11ـ كاتب كولن ولسون
كتب هنري ميلر في مقدمة كتابه
"الكتب في حياتي": إن الهدف من هذا الكتاب، الذي سيتألف من أجزاء عدّة
على امتداد السنوات القليلة التالية..." (الكتب في حياتي هنري ميلر، المقدمة.
ص9) ومما يبدو أنه لم يضف على ما كتبه أي كلمة أخرى.. وهنا يلتقط كولن ولسن هذا
الحدث ليعلق: " في عام 1950 انطلق هنري ميلر في إعداد قائمة بمائة كتاب من
الكتب التي عدّها الأكثر تأثيرًا في حياته، ليكتب مجلدًا من 300 صفحة عنوانه
"الكتب في حياتي"، وسجل ميلر ملاحظة في مقدمة كتابه هذا يقول فيها أن
كتابه سيتطور إلى مجلدات عديدة في خضم السنوات القليلة اللاحقة، ولكن الحقيقة أن
المجلد ظل يُطبع بحجمه الأصلي. أضاف ولسون: أرى أن بإمكاني تفهّم دوافع ميلر
الكامنة وراء ذلك: فعندما بدأت أنا ذاتي بعمل قائمة لأكثر الكتب تأثيرًا في حياتي
كنت توقعت في البدء أن تكون في حدود العشرين كتابًا... وبعدما انطلقت في وضع قائمة
أولية بالكتب المطلوبة رأيت نفسي أدوّن خمسين عنوانًا دفعة واحدة، وبدون أن أتوقف
لبرهة واحدة، وتبينت أن بالإمكان بكل بساطة أن أضيف خمسين عنوانًا آخر... وكان هذا
يعني أن كتابي سيكون مجلدًا ضخمًا بـ 1200 صفحة في أقل تقدير، ولك أن تعلم بعد كل
هذا كم كان ينبغي أن أمارس من جهد وانضباط لكي أقلل العناوين بغية جعل الكتاب في
حجم مقبول وقابل للتداول السهل" (حلم غاية ما، كولن ولسون، ص73، 74).
قد يعني هذا أن تصوراتنا عن الكتابة وعن القراءة فيها خطأ، وأن ما نقدمه لأنفسنا في أننا سندّون كل الكرة الأرضية فيه مبالغة زائدة، فقد تخطط كتابًا من مجموعة فصول لتجد أنك تضيف فصلاً أو تحذف فصلاً دون أن تدرك ذلك. حتى في الشخصيات الروائية يحدث ذلك، فقد تلغي شخصية وتضيف أخرى.. وهذا هو ديدن الكتابة، ولا تعد بما لم تكن مستعدًا له تمامًا، أمّا أن تترك الأمر لظروفك، فإن هذا لا يساعدك على الكتابة.
قد يعني هذا أن تصوراتنا عن الكتابة وعن القراءة فيها خطأ، وأن ما نقدمه لأنفسنا في أننا سندّون كل الكرة الأرضية فيه مبالغة زائدة، فقد تخطط كتابًا من مجموعة فصول لتجد أنك تضيف فصلاً أو تحذف فصلاً دون أن تدرك ذلك. حتى في الشخصيات الروائية يحدث ذلك، فقد تلغي شخصية وتضيف أخرى.. وهذا هو ديدن الكتابة، ولا تعد بما لم تكن مستعدًا له تمامًا، أمّا أن تترك الأمر لظروفك، فإن هذا لا يساعدك على الكتابة.
عند كولن ولسون الرواية بالتحديد هي:
ـ
أن ترى وجهك.
ـ
تخلق ذاتك.
ـ
تؤكد وجود هذه الذات.
ـ
تطلب شغف القارئ.
ـ
يفهم الكاتب نفسه.
ـ
يدرك غرضه.
والكاتب:
ـ غير معنيّ بقول الحقيقة.
ـ لا يظهر وجهه اليومي بل الوجه القابع
وراء وجهه اليومي.
ـ يحمل مرآة متسعة الزاوية أو عدسة
متسعة الزاوية.
هنا يقول ولسون: " ثمة مرايا مستوية تعكس ما يوضع أمامها
وحسب، وهي بهذا لن تكون أفضل كثيرًا من زوج العيون المعلقة في سقف رؤوسنا" (حلم
غاية ما.82) كأنه يقول إن الصور لا تعكس لك ما يختلج في نفسك، أو يؤكد لنا أنه
واقعي، فما تعكسه المرايا شيء خيالي. بينما كالفينو يقول: " فكّر، تأمّل: كل
نشاط فكري يتضمن مرايا للأنا. وفقا لأفلوطين، فالنفس مرآة تخلق أشياء مادية تعكس
أفكار المنطق الأعلى. ربما لهذا أنا بحاجة لمرايا لأفكر: لا أستطيع أن أركّز إلا
في حضور صور منعكسة، كما لو كنت بحاجة لنموذج لتحاكيه في كل وقت تريد فيه توظيف
قدرتها التفكيرية. ( لو أن مسافرًا في ليلة شتاء. 213). أعتقد أنه لا تناقض في
تناولهما فتعدد النفوس البشرية يبيّن مثل هذا الاختلاف في التفكير، وبالتالي
الاختلاف في الكتابة، ولهذا فإن القراء كثر وأصحاب توجهات، وقراءات وميول وأساليب
مختلفة، وعلينا أن نؤمن بهذا الاختلاف!
ـ يوعّي القارئ بالتجربة.
ـ يصل للطرف الثاني من متاهته الخاصة.
ويقول للكاتب:
ـ الإحساس بما تريد استخلاصه من
الحياة.
ـ لا تستسهل الكتابة
ـ لا تحدّ من حرية شخصيتك في الرواية،
ولا تحجمها.
ـ دع اللحظات تفجّر إمكانياتك، وأطلق
لها العنان.
ـ اعمد إلى الحيل الصغيرة بخلق اللحظات
الفجائية.
ـ كن حالمًا واخضع نفسك للتجرية
الحياتية.
ـ تجنب الدهاليز المسدودة النهايات.
ـ لا تؤمن بحدسك الفني، بل اعتمد على
عالم الأفكار.
سبق وأن أوردت أ، الجاحظ يقول
"الأفكار في الطرقات" وهي فعلاً ملقاة تنتظر من يختطفها، ولهذا فإن التقاط
هذه الأفكار لن يكون وأنت جالس خلف مكتبك، الكثير من الكتّاب سافر إلى أماكن من
أجل وصفها، والكثير منهم اتصل بأناس من أجل تكوين فكرة عنهم، والكثير من الكتاب
أصاخ السمع لنشرات الأخبار ولما يدور في الميديا. لا تحبس نفسك في حدسك الفني، ولا
داخل الذات.
ـ أن تفهم معنى كلمة "حرية
الكاتب".
ـ حل مشاكل شخصياتك المعقدة بمشكلتك
الشخصية! أي استوعب تجربتك الحياتية!
ـ ركز على الأشياء المخفية التي قد
تعكس شخصياتك، والتي قد لا تظهر لك إلا في لحظات.
اللمحة في هذه النقطة لدى ولسون جاءت
من خلال الغريب للبير كامو وميرسو الذي كان يحدق من النافذة وهو ضجر.. ويتساءل هل
هو سعيد أم لا؟ وهل هناك لحظات تمر بنا ونكون سعداء دون أن ندرك ذلك؟ ولكنها اكتملت
لدى كولن ولسون مع موزارت إذ لن يقول لك شخص إنه سعيدًا "لأن موزارت
عاشق" أو "لأن الأغصان تبدو متألقة" بل سيسرد أسباب شخصية بحتة؛ أي
أن سعادتك أو احباطك أو حياتك كلها مرتبطة بمن حولك، ولهذا لا بد أن تعكسها في
عملك، وتبتعد عن الأنانية؛ لأنك لستَ وحدك تعيش في هذا الكون، فهناك ملايين حولك،
وشخصياتك لا بد أن تكون من هذه الملايين التي أنت جزء منها شئت أم أبيت!
ثم
ـ
قدّم حالة مستمرة ومتوسطة الكثافة من تجربة الذروة.
ـ
لا تقيد حالك ولا تكن روبوتًا وتسير بتلقائية.
ـ
لا تسمح لنفسك الحقيقية أن تقودك.
ويركز ولسون على "التجربة
الفكرية" في الرواية بالتحديد " والرواية نوعٌ من الارتقاء الصامت نحو
التجربة الفعلية: فإذا أردت أن تجد حلا لمشكلة شخصية معقدة فبالكاد تستطيع العثور
على حل أفضل من كتابة رواية حول مشكلتك ذاتها!!"(حلم غاية ما، 83)
ولكن هناك شيء محتفٍ عنّا، لا نراه فـ
" أغلب قيمنا التي تحفّزنا في الحياة إلى جانب الأشياء التي نحبها تظل مختفية
عنا معظم الأوقات وكأنها قابعة وراء ضباب كثيف" (نفسه، 84)
والكثير مما يجب قراءته في كتابه "حلم
غاية ما".
حمّل الكتاب من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك