السبت، 14 مارس 2020

من قارئ كالفينو إلى كاتب ميلر: لا تصرخ (2)


 2ـ صناعة التفاهة

ليس لي أن أصرخ وأقول لك "إنك تفوت فرصة السبق في القراءة إن صبرت قليلا، وواصلت القراءة" كي تبني البناء من بدايته، فالعمل الواحد لا ينبئ بالتجربة ولكن تراكم الأعمال سيوضح مسار الكاتب، وبالتالي سينعكس على القارئ ليكتشف أنه أخطأ عندما لم يبدأ التجربة من أولها مع هذا الكاتب أو ذاك.
ومع ميللر أن تجيش الحياة من تحته فذلك رسمة لنار هادئة في مقعد هذا الكاتب، هي لا تخطط له بقدر ما يكون نفسه هو الذي يتجه نحو هذا المصير دون أن يدرك أفعاله. وشجرة الأفكار هل تحتاج للبطء هنا؟ أم أنها إن لم تسارع خطاها سيجرفها التيار؟ أعتقد أن التسارع بات يجرف كل شيء فلا الأب أبو الأولاد ولا الأب أبو النصوص ـ المؤلف ـ يستطيع عليه الآن. "إذ إن هذا الأب عندما يكون على أهبة الاستعداد يسقط في التيار الجارف ويصارع من أجل الحياة.355". وبالتأكيد لكم أن تنظروا إلى هذه الإضافة نحو الكاتب أو نحو القرد الكسلان. ولكن ميلر يتساءل:" ألا يبدو أن في الأمر شيئاً من هذا القبيل؟ أم هل توجد أرض واسعة رحبة يعزل فيها الكاتب الناشئ في سن مبكرة ويلقن أصول فنه ويتلقى الهداية على أيدي أساتذة عطوفين، وبدلاً من السقوط والارتطام بالتيار، فإنه ينزلق مثل الحنكليس (نوع من السمك) وسط الوحل والحمأ والسبخ.355". تشبيهات ميللر هنا لا تنسجم مع قارئ "ليلة الشتاء"، لأنه يعرّي الكاتب الذي هو كالفينو، ويضعه في منزلق وسط الوحل.


في هذا الموضوع وقفت على كاتبين، يتجهان نحو القارئ الكاتب هما الأمريكي هنري ميللر، وإيتالو كالفينو الإيطالي.. وهذا الأخير يقدم" فنًّا بصريّا للشخصيات والأشياء، حتى لا تكون الصفحات مثل النوافذ الخشبية الموصدة، التي لا تسمح برؤية أي شيء"
إن النهوض على القدمين لا يتم إلا عبر عمل يحمل في ثناياه بُنية صارمة، ويصنع هياكل يجعلها تنبض في العملية السردية، ويستطيع أن يحمّلها، بكل أريحية، نقصها ليوصلها القارئ بعد ذلك إلى الكمال.. وهكذا فعل كالفينو في "لو أن مسافرًا في ليلة شتاء" التي أصدرها عام 1979م.   
ليس بغريب على كاتب يقول:" أكاد أجنّ غضبًا على الشباب"، فهو يشعر أنهم لا يقدمون ما ينبغي تجاه القراءة والكتابة، بل يعتمدون على التفاهة في تقديم ما لديهم من أجل إرضاء الآخرين كي يسيروا خلفهم، وفي مثل هذه الحالة فإن توجههم هذا سيؤدي بهم إلى:
ـ صناعة ثقافة تعتمد على الهشاشة في الطرح.
ـ توجيه المجتمع نحو التفاهة وتضخيمها حتى تصبح هي المنهج الذي يسير عليه.
·        تسطيح العقل
·        تبنّي وهم الكاريزما
·        استمرار ادعاءات الخبرة
ـ توريط العامة في بؤرة الاستهلاك وبقاءه في زاوية اللامنتج.
·        التدمير لإعادة البناء.
·        توهج الرأسمالية المتوحشة
·        طرح الشعارات الرنانة (حوكمة/تمكين/ ريادة أعمال)
ـ استهتار المجتمعات بالقيم والأخلاق، وعدم بحثهم وجديتهم فيها.
·        الفساد الإداري
·        الفساد المالي
·        الفساد الأخلاقي
ـ استمرار الجدلية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بحيث يتم صناعة دوائر من الجدل كي يبتعد المجتمع عن الجديّة ويبقى في الهزلية والتفاهة.
·        تشابه أساليب الطرح
·        تقديم خطاب أجوف
·        تعويم الحقيقة
·        التكرار بصيغ مختلفة
" إن شيوع التفاهة إنما يُعزى إلى قوانين التعامل البشري، لا سيما تعامل عدة أطراف" (فيبر)
يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك