12ـ الكتابة الظل
قد تضع خطًا تحت عبارات في بعض الكتب
التي تقرأها، وأخرى تكتب حاشية بخط يدك، "ثلاثة اتجاهات في الكتابة"..
"وجه آخر للبطل".. " لا تعجبني هذه العبارة لكنها تفتح موضوعًا
يمكن النقاش حوله".. هذه العبارة التي كتبتها كتعليق على عبارة الكاتب، قد
يصفعك كالفينو ويقول لك: " أيها القارئ، انتبه وأرهف السمع. فهذا الشك يندس
في عقلك، ليغذي قلقك كرجل حسود ما يزال لا يعترف بأنه كذلك". (لو أن
مسافرًا.. 196)، لأنك فعلاً أعجبت بعبارة الكاتب، ولكن لا تريد الاعتراف بذلك، من
باب الحسد... إلى آخر التعليقات التي ستكتشف أنها كانت تمثّل قوة، ولكنها كانت
فراغًا وقتها في داخلك، ولم تستطع مجاراتها لأنك منحاز تمامًا إلى نفسك الطموحة. هذه
العبارات التي تكتبها في الكتاب الذي تعيد قراءته هي "الظل".. وقد يمكن
القول هنا أنها "تملأ الفراغ" حيث القارئ هو الظل للكاتب. بين القصرين
لنجيب محفوظ جملة "زواج يصفق له أهل المجون" عندما وضعت تحتها خطًّا في
فترة عمرية عاصفة، لم أكن أتصور البعد الذي قيلت من أجله وقتها، ولكنها اتضحت لي
فيما بعد، فسطوة المجتمع تسيطر، وسطوته تقتل الحب، ولا تفكر بشكل إنساني، وتعمل
بأنانية بحتة من أجل الحفاظ على الكيان الصغير المسمى "بيئة"، بيئتنا
الاجتماعية التي تدمر المشاعر الإنسانية بشتى الطرق.
" عملية الكتابة هي عملية يقوم
فيها كل جزء من شخصية الكاتب بدور؛ فالكاتب لا يكتب بأفكاره فقط بل بغرائزه وحواسه
أيضًا. كما يلعب الجانب المظلم للشخصية دورًا مهمًّا للغاية في عملية كتابة كتاب.
فالعامل العقلي هو أحد الأشياء التي لا يعيها الكاتب بشكل كامل، لذا فإنه عندما يدلي
بشهادته عن كتبه إنما يؤدي ذلك بشكل ذاتي محض ويعطي صورة واضحة فقط عما أراد أن
يقوم به وهي صورة نادرًا ما تتطابق مع ما قام به بالفعل، لهذا يصبح القارئ في بعض الأحيان
في موقع يتيح له الحكم بشكل أفضل على عمل الكاتب أفضل من الكاتب نفسه" (الكاتب
وواقعه، يوسا. 49) هنا "ظل آخر" يتكيء عليه الكاتب كثيرًا، وهو الجانب
المظلم في الشخصية الذي يتخيله الكاتب. فعندما يسأل الكاتب عن شخصية ما فإنه لا
يستحضر الجانب الخفي في حياته هو، وإنما يقدّم في شرحه لنا صورة في ذهنه مغايرة
لما كانت عليه الشخصية، لأنه رسم هذه الصورة/الظل في داخله معتقدًا أنها جاءت
مثلما رأى، بينما اتخذت مسارًا غامضًا مع الأحداث أخرجتها عمّا تخيّله. ولأن
القارئ يقف بعيدًا عن رسم الشخصيات ويسير في خطه التصاعدي مع الشخصية يستطيع رؤية
ما لا يراه الكاتب، لأنه خارج الحدث تمامًا، بينما الكاتب في صميم الحدث، ومع ذلك
لا يستطيع التعبير عن شخصياته بالشكل الذي جاء عليه العمل، ولا يقدم صورة كاملة
عنه، لسبب بسيط وهو أن كل جزء ولو كان صغيرًا يعدّ مهمّا لدى هذا الكاتب.
بينما يكون الظل الثالث هو ما يتخيله
الكاتب في القارئ من خلال الشخصية، والذي يتخيله القارئ في الكاتب في ذات الوقت،
وهي تبادلية يستشعرها صاحب الرؤية العميقة، وخصوصًا القارئ/الحكم/المثالي.
حالة العبور، التي تقتضيك أثناء
معاودتك قراءة تعليقاتك على كتب قرأتها في زمن مضى، ترتكز على لحظة نفسية كنت
تعيشها، فكيف تعبُر الآن بعد هذه التجربة الطويلة وسط شموس كانت تسطع أمامك،
لتراها الآن ظلالاً لهذه الشموس. إنه ظلك يا سيدي وعليك أن تتعايش معه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك