخ في القبس! ثم رمته جانبًا وقالت: رح اسأل أمك عن المهفة ؟ فذهبت إلى أمي التي كانت تكنس في الساحة لترشها بعد ذلك بالماء، وسألتها، ثم عدت إلى جدتي وقلت لها تقول إنها على الرّف.. قالت جدتي: ولماذا تقف.. اذهب وآت بها. وبعد أن أعطيتها قالت: هكذا أريح.. قالت هذا وهي تحرك المهفة يمينًا ويسارًا كي تشب النار.
كانت تجلس على مقعد أمام الصلل ، والمقعد مصنوع من الخشب، وكنت أنا أجلس بجوارها على الأرض، ليس هناك فراش في بيتنا القديم فالفرش الذي فيه كان من خصف وهو في الجهة الأخرى حيث جلستنا، ولا نجلس على هذا الفراش إلا وقت الأكل، وفي المساء بعد صلاة العشاء، حيث نجتمع كلنا ويبدأ أبي أو جدتي في قص حكاية لنا قبل النوم، وبقية النهار قد يكون مطويًا، والقدم منا لا ترتطم إلا بالتراب، التراب الذي تربطنا به صلة قوية مما جعلنا أقوياء. ارتبطنا بالطين وارتبط بنا، ولهذا كان الإنسان منا يشعر أنه يعيش بعيدًا عن أية شحنات، وترى الجميع في حالة من الصفاء الذهني لأن الأرض تمتص الشحنات التي توتر الإنسان، أجدادنا عباقرة حين سخروا الأرض لمصلحتهم وجعلوها تساندهم وهم يساندونها كي تستمر دورة الحياة بشكلها الصحيح، وجلستي تلك بجوار جدتي على الأرض في تلك الصالة تثبت أن بساطة الحياة هي التي تصنع السعادة في داخل الإنسان. ولم يكن هناك ديكور أو فرش وثير أو ستائر في النوافذ، إذ إن النوافذ لكبر حجم الحجارة التي تبنى بها حيطان البيوت تكون كأنها شرفة تستطيع الجلوس فيها وشرب الشاي أو القهوة وأنت مرتاحًا تشاهد من يذهب ومن يأتي، ولم يكن هناك وقت فراغ في حياة القرية كي يجلسوا مثل هذه الجلسة لمراقبة الآخرين، بل كان الجميع يعمل صغيرهم وكبيرهم. والأرضية التي كنت أجلس عليها كان ترابها سودا ، وكانت المنازل مخلوبة في غالب بيوت القرية بالنورة وبعضها يحمل لونين اللون الأبيض في الأعلى والأزرق النيلي من تحت وقد يكون أخضر، وكان تلوين هذه المواد يتم بخلط النورة مع النيلة ليظهر اللون الأزرق الفاتح، أما اللون الأخضـر فإنه يأتي من صبغة خضراء تباع لدى العطارة في المنطقة.
تبدأ جدتي في التحضير لهذه الخبزة من مغرب اليوم السابق، حيث تعجن عجينتها بشكل يوحي بقوة الساعدين، فلا بد من أن تستوي العجينة حتى لا تتقرد.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك