‏إظهار الرسائل ذات التسميات أدب، مقالة، كالفينو، ميلر، قراءة، كتابة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أدب، مقالة، كالفينو، ميلر، قراءة، كتابة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 4 أبريل 2020

من قارئ كالفينو إلى كاتب ميلر: لا تصرخ (6)

6ـ كاتب ميلر
عجبت لأمري عندما تغاضيت عن الفصل السادس عشر من رواية " الوشيجة" لثلاث ليال، لم يكن بي خلق لقراءتها، والليلة وأنا أقرأ تأكدت بأن هناك ما يوجهني لقراءة هذا الفصل بتأنٍ شديد، بل بنفس مفتوحة وذهن متقد، فهذا الفصل أعتقد أنه من أعظم فصول الروايات التي قراءتها ـ هي رؤيتي ـ فهو يمثل وصف حالة للكتابة وللكاتب ويتساءل بسخرية تارة وبحنق أخرى وبأريحية تامة ثالثة. فلسفة من نوع خاص لهذا الميلر.
كنت على فراش النوم أفكر في استلهام وصف مقارب للكاتب أو لحالة الكاتب مقابل حالة الأب الذي يريد توفير لقمة عيش له ولآل بيته. وقطعاً حالة الأب لن تقف هنا عند هذا الحد، فأن تلد شيئاً معناه أنك تبحث له عن الأفضل. فكرت في تقلبات الألوان في حشرة كالفراشة، فكرت في الحرباء في القرد الكسلان الذي تابعت عنه برنامجاً وهو يعيش في نهر الأمازون. فكرت في الحمار، لم أجد ما أريد الوصول إليه.

لكن هنري ميلر يقول:" إن الكاتب كالقرد الكسلان، يتعلق بأطرافه، بينما تجيش الحياة وتضطرب تحته على نحو متسارع.355"
وكأنه وأنا أقرأ هذا القول في الوشيجة يريد أن يقول لي: إنني وصلت ولكن لم تحسن اختيار ما تريد من تشبيه. كأن حالتي مثل حالة هذا القرد الكسلان الذي يعيش ببطء في حياته ويحتاج إلى ألوف الثواني كي ينتقل من شجرة إلى أخرى. حالة أن تجيش الحياة من تحته هي رسمة لنار هادئة في مقعد هذا الكاتب، هي لا تخطط له بقدر ما يكون نفسه هو الذي يتجه نحو هذا المصير دون أن يدرك أفعاله. وشجرة الأفكار هل تحتاج للبطء هنا؟ أم أنها إن لم تسارع خطاها سيجرفها التيار؟ أعتقد أن التسارع بات يجرف كل شيء فلا الأب أبو الأولاد ولا الأب أبو النصوص ـ المؤلف ـ يستطيع عليه الآن.
"إذ إن هذا الأب عندما يكون على أهبة الاستعداد يسقط في التيار الجارف ويصارع من أجل الحياة.355". وبالتأكيد لكم أن تنظروا إلى هذه الإضافة نحو الكاتب أو نحو القرد الكسلان. ولكن ميلر يتساءل:" ألا يبدو أن في الأمر شيئاً من هذا القبيل؟ أم هل توجد أرض واسعة رحبة يعزل فيها الكاتب الناشئ في سن مبكرة ويلقن أصول فنه ويتلقى الهداية على أيدي أساتذة عطوفين، وبدلاً من السقوط والارتطام بالتيار، فإنه ينزلق مثل الحنكليس ( نوع من السمك ) وسط الوحل والحمأ والسبخ.355"
إن كانت الرواية تعمل هذا العمل في الكاتب فعليه أن يقف شامخاً عندما يطرح مثل هذه الأسئلة على نفسه، ويستطيع مثل هذا أن يقول إنني أكتب، لسبب بسيط وهو أنه يحلل الأشياء ليوجد لها ما يقابلها. ولكن تحليل الروايات لا يعدو كونه رؤية ذاتية خالية جداً من الموضوعية التي يتوخاها الكاتب.
ملحوظة استقبلتها مساء من إحدى القارئات للرواية، قارئة ببساطة وبعيداً عن الرؤية النقدية، تريد الاستمتاع فقط.. تقول " قرأت رواية ( فيما بعد سأسميها

من قارئ كالفينو إلى كاتب ميلر: لا تصرخ (5)

5ـ كتب تحصنت بالغواية
عندما نستعير من الآخرين ثقافتنا لا نذكر ذلك، رغم ادعاءاتنا أننا نكتب، ورغم أننا نقول لكم إنكم بعيدون عن البال؛ أي لا نقرأ لكم، هذه النزعة الأنانية التي تحاصرنا، لا تؤتي ثمارها في نهاية المطاف، لأنها لا تشجع الآخرين من حولنا كي يتفاعلوا معنا، ولو لاحظنا في ساحتنا الثقافية المساحة التي نمنحها للآخرين في منشوراتنا فإننا سندرك مقدار التفاعل الذي يجلبه هذا الفعل:
الناس بالناس من بدو وحاضرة
بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ
أي أن الشاعر يقول لنا إنك بمن حولك ولست وحدك المبدع، فالناس هم من يساعدك على هذا الإبداع، وعندما نقرأ فإننا ندرّب أنفسنا كي نفهم الأفكار، وما لم نستقطب أفكار الآخرين ونشير إليها فإنه لن يشار إلينا، نحن نقف على قارعة الطريق لتسويق أفكارنا لنا، وهنا تكمن المشكلة لأننا لم نجاري الآخرين بل نستعير منهم دون أن نقول ذلك، وبما أن كل ما نقوم به "هو مستعار أو منتحل" على مقولة عالم النفس أوليفر ساكس فيجب علينا أن نشير إلى الأصل الذي استعرنا منه، وعندما نذكر مائة كاتب طوال حياتنا، سيذكرنا مائة شخص من قرائه، وكل مائة يجلبون مائة، أليست الفكرة كأنها قائمة هنا على وسائل التواصل الاجتماعي والتابع والمتبوع؟ ـ لا. لأن الأصل هو أنت سواء في إعلام أو ثقافة تقليدية أو في إعلام وثقافة جديدة، فاستجلابك لآخرين يجلب لك آخرين. تداولية القراءة بهذا المفهوم لم يذكرها آيزر، إنما قنن عملية القراءة والقارئ.

السبت، 14 مارس 2020

من قارئ كالفينو إلى كاتب ميلر: لا تصرخ (3)

3ـ كتب إيكو

وليس لي أن أصرخ مثل الفيلسوف إمبرتو إيكو " هل نستطيع إسكات الأغبياء" والذي يقول عن جيل الانترنت " للأسف، قد لا يكون من الممكن انقاذ كل تلك النفوس التي ادمنت بشكل خاطئ على شبكة الانترنت. فبعض الشباب قد يكونون أيضا ضالعين بشكل كبير في علاقات مغلقة ومحصورة بهم مع شاشات أجهزة الكمبيوتر. وإذا لم يستطع أولياء الأمور والمدارس من اخراجهم من هذه الدائرة الجهنمية، فسوف ينتهي بهم الامر الى ان يكونوا منبوذين، جنبا إلى جنب مع المدمنين، والمتعصبين وجميع الفئات الاخرى التي يحتقرها المجتمع ويتعامل معها على مضض." (مقالة لإيكو نشرتها صحيفة انترناشنال هيرالد تربيون)

من قارئ كالفينو إلى كاتب ميلر: لا تصرخ (2)


 2ـ صناعة التفاهة

ليس لي أن أصرخ وأقول لك "إنك تفوت فرصة السبق في القراءة إن صبرت قليلا، وواصلت القراءة" كي تبني البناء من بدايته، فالعمل الواحد لا ينبئ بالتجربة ولكن تراكم الأعمال سيوضح مسار الكاتب، وبالتالي سينعكس على القارئ ليكتشف أنه أخطأ عندما لم يبدأ التجربة من أولها مع هذا الكاتب أو ذاك.
ومع ميللر أن تجيش الحياة من تحته فذلك رسمة لنار هادئة في مقعد هذا الكاتب، هي لا تخطط له بقدر ما يكون نفسه هو الذي يتجه نحو هذا المصير دون أن يدرك أفعاله. وشجرة الأفكار هل تحتاج للبطء هنا؟ أم أنها إن لم تسارع خطاها سيجرفها التيار؟ أعتقد أن التسارع بات يجرف كل شيء فلا الأب أبو الأولاد ولا الأب أبو النصوص ـ المؤلف ـ يستطيع عليه الآن. "إذ إن هذا الأب عندما يكون على أهبة الاستعداد يسقط في التيار الجارف ويصارع من أجل الحياة.355". وبالتأكيد لكم أن تنظروا إلى هذه الإضافة نحو الكاتب أو نحو القرد الكسلان. ولكن ميلر يتساءل:" ألا يبدو أن في الأمر شيئاً من هذا القبيل؟ أم هل توجد أرض واسعة رحبة يعزل فيها الكاتب الناشئ في سن مبكرة ويلقن أصول فنه ويتلقى الهداية على أيدي أساتذة عطوفين، وبدلاً من السقوط والارتطام بالتيار، فإنه ينزلق مثل الحنكليس (نوع من السمك) وسط الوحل والحمأ والسبخ.355". تشبيهات ميللر هنا لا تنسجم مع قارئ "ليلة الشتاء"، لأنه يعرّي الكاتب الذي هو كالفينو، ويضعه في منزلق وسط الوحل.

الأحد، 8 مارس 2020

من قارئ كالفينو إلى كاتب ميللر: لا تصرخ!


 (1)
عندما قال إيتالو كالفينو" ليس لديّ وقت للملل" هل كان يوجه القارئ نحو فعل القراءة، وأنه الطريق الوحيد لعدم الملل، والقراءة هنا ليست عبر الكتاب فقط، بل تتجاوزها إلى أن تقرأ المارة، الشارع، الأشياء ممن حولك، فـ "الأفكار ملقاة في الطرقات" على مقولة الجاحظ، وطالما أن كل هذه الأفكار ملقاة أمامنا فلا وقت للملل. ولكن هل أنصت لكالفينو وهو يدعوني لأن أكون متحفزًا لقراءة رواية " لو أن مسافرًا في ليلة شتاء"؟ "لو" أنني لم أذهب معه وهو يدعوني لضبط لحظتي التي سأبدأ أقرأ فيها روايته. ولم أعمل بنصيحته.. هل سأكون قارئًا وقتها؟ أم أنني مجرد متلقٍ أعبث بوقتي أو أتسلى بقراءة على شاطئ بحر مما يدلل على أنني لست من النوع المحبذ لدى هذا الروائي، لأنه يفترض بي أن أقرأ "على سرير النوم" كدلالة على الحميمية التي بيني وبين روايته؟! هنا أقول: إن أنصتُ له فإنني لن أجد الطرقات إلا في فكره هو، وما الواقعية السحرية إلا صنع من خياله هو وليس لي من الأمر شيء.. لهذا أنصحكم لا تنصتوا له، ولكن اقرأوا له بطريقتكم لا بطريقته ففي هذا خذلان لذواتكم.
بعد هذا سآخذكم إلى رواية كالفينو أعلاه التي تقدم لكم واقعيتها السحرية، وتقدم لكم أنفسكم كقراء، ورواية "الوشيجة" لهنري ميللر الذي يقدم لكم الكاتب، وكنت أتمنى أن أقدم لكم "كائن لا تحتمل خفته" والذي يقدم فيها كونديرا الشاعر والفنان، ولكن خوفًا من الإطالة آثرت أن أكتب عن القارئ والكاتب في الروايتين، إذ أنني أزعم أن لديّ همًّا نحو المتلقي الذي هو الجمهور؛ أي بطبيعة الحال هو القارئ، ولعله يأتي وقت أجمع بين الأربعة في أكثر من رواية، أعني القارئ والكاتب والشاعر والفنان.