الثلاثاء، 10 أبريل 2018

لا شيء يهز العالم (5)


الصوفية معركة الأفكار الغربية البديلة لمعركة الشيعة (2)


الحركات الباطنية واستغلال الغرب لها

أيضًا في مؤتمر 2003م في واشنطن كانت الكلمات كلها تبجل في الصوفية وأنها توجه ديني متسامح، والعجيب في الأمر أن لويس ناقضهم جميعًا، وذهب إلى أهدافه بخبرة تدلل على الخبث الذي يمتطيه يقول: "أود أن أتحدث عن نقطة أو نقطتين. نحن نتحدث في هذه الأيام كثيراً حول "التسامح" ونسمع كثيراً عن تراث التسامح الذي وجد في إسبانيا الإسلامية في القرون الوسطى، دعوني أوضح ما يعني هذا. إن التسامح جوهرياً مثال غير متسامح. ماذا نعني عندما نقول تسامح؟ إنها تعني أساساً: سأسمح لك ببعض الحقوق وليس كل الحقوق التي أتمتع بها ما دمت تتصرف وفق القوانين التي وضعتها" أعتقد أن هذا تعريف معقول للتسامح كما مورس في أوروبا ومناطق أخرى من العالم. من الواضح أن هذا أفضل من اللاتسامح. بعد ذلك يقول: ولكن الصوفية رائعة، إنها تقدم شيئاً أفضل من التسامح، إن الموقف من الآخرين من الأديان الأخرى كما تعكسه الكتابات الصوفية لا مثيل له. إنه ليس مجرد تسامح إنه القبول."

مهم جدًا أن نستوعب الكلمات وأن نعي أبعادها، وأن نعمل على تقنين الأهداف من خلال الكلمات، فالإيحاء بالقبول يعني أنه بإمكان الصوفية وضع أيديهم في يد أي محتل وقبوله، ماذا يهم أي محتل سوى قبوله في المجتمع الذي أحتله، وهذه هي الغاية التي يسعى إليها الغرب وليس كما يدعي، أنه يريد دين تسامح وسلام.

وفي ذات المؤتمر يقول المستشرق الأمريكي مايكل ساليس أستاذ الأديان بجامعة هارفارد الأمريكية:

"إذا ذكرت للرأي العام الغربي أنَّ هنالك في الإسلام أناساً يؤمنون بالحبِّ والتسامح والتعايُش، وإنَّ فيه الكثير من الرموز التاريخيين في هذا المستوى أمثال ابن عربي, والشُّعراء مثل حافظ الشيرازي وجلال الدِّين الرُّومي وغيرهم كثير في السَّابق واللَّاحق، فإن الغربيين في عمومهم لن يصدقوا." بغض النظر عن شعراء ماتوا واستشهاده بهم كمعبرين عن التسامح في زمن من الأزمان، إلا إن الشعراء في عمومهم يميلون دومًا إلى الإنسانية، وقليل منهم من يشذ، وهو استشهاد في غير محله هذا أولًا. أما ثانيًا فالمصادقة على قوله من قبل الغربيين غير واردة لأن الإعلام والآلة الغربية شوهت الإسلام، ولن تؤثر عليهم كلمة في مؤتمر موجهٍ للنخبة فقط، وهذه الحقيقة التي يجب أن يدركها هو وأمثاله ممن شوهوا الإسلام.



وسنقرأ " لا مكان للكراهية في قلوب الصوفية" وهي للدكتور زكي سارتيوبارك، من قسم دراسات الأديان بجامعة جون كارول ويستشهد بقول علي رضي الله عنه " حتى لو فتح حجاب الغيب فإن قوة إيماني لن تزيد عمّا هي عليه" [1]

هذا الاستشهاد بمقولة علي رضي الله عنه فيه دلالة تعيدنا إلى اللعبة التي يلعبها الغرب تجاه أمة الإسلام، وهي استخدام الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة، وتؤكد مقولة ولفويتز السابقة "حرب الأفكار" فالعبث بنقطة من التاريخ الإسلامي وجعله هو التاريخ بالكامل فيه اصطياد خبيث وتكريس مستمر للحرب الطائفية، وتحوير المفاهيم والقيم، فمن هو علي بالنسبة لأمة الإسلام، إنه الحكيم العظيم فيها، ولهذا عندما يقول مثل هذه الكلمة فإن أحدًا من عباد الله لن يبلغ مبلغه، إلا من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تساوي الأجيال التي تلت شيئًا أمام هؤلاء الصحابة الذين لا يهمهم متاع الدنيا كبعض الصوفية التي يريد الغرب من خلالهم إيجاد دين يتواءم مع توجهاتهم وما يريدونه سياسيًا.

إن كلمة علي رضي الله عنه لا يوازيها إلا كلمة أبي بكر رضي الله عنه وهو يقول، عندما رشح عمر للخلافة من بعده وهو على فراش الموت فقيل له: إنه شديد يا خليفة رسول الله، فاتق الله في عباده، فقال::" أتخوفوني بالله ... والله لو أن الله سألني يوم القيامة, لم وليت عليهم عمر؟ أقول: يا رب، وليت عليهم أرحمهم, ثم قال: هذا علمي به, فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب." وهذا يدلل على أن ذلك العهد كان يتميز الجميع فيه بأن همهم هو الآخرة ولم يكن تفكيرهم في الدنيا إلى درجة أن ثقتهم بالله أعلى من أي ثقة، وأن ثقتهم في بعضهم بعضًا لا يداخلها الشك، أي أنهم على قدم المساواة. وشتان أن ترد مقارنة دراويش يتقربون إلى الأشخاص بمن يتقرب إلى الله، إلى درجة أن صادق الله على أقوالهم كعمر رضي الله عنه.

وبخلاف ذلك فإن هنا إشارة واضحة للعيان، ويجب أن تؤخذ في الاعتبار، وهي؛ الربط بين التصوف والتشيع وأنهما انطلقا من عهد علي رضي الله عنه، " إن صلة الصوفية بالتشيع شيء مؤكد، فمرجعهم دائمًا من الصحابة هو علي بن أبي طالب أو الحسن بن علي رضي الله عنهما"الذي هو أول الأقطاب"، وقالت الصوفية بالقطب والأبدال وهذا من أثر الإسماعيلية والشيعة. وعوامل نشأة الفرقتين وطبيعة كل منهما توجب أ، يقترب التشيع من التصوف، فالشيعة انهزموا في ميدان السياسة، والصوفية انهزموا في ميدان الحياة، وأهل فارس هم أكثر الناس تصوفًا بين الأمم الإسلامية.[2] وهذا يدلل على أن الطريقة واحدة، وأن من صاغهما صاحب منهج واحد، ولكن الأدوات تختلف لتنفيذ الطريقة، ويجب أن نحذر من هذا كل الحذر، وأن نعي أن هناك من يعبث بعقول الشباب من الجنسين، وفي ذلك كشف لحقيقة العبث الذي يمارسه الغرب في المنطقة العربية اليوم، وفيه سعي لتفكيك أواصر الإسلام، والذهاب به إلى دين يرتضيه هو، كي يستطيع السيطرة على العقول فقط. إذ يؤكد دانيال بايبس أن "الغَرب يسعى إلى مصَالحة (التصوف الإسلامي) ودعمه لكي يستطيع مِلء السَّاحة الدينيَّة والسَّياسية وفق ضوابط فَصل الدِّين عن الحياة، وإقصائه نهائيًا عن قَضايا السَّياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استخدمت في تهميش المسيحيّة في أوروبا والولايات المتحدة.[3] وهذا هو المراد الآن وهو تهميش الإسلام فعلًا وقولا.

وبعد لنعد إلى مؤتمر الشيشان الذي أقيم بعد 13 سنة من بدء التحرك في إطار الصوفية من واشنطن، حيث سنلحظ أن ما قابل ذلك المؤتمر هو استطاعة المملكة العربية السعودية جمع كلمة المسلمين تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبعد أن رأوا تأثير السنة في العالم الإسلامي واتحاد كلمتهم. وبعد أن رأوا التحالف الإسلامي الذي تم في أيام معدودة، أيام يحتاج الغرب لتنسيق مثله إلى أشهر طويلة. وهم بهذا يسعون إلى التفرقة بين السنة وضرب بعضهم بعضًا، إذ إن الحرب الطائفية مع الشيعة ـ مثلما قلت سابقًا ـ لم تنجح، أو حققت جزء مما يريدون، ولم تحقق كامل ما يريدون، فرأوا أن خير الطرق هو الذهاب إلى الخطة البديلة المتمثلة في التفرقة بين السنة وتشتيت كلمتهم.

أورد الكاتب محمد مبروك في دراسة له قصة تبين العلاقة الطردية بين المتصوفة وبين السياسة وبين الاستعمار، حيث قال، إن:

" الزعيم مصطفى كامل يحكي عن رجل فرنسي ادعى الاسلام في تونس، ثم جاور أحد الأضرحة، وظل يتقرب منه حتى صار سادنه؛ ولما أرادت فرنسا غزو تونس واحتلالها؛ استعد أهلها للقتال، وذهبوا إلى ذلك الضريح ليستمدوا منه البركة، وهنا قال السادن: "دعوني حتى أستشير الشيخ" فدخل ثم خرج فقال: "إن مولانا يقول لكم: إن الفرنسيين قضاء وقدر، ويجب عليكم التسليم للقضاء والقدر" فصد الناس عن الجهاد، واحتلت فرنسا تونس.[4] ص200

انظروا إلى إيضاح التلاعب بالكلمات، واستغلال الدين من قبل عبّاد الأضرحة، وكيف ينومون الناس، أو يوجهونهم باتجاه آخر غير عقيدتهم، وكيف يخدمون المستعمر أ المحتل، وهذه الحيل ستستمر حتى قيام الساعة، ويجب أ نتعلم من دروس التاريخ فيها، وأن نضع الأشياء في مواضعها الصحيحة، وأن نضع الأشخاص في موقعهم الحقيقي من الدين.

وتقول فارينا علم ـ وهي إحدى الممثلين للصوفية الموجودين في الغرب: "من الممكن أن تصبح الصوفية اليوم ـ بتركيزها على القيم الإسلامية المشتركة، ووضع الأهداف السامية نصب عينيها ـ بمثابة قوة كبيرة مضادة للإسلام المجاهد"[5].

كما إن الغرب يستغل الحركات الباطنية، مثلهم مثل اليهود تماما، حيث أنهم يعملون في الظلال كالشياطين يروننا من حيث لا نراهم، وهكذا هي سياسة الغرب المتبعة الآن، والتي تحركها أيادٍ خفية غير ظاهرة للعيان، والهدف هو السيطرة على المجتمعات الإنسانية وتحويلها إلى التبعية الغربية التي لا تؤمن إلا بعقيدة الدولار فقط.

لمواجهة ذلك قد نفكر في الآتي:

 

  1. قراءة الوضع جيدًا بالنسبة لأولئك الذين لهم علاقات في إقامة الندوات والمؤتمرات وحضورها في هذا الإطار.

  2. كشف أي تهديد بوضوح تام والتعامل معه في المرحلة الأولى.

  3. من يعمل في المنظمات أو يتعامل في الباطن مع الخارج يجب فحص جميع ما يصل إليه، والوقوف ضد الأشخاص أو المنظمات التي تعمل بشكل غير قانوني، وتشكل تهديدًا للأمن القومي.

  4. تنبيه الحلفاء من مثل هؤلاء الأشخاص أو المنظمات.

  5. تقديم المعلومات والتحذير من هؤلاء، وتوضيح ما يعملونه ضد الأمن القومي.

  6. تدريب أجهزة الأمن وتثقيفها حتى لا يكون هناك ثورة ملونة، تقوم دون إدراك وهم في مرحلة غضب.

  7. تطوير مراكز الأبحاث والعمل على قراءة الحركات الباطنية بشكل جيد.


يتبع..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بالإمكان العودة إلى ورقة " فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية، تحرير : زينو باران Zeyno Barab ، تقرير مؤتمر صادر عن

مركز نيكسون ، مارس 2004م، ترجمة د.مازن مطبقاني.

[2] محمد العبده، وطارق عبد الحليم، الصوفية نشأتها وتطورها، دار الأرقم، الكويت، 1997م.ص103

[3]  محمد عبد الله المقدي، التصوف بين التمكين والمواجهة،(سابق) ص8

[4] محمد مبروك، الصوفية بين الاستقطاب السياسي  والتوظيف الخارجي، دراسة. ص200

[5] محمد  عبد الله المقدي، نقض العرى.. رؤية في البديل الغربي السلفي، مجلة البيان، العدد 223، ربيع الأول 1427ه مارس 2006م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك