6ـ كاتب ميلر
عجبت لأمري عندما تغاضيت عن الفصل السادس عشر من رواية " الوشيجة" لثلاث ليال، لم يكن بي خلق لقراءتها، والليلة وأنا أقرأ تأكدت بأن هناك ما يوجهني لقراءة هذا الفصل بتأنٍ شديد، بل بنفس مفتوحة وذهن متقد، فهذا الفصل أعتقد أنه من أعظم فصول الروايات التي قراءتها ـ هي رؤيتي ـ فهو يمثل وصف حالة للكتابة وللكاتب ويتساءل بسخرية تارة وبحنق أخرى وبأريحية تامة ثالثة. فلسفة من نوع خاص لهذا الميلر.
كنت على فراش النوم أفكر في استلهام وصف مقارب للكاتب أو لحالة الكاتب مقابل حالة الأب الذي يريد توفير لقمة عيش له ولآل بيته. وقطعاً حالة الأب لن تقف هنا عند هذا الحد، فأن تلد شيئاً معناه أنك تبحث له عن الأفضل. فكرت في تقلبات الألوان في حشرة كالفراشة، فكرت في الحرباء في القرد الكسلان الذي تابعت عنه برنامجاً وهو يعيش في نهر الأمازون. فكرت في الحمار، لم أجد ما أريد الوصول إليه.
لكن هنري ميلر يقول:" إن الكاتب كالقرد الكسلان، يتعلق بأطرافه، بينما تجيش الحياة وتضطرب تحته على نحو متسارع.355"
وكأنه وأنا أقرأ هذا القول في الوشيجة يريد أن يقول لي: إنني وصلت ولكن لم تحسن اختيار ما تريد من تشبيه. كأن حالتي مثل حالة هذا القرد الكسلان الذي يعيش ببطء في حياته ويحتاج إلى ألوف الثواني كي ينتقل من شجرة إلى أخرى. حالة أن تجيش الحياة من تحته هي رسمة لنار هادئة في مقعد هذا الكاتب، هي لا تخطط له بقدر ما يكون نفسه هو الذي يتجه نحو هذا المصير دون أن يدرك أفعاله. وشجرة الأفكار هل تحتاج للبطء هنا؟ أم أنها إن لم تسارع خطاها سيجرفها التيار؟ أعتقد أن التسارع بات يجرف كل شيء فلا الأب أبو الأولاد ولا الأب أبو النصوص ـ المؤلف ـ يستطيع عليه الآن.
"إذ إن هذا الأب عندما يكون على أهبة الاستعداد يسقط في التيار الجارف ويصارع من أجل الحياة.355". وبالتأكيد لكم أن تنظروا إلى هذه الإضافة نحو الكاتب أو نحو القرد الكسلان. ولكن ميلر يتساءل:" ألا يبدو أن في الأمر شيئاً من هذا القبيل؟ أم هل توجد أرض واسعة رحبة يعزل فيها الكاتب الناشئ في سن مبكرة ويلقن أصول فنه ويتلقى الهداية على أيدي أساتذة عطوفين، وبدلاً من السقوط والارتطام بالتيار، فإنه ينزلق مثل الحنكليس ( نوع من السمك ) وسط الوحل والحمأ والسبخ.355"
إن كانت الرواية تعمل هذا العمل في الكاتب فعليه أن يقف شامخاً عندما يطرح مثل هذه الأسئلة على نفسه، ويستطيع مثل هذا أن يقول إنني أكتب، لسبب بسيط وهو أنه يحلل الأشياء ليوجد لها ما يقابلها. ولكن تحليل الروايات لا يعدو كونه رؤية ذاتية خالية جداً من الموضوعية التي يتوخاها الكاتب.
ملحوظة استقبلتها مساء من إحدى القارئات للرواية، قارئة ببساطة وبعيداً عن الرؤية النقدية، تريد الاستمتاع فقط.. تقول " قرأت رواية ( فيما بعد سأسميها
عجبت لأمري عندما تغاضيت عن الفصل السادس عشر من رواية " الوشيجة" لثلاث ليال، لم يكن بي خلق لقراءتها، والليلة وأنا أقرأ تأكدت بأن هناك ما يوجهني لقراءة هذا الفصل بتأنٍ شديد، بل بنفس مفتوحة وذهن متقد، فهذا الفصل أعتقد أنه من أعظم فصول الروايات التي قراءتها ـ هي رؤيتي ـ فهو يمثل وصف حالة للكتابة وللكاتب ويتساءل بسخرية تارة وبحنق أخرى وبأريحية تامة ثالثة. فلسفة من نوع خاص لهذا الميلر.
كنت على فراش النوم أفكر في استلهام وصف مقارب للكاتب أو لحالة الكاتب مقابل حالة الأب الذي يريد توفير لقمة عيش له ولآل بيته. وقطعاً حالة الأب لن تقف هنا عند هذا الحد، فأن تلد شيئاً معناه أنك تبحث له عن الأفضل. فكرت في تقلبات الألوان في حشرة كالفراشة، فكرت في الحرباء في القرد الكسلان الذي تابعت عنه برنامجاً وهو يعيش في نهر الأمازون. فكرت في الحمار، لم أجد ما أريد الوصول إليه.
لكن هنري ميلر يقول:" إن الكاتب كالقرد الكسلان، يتعلق بأطرافه، بينما تجيش الحياة وتضطرب تحته على نحو متسارع.355"
وكأنه وأنا أقرأ هذا القول في الوشيجة يريد أن يقول لي: إنني وصلت ولكن لم تحسن اختيار ما تريد من تشبيه. كأن حالتي مثل حالة هذا القرد الكسلان الذي يعيش ببطء في حياته ويحتاج إلى ألوف الثواني كي ينتقل من شجرة إلى أخرى. حالة أن تجيش الحياة من تحته هي رسمة لنار هادئة في مقعد هذا الكاتب، هي لا تخطط له بقدر ما يكون نفسه هو الذي يتجه نحو هذا المصير دون أن يدرك أفعاله. وشجرة الأفكار هل تحتاج للبطء هنا؟ أم أنها إن لم تسارع خطاها سيجرفها التيار؟ أعتقد أن التسارع بات يجرف كل شيء فلا الأب أبو الأولاد ولا الأب أبو النصوص ـ المؤلف ـ يستطيع عليه الآن.
"إذ إن هذا الأب عندما يكون على أهبة الاستعداد يسقط في التيار الجارف ويصارع من أجل الحياة.355". وبالتأكيد لكم أن تنظروا إلى هذه الإضافة نحو الكاتب أو نحو القرد الكسلان. ولكن ميلر يتساءل:" ألا يبدو أن في الأمر شيئاً من هذا القبيل؟ أم هل توجد أرض واسعة رحبة يعزل فيها الكاتب الناشئ في سن مبكرة ويلقن أصول فنه ويتلقى الهداية على أيدي أساتذة عطوفين، وبدلاً من السقوط والارتطام بالتيار، فإنه ينزلق مثل الحنكليس ( نوع من السمك ) وسط الوحل والحمأ والسبخ.355"
إن كانت الرواية تعمل هذا العمل في الكاتب فعليه أن يقف شامخاً عندما يطرح مثل هذه الأسئلة على نفسه، ويستطيع مثل هذا أن يقول إنني أكتب، لسبب بسيط وهو أنه يحلل الأشياء ليوجد لها ما يقابلها. ولكن تحليل الروايات لا يعدو كونه رؤية ذاتية خالية جداً من الموضوعية التي يتوخاها الكاتب.
ملحوظة استقبلتها مساء من إحدى القارئات للرواية، قارئة ببساطة وبعيداً عن الرؤية النقدية، تريد الاستمتاع فقط.. تقول " قرأت رواية ( فيما بعد سأسميها