الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

لا شيء يهز العالم (1)

أبدأ معكم هنا سلسلة كتابات عن الشرق الأوسط وما الذي يدور فيه، 
وما تفعلة القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا في المنطقة العربية

قد يطرح العالم سؤاله الأهم ويتساءل: ما الذي هزني بعد سنة الألفين؟ هل سيفكر فيما حدث نهاية عام 2011م وتتجه بوصلته نحو ثورة ما سمي بـ "الربيع العربي"؟ أم سيختار فكرة أخرى هي الأكثر تأثيراً ـ حتى لو كان ذلك من باب الدعاية والإعلام أو الـ"بروباغندا"؟

فيما أرى أن ثورة الربيع العربي لم تهز العالم بقدر ما كانت عليه قبل 10 سنوات أي في 2001م عندما سقط برجي التجارة العالمية؟ حيث عمّ العالم نوع من الفوضى التي لم تُرى من قبل. لماذا؟ لأن الاعلام الأمريكي ـ وهو الأقوى ـ استطاع أن يصور الموقف من زواياه التي تثير أكثر مما تكشف الحقيقة، وأن يسير الحدث حسب أهدافه المرسومة له. بل إن العملية الإعلامية والتشويش في ذلك جاء عبر مساندة الفعل بفعل مواز له وهو "الانثراكس" تلك الرسائل التي انطلقت عمداً كي تشوش على التفكير وتبعد المفكرين عن تحليل الواقعة بتركيز كبير، وكأنها رسالة تهديد لمن يحاول أن يتجه الوجهة الصحيحة في التحليل. " تبيّن بوضوح أن الهجمات تتطابق تماماً مع ما ورد في تقرير حول احتمال وقوع هجمات بمادة الانثراكس يقوم بها الدكتور ستيفن هاتفيل..." لكن البيت الأبيض أصدر تصريحاً يعترف فيه بأن الانثراكس قد يكون صادراً عن" مختبر متطور في الولايات المتحدة" وقال مصدر استخباراتي أن " إصبع الاتهام لا يشير إلى بن لادن، هذا ليس من نمط أعماله على الاطلاق[1]"  يقول كينيون جيبسون: " وحين بدأ الكثير من الأمريكيين بالتساؤل، ماتت مسألة الانثراكس[2]"

ولكن لماذا تأثير حدث البرجين كان وقعه على العالم أقوى من تساقط دول أو تتابع دمار في هذه الدول، دون أن يكون على الولايات المتحدة من خلال سقوط البرجين أي أثر يذكر، سواء على مستوى الشعب أو الدولة؟ سأجيب: كتب اللورد روجرز من ريفر سايد:" بالنسبة للولايات المتحدة، لديها سجل ملحوظ وموثق في افتعال الحوادث وتلفيق الأدلة لتبرير الأعمال العسكرية، ودعونا لا ننسى التلفيق المتعمد الذي قام به الرئيس جونسون فيما يتعلق بخليج تونكين مما أدى إلى شن حرب طاحنة على فيتنام الشمالية[3]" هنا يكمن السبب الذي لم يؤثر على الدولة الأمريكية، بحيث أن افتعالها للحوادث هي الطريقة التي تسير عليها في سياستها من أجل مواصلة غزوها للعالم وسيطرتها عليه، والعمل على إثارة الرأي العام عندما تريد التوجه إلى خطوة لم يكن الشعب مهيأ لها، أو لم يكن العالم يتفق معها، لهذا تصنع " بروباغندا" حول حدث ما، وتضرب في مكان وعينها على مكان آخر هو الهدف الحقيقي لها.



" إن الاشمئزاز من فكرة أن الحكومة هي مجرمة إلى درجة أن تدّبر مقتل الآلاف من مواطنيها هو أمر مفهوم ومقبول، لكنه موقف خاطئ تماماً في ضوء الواقع الذي يؤكد أن الحكومة الأمريكية فعلت ذلك بالضبط في بداية الستينيات، وكانت خططها آنذاك تتضمن خطف طائرات مدنية وجعل الأمر يبدو وكأنه من فعل عدو.[4]"

وبينما في تونس لم يكن هناك ما يوحي أن الإعلام يريد أن يوقف زحف هذا الفعل، كي يذهب به إلى التضخيم.. فعندما تضخم الشيء فإنك تريد من ورائه تحقيق الأهداف التي ترسمها، أما إن استصغرته فإنك تجعله تافها لا قيمة له، ولا يؤثر على حركة الكون. وبما أن البوصلة متجهة نحو أمريكا دوماً فإن الإعلام هناك لا يهمه إن احترقت تونس أو احترق العالم العربي برمته من عدمه.

على أية حال، على الرغم من أن أحداث 11 سبتمبر لقيت رواجاً ضخماً، واتجهت صوب تحليل الوجوه دون تحليل المكان، لهو دليل على أن هناك حركة أيديلوجية ناشطة في ذلك الجزء من الكرة الأرضية، لأن تحليل المكان واختياره سيكشف أشياء كثيرة قد لا تسر مسيري ما حدث، وستقلب الطاولة على رؤوسهم، ولهذا استطاعوا توجيه الإعلام نحو الوجوه دون النظر إلى الحدث من زواياه العديدة، لنلحظ في مسألة المكان الأسئلة التالية:

ـ ما هي رمزية برجي التجارة بالنسبة للمسلمين؟ وهو سؤال جوهري لم يتم طرحه على من كان أيامها يحلل الحدث، لأنه لو طرح هذا السؤال سيكتشف أن لا قيمة ولا رمزية في البرجين، ولا يملكون اهتاماً في المال الذي تنتجه الأبراج.. بل بالعكس رمزيته بالنسبة لغيرهم ولمحبي المال أكبر من رمزيته للمسلمين، وأعني بهم اليهود ومن والاهم سواء بوش وزمرته أو غيرهم.. ومن هنا فإن هذه الرمزية خانتهم تماماً.

يستطيع القاريء للحدث أن يدرس الموضوع من هذه الزاوية ليرى هذه الرمزية وأين تصب؟ وهل هي من مصلحة المسلمين أن يهدموا البرجين كي يظهروا للعالم كرههم لأمريكا أو حقدهم على الشعب الأمريكي الذي تزعمه الحكومة الأمريكية، والتي وجهت وسائل إعلامها نحو الكتابة والتأليف عن هذا الكره أو الحقد.. رغم أن ذلك ليس صحيحاً، بدلالة أن المسلم يعيش في أمريكا وهو جزء أيضاً منها.

أستطيع القول لو أن ما تم اسقاطه هو "تمثال الحرية" لقلت إن هناك رمزية قد تتفق مع رؤية المسلمين، وسيشترك معهم الكثير من البلدان في هذه النقطة، بحيث أن ما تفعله أمريكا ليس لمصلحة حرية الشعوب كما تدعي، بل لمصلحتها هي وشركاتها العابرة للقارات. وقد يكون ضرباً لرمزية تدعيها أمريكا وهي أنها بلد الحرية، وهي في الظاهر كذلك ولكن ما تفعله لا يوحي بذلك تجاه العالم بشكل عام وليس تجاه المسلمين فقط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] أوكار الشر، دراسة حول آل بوش ووكالة المخابرات المركزية والشكوك حول هجمات 11 سبتمبر، الدار العربية للعلوم،كينيون جيبسون.

[2]  نفسه

[3]  نفسه

[4]  نفسه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك