اللحظات المنفلتة
هل تعود إلى "قصة حب"؟ ما هو الفعل الموازي في حياتك حتى تعود لقراءتها كل عام؟ هل تعتقد أنك قرأتها منذ آواخر الثمانينيات؟ هل ترى أن هناك قصة حب حدثت في قريتكم موازية لها؟" ـ لا أحب هذا؟
ـ ما الذي لا تحبينه؟
ـ أن أحب هذا."
فانتازيا ـ كأن محمد صبحي أيامها كان يقول "اشي خيال" ـ عجيبة تداهمني مع هذا التتابع من "جينفر" في الحب؛ لا تحب أن تحب. رغبة جامحة تحدوها، ولكنها تود كبتها، لا تريد لأحد أن يكتشف هذه الرغبة، حتى لو كان " اوليفير".
أسئلتي سنحت لي أن أفكر في الحياة بشكل أو آخر، على الأقل حياتي، ولن أهتم لحياة الآخرين، لأنني قرأت هذه الرواية في السنة الأولى من ذلك العام عشر مرات، دون كلل أو ملل، أو شعور بذنب تكرار. الجموح مرحلة لا تعترف بالتكرار لأن لذة الأشياء كانت ترتسم في حياتي من التكرار، وأن تغامر يعني أنك تكرر فالمغامرات أيامها سياقها واحداً وصولاتها وجولاتها واحدة حتى وإن تعددت الأشكال.
ـ تستطيع أن تخيب أملي، وأنت تحكي لي عن فيلم " قصة حب " لكنك لا تستطيع انتزاع أجمل اللحظات التي عشتها معها وحيدا؟
استطيع الشعور بثورة بيتهوفن في سمفونيته الثالثة، هذه الثورة رأيتها كحالة في البدء وأنا ادرس في جامعة أم القرى.. فمن الغباء أن تجعل إنسانة تلبس البرقع تنصت لهذه السمفونية.. ولكن اكتشفت أنه من الغباء احتقار رغبة المرأة المحبة فهي مستعدة للوصول إلى آخر الدنيا من أجل الحب.. وهذا ما حدث مع تلك الإنسانة التي لا تقرأ ولا تكتب، ولا تعرف من الموسيقى سوى " طاهر أو عيسى الأحسائي" لم تلبس البرقع على قلبها، بل كانت تغطي به وجهها فقط.. قلبها كان ينصت.
انطيغونا تقول " كان لقدمي، وأنا أسير وحيدة على الطريق، وقع هائل، لعلمي بأن الحقول لم تكن بانتظاري، بل بانتظار أحد غيري، فخلعت نعلي وانسللت في الحقول دون أن تشعر بي". وأن تدخل إلى حقول مليئة بالبراقع يعني أنك لابد أن تسير وأنت حافي القدمين خوفا من الرقيب، كأنك تستحضر امرؤ القيس " ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة.." أو عمر بن أبي ربيعة وهو يتقي عين الرقيب.
لم أقف هنا فبعد مرور ما يقارب خمسة وعشرين عامًا عاد بي الزمن ليس إلى بيتهوفن، بل إلى الموسيقى والبرقع في "قاهرة المعز"، وهي المكان الذي اشتريت منه رواية "قصة حب"، وعبره لم ألمس انطيغونا وكلماتها الفلسفية، بل لمست لابسة البرقع وهي ترقص، دون أن تتسلل بقدمين حافيتين، بل بكعبٍ عالٍ هزت به النيل إلى أن أخرج "نوون" من النيل، حتى تخيلت أنها سترمي نفسها إلى النيل كـ "عرائس النيل" التي كانت تُرمى لهذا الإله كي تسترضيه، لعله يشفع لها كبتها الذي عاشته والذي أتت كي تفرغه هنا.
وأخرجت من العمق تلك المبرقعة كل ما تبقى في الذاكرة من حكايا أسطورية كانت تُروى لنا في صغرنا، لأجد أنها مرتبطة بالإنسان في كل مكان، وأن الخرافة والأسطورة دومًا هي المحزم الذي نحتزم به كي نخرج الناس من الواقع، ونسحبهم عبر الخيال كي نصل بهم إلى الحافة التي نريد، وكأن الوضع في "سوفيتيل الجزيرة" في القاهرة ومن الدور السادس عشر هو الحافة التي وقفت عليها كي أرسم "نونيت" وأتصور خروجها من النيل كي تعيد الحياة إلى القلب المفعم بمتواليات حياتية لا تنفك تطاردني ـ كغيري ـ إلى اليوم.
ـــــــ
الصورة بواسطة باراماونت - httpwww.imdb.commediarm1139907584tt0066011 واستعمال عادل وhttpsar.wikipedia.orgwindex.phpcurid=934656
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك