الجمعة، 29 ديسمبر 2017

لا شيء يهز العالم (2)

 

مواجهة الحضارات وتفتيت المنطقة العربية


إن سقوط سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في وحل "الشر" الذي تدعي أنها تحاربه مكشوف للعالم، والعالم برمته يئن من أسلوب المكر والخداع الذي تتبعه أمريكا ضده، وسعيها الحثيث لبقاء الكون تحت سيطرتها كما تعتقد، ولن يأتي ذلك إلا ببقاء شركاتها ومصانعها تدور وتنتج السلاح " ما هو في صالح جنرال موتورز فهو في صالح أمريكا[1]". وأيضاً سعيها نحو إرساء حريتها هي ومعاييرها ومقاييسها من أجل أن يكون العالم مثلها، أو يتجه نحو ما تتجه إليه من انحلال أخلاقي، ومن قيم لا تمت إلى الإنسانية بصلة. فالجهود التي تبذلها أمريكا من أجل أن تتجمع جميع الدول حولها وتخضع لإرادتها هي جهود فاشلة بالتأكيد، لماذا؟ لأن الغرب في قيمه يتدهور ويتراجع بشكل ملحوظ، والعالم من حولها يعيد تكوين ثقافته الخاصة به، ولا يريد الخروج عنها لأنها فلسفة قائمة على معتقدات يصعب الفكاك منها في النهاية.

والصراع الذي تزعمه أمريكا، سواء ما تحدث عنه هنتنجتون، أو غيره، هو صراع مختلق صنعه الساسة الأمريكان من أجل مواصلة سيطرتهم على العالم لا أقل ولا أكثر. لأننا سنلحظ في هذه الخطوات المزعومة ما يلي:

أولا: الحضارات الآسيوية تسير نحو بسط نفوذها اقتصادياً أولا ومن ثم عسكريا وسياسياً، وهو ما تفعله الصين الآن، وما تفعله اليابان أيضا، يعد على ذات المنوال، وتسعى لاستعادة ثقافتها الخاصة دون تأثير غربي أو غيره عليها.

ثانياً: إن العقائدية تزداد قوة في المنطقة العربية، فكلما تكالبت عليها الأمم أو قوى الشر كلما عادت إلى الدين، الذي هو الروح الحقيقية لها، واشتدت به.. بل إن الإسلام يبسط نفوذه في الغرب دون ضغوطات منه، بل بضغوطات ضده تجعل العالم الغربي يتساءل عن ماهية هذا الدين الذي تحاربه حكوماتهم.. وبالتالي يأتي بالنتائج العكسية لمصلحة الإسلام.

ثالثاً: سعي أوروبا نحو أن تكون رأس الحربة هي أمريكا في زعمها للحرب ضد الإسلام هو سعي المستجير من الرمضاء بالنار، فأمريكا لا تريد لأوروبا أن تستعيد مكانتها على مستوى العالم، ولا أن تعود إلى الواجهة كي تسيطر معها على العالم بل تريدها أن تبقى في ظلها، وفي مثل هذا التجمع حول دولة مركز "أمريكا" سيأتي الفشل، لأن الأحادية لا تأتي إلا بالأنانية وبالتفرد في كل شيء، وبالتالي سينعكس أيضاً على الحضارة الأوروبية التي ستسلبها أمريكا في النهاية.. وهي نقطة خطرة جداً على أوروبا التاريخ، وفيما أرى أن ذلك لا يرضي أوروبا على الاطلاق.

رابعاً: من النقطة الثالثة سنلحظ بروز نقطة وهي أن أمريكا لا تريد تعددية في الحضارات بل تريد أن تفرض حضارتها هي، وأعتقد أن أوروبا وآسيا برمتها وأفريقيا لن ترضى بذلك.. فهناك فرق بين الحضارتين سواء على المستوى الإيديولوجي أو الاجتماعي أو السياسي.

خامساً: صراع الحضارة، هذه الحضارة المُدّعى عليها، سيُواجه بقوتين عقديتين هما الإسلام والبوذية سواء الصينية أو الهندية، لأن مآل أمريكا المواجهة مع الهند رغم أنها حليف لها في الوقت الراهن.

والملاحظة التي سيلحظها المراقب هي أن الغرب يعمل عياناً بياناً على تغيير خارطة أو ديموغرافية الدول العربية، دون أن يفكر في إنسان هذه المنطقة، بل متجاوزاً لكل أساليب السياسية والأخلاق الاجتماعية والفلسفية، وكأن لا بشر في هذه المناطق على الاطلاق، فتارة يذهب إلى مناقشة مشروع " التنمية والديموقراطية" الذي أطلقه كولن بأول 2003م وأخرى إلى " الشرق الأوسط الكبير" وثالثة إلى " الشرق الأوسط الموسع" وهكذا[2]. قطعاً هذا لا يرضي الشعوب فما بالكم بالحكام. وقطعاً الواضح لكل قراء السياسة أن الهدف من وراء هذا هو خدمة الأجندة الإسرائيلية التي تتبناها أمريكا.

وفي هذه النقطة بالذات سنلحظ أن ما يقال على الطاولات شيء وما يحدث على أرض الواقع شيء آخر، فأن تكرس مفهوم الحوار في عدد من الدول حول هذه النقطة ثم تتفاجأ أن هناك تحركا على الأرض ينبئ بالتغيير في هذه المناطق، وأي تغيير هو تغيير بالقوة فهذا يدلل على الخديعة التي تمارسها القوى الغربية ضد الدول العربية أو الضعيفة في نظرهم. ولعل بروز مصطلح الفوضى الخلاقة قد عصف بالكثير مما يقال على الورق، وجعل العالم يشكك في نوايا الحوارات التي لا داعي لها على الإطلاق، ولتكن المواجهة على الأرض، وهذا ما حدث بعد أن تسنم السيد أوباما حكم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تغيرت أشياء عديدة، والكثير من الدراسات لم تستطع تحريك ما على الورق، بل جندت الفعل كي يحدث تغييراً على مستوى المنطقة. وما يحدث في العراق لو تمت مراجعته سيتم اكتشاف تغيير ديموغرافي خطير جداً، بحيث أن مليون إيراني دخلوا العراق في الفترة التي كان فيها الغرب يقدم برامجه الإصلاحية نحو الشرق الوسط الموسع أو الكبير، هؤلاء المليون توزعوا في أماكن السنة العراقيين، وتم تجريف السنة وقتلهم ودفنهم دون أن يعلم أحد بذلك.



ــــــــــــــــــــ

[1] الاغتيال الاقتصادي للأمم،جون بركنز، ت: مصطفى الطناني، الهيئة العامةالمصرية للكتاب،ص12

[2]  بالإمكان العودة إلى وكالات الأنباء ومراكز الفكر، والندوات التي ناقشت هذا الموضوع، وهي كثيرة جداً، فلو أدرجت في محرك البحث قوقل جملة " الشرق الأوسط الموسع" ستلحظ أ، النتائج كبيرة، والندوات متعددة حول هذا الموضوع، ولا أريد التوسع في ذلك هنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك