3ـ كتب إيكو
وليس لي أن أصرخ مثل الفيلسوف إمبرتو
إيكو " هل نستطيع إسكات الأغبياء" والذي يقول عن جيل الانترنت "
للأسف، قد لا يكون من الممكن انقاذ كل تلك النفوس التي ادمنت بشكل خاطئ على شبكة
الانترنت. فبعض الشباب قد يكونون أيضا ضالعين بشكل كبير في علاقات مغلقة ومحصورة
بهم مع شاشات أجهزة الكمبيوتر. وإذا لم يستطع أولياء الأمور والمدارس من اخراجهم
من هذه الدائرة الجهنمية، فسوف ينتهي بهم الامر الى ان يكونوا منبوذين، جنبا إلى
جنب مع المدمنين، والمتعصبين وجميع الفئات الاخرى التي يحتقرها المجتمع ويتعامل
معها على مضض." (مقالة لإيكو نشرتها صحيفة انترناشنال هيرالد تربيون)
ومع هذه الصورة القاتمة فالغريب في
الأمر أن هذا الإيكو يعتقد أن هناك كتبًا تبدو أمامك وكأنك قرأتها، وكيف هذا؟
ـ "أولا: هناك هذا التفسير
الغامض عن هذه الموجات التي تنتقل من الكتاب إليك، هذا الرأي الذي لا أعتنقه.
ثانيا: ربما ليس من المؤكد أنك لم تفتح هذا
الكتاب أبدا؛ طوال سنوات كنت مضطرا لأن تنقله من مكان لمكان، فربما تكون قد ألقيت
نظرة عليه ونسيت أنك فعلت ذلك.
ثالثا: طوال سنوات قرأت العديد من الكتب التي
ذكرت هذا الكتاب مما يجعله مألوفا".
الكتاب الذي تراه كلما نظرت إلى كتبك، لا شك أنك ستألفه، وربما من
خلال عنوانه المتكرر عليك ستعتقد أنك قرأته، ولكن في الحقيقة هي خدعة بصرية، وقد
يكون السبب أنك قرأت عنه ذات يوم مقالة أو مقالتين، ولهذا تعتقد أنك قرأته. مع هذا
الكتاب الذي تعتقد أنك قرأته ولا تتذكر منه سوى العنوان عليك الاهتمام به وقراءته
حتى لو أنك بالفعل قرأته، لأن وجوده أمام عينيك باستمرار يعني أن هناك إلحاحًا عليك
كي تقرأه. وللحقيقة هنا لا أحدثك إلا عن الروايات لأنها هي العالم الذي تتوه فيه،
وهي العالم الذي تضيع فيه الأشياء، وهي العالم الذي يعج بالخيانات، والمآسي من كل
لون، وهي العالم الذي "تتعطل فيه الأخلاق" بتعبير كونديرا. ولا داعي لأن
تتعب نفسك في قراءة كتاب فكري يتم تسطيره من قبل أكاديمي لا يصل إلى شعورك، أو لا
يقيس شعورك، فهو غير مهتم بك، بقدر ما هو مهتم بالوصول إلى نظرية مختلفة عمن
سبقه.. وفي النهاية ستكتشف أنك ـ أيها القارئ ـ ضحية لهذه الأنانية المسيطرة على
الكاتب والذي لا يقدّر مشاعرك، وإنما يرضي طموحه، والقارئ الجاد الذي يصل إلى
النموذجية سيتحوّل مع الزمن إلى كاتب وبالتالي قد ينغمس في فكره متناسيًّا فكر
الآخرين، وهذا منزلق خطر، يجب على هذا القارئ أن يحذر منه.
كنت أتمنى، والأماني عقيمة، انني أستطيع توزيع جهدك بين الموضوعي
والذاتي، ولكن لا أملك أداة سحرية تحرفك عن مسارك الذي أردته أو ارتأيته في حياتك
بين الكتب، أنت تخذل نفسك عندما ترى أن كتابًا فلسفيًّا سيغنيك عن قراءة رواية أو
عن قراءة قصيدة، فالرواية مسار مختلف، فكر يتحرك في الأشخاص، بينما الفلسفة فكر
يحاول أن يحركك أنت، ولا يقدم لك العون كي تشاهد شبيهك وتسير على منواله مثلما
تعمل الرواية.
يتبع....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك