الأربعاء، 27 فبراير 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي


(1)

التصورات التي تنتابنا كإعلاميين هي أننا نفهم الجمهور، ونفهم طبيعته وعلاقاته، لأن بعضنا يتخذ الأمور على علاتها، ويعتقد أنه استوعب هذه الكلمة بشكل جيد إلى درجة أنه بات ينظر إليه كمستقبِل للرسائل فقط.. ورغم أن ذلك فيه شيء من الصحة بدلالة أننا كنا نعمل في الصحافة ولا ننظر إلى الجمهور، ولا ننتظر رأيه فيما نود نشره، بل إن عملية التوزيع للصحف هي التي تعكس لنا ما نتجه نحوه. يتصور كاتبا "الإعلام والجمهور" نحن مقابل هم. الجمهور مقابل الساسة، قطعًا هما ينظران إلى الانتخابات الأمريكية.." لكن صورة السيادة الشعبية تكون مرتبطة بصورة مكان خالٍ، لا يمكن شغله.."، أي أن ما يمكن قوله هو أن الجمهور: ليس كيانًا يمكن توصيفه، لكنه فراغ يجب ملؤه!!، وهو تعريف يؤدي إلى الصدمة، لأن المشهد الذي قدماه هو أن "جو" رجل غير معروف، يقف أمام أوباما ويسأله، وهو يمثل الجمهور، والصورة تُظهر أوباما وكأنه  مشهد في شاشة، وهو وسط الجماهير، التي ترى حضوره في قالب إعلامي. وبمثل هذه الصورة يظهر الجمهور " في المجتمع المعاصر، على أنه موجود في كل مكان، لكنه غير مرئي" فإلى أي مدى يمكن تجاهل الجمهور؟ وهل ستتغير أساليب الاتصال.. وتعكس النظريات بحيث يصبح اللامرئي هو المتحكم ؟ كأن "الحداثة السائلة" تريد أن تطغى هنا، وتقلب الموازين.




بات الجمهور اليوم حالة من حالات "الروغان" التي نسعى وراءها ومن أجل الوصول إليه لا بدّ أن نغير جلدنا باستمرار، ومع الحداثة السائلة بشكل أسرع من تغيير الأفعى لجلدها، لأننا إن لم نفعل ذلك فلن نلحق به، وستتصلب جلودنا، ونصبح أثقل في حركتنا، ولن ندخل الحيز الزماني المتسارع. يقول باومان"إن حداثتنا نسخة يطغى عليها الطابع الفردي والطابع الخاص. ومن ثمّ فإن عبء صياغة النماذج ومسؤولية الفشل إنما يقعان في الأصل على كاهل الفرد. وهكذا جاء دور نماذج التفاعل والاعتماد المتبادل، وآن الأوان لإذابتها وصهرها. فهي الآن سهلة لينة إلى حدّ لم تعهده الأجيال الماضية ولم تتصوره، ولكنها مثل كل الموائع لا تحتفظ بأشكالها وقتًا طوبلا. فما أيسر أن نضعها في شكل ما من أن نُبقي عليها في شكل ما. فالمواد الصلبة تُفرّغ في قالب مرة للأبد، أما الإبقاء على الموائع في شكل ما فيتطلب عناية كبيرة ويقظة دائمة وجهدًا دؤوبًا، ولا يضمن ذلك نجاح المحاولة!" (الحداثة السائلة)

بكل بساطة الجمهور هو "مكان لا يمكنك السير فيه، وهو مجموعة هائلة من الناس... إن المكان والناس صورة مألوفة، لكن على الرغم من أنك تعرفهم جيدًا، فإنك لم ترهم، ولن تراهم، رغم أنك واحد منهم"‏ (الإعلام والجمهور)

الجمهور.. الحيز غير المرئي (2)

الجمهور.. الحيّز غير المرئي (3)

الجمهور.. الحيز غير المرئي (4)

هناك تعليق واحد:

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك