‏إظهار الرسائل ذات التسميات جذر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جذر. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 28 يونيو 2019

لذة النص وخطورة الميديا

عادة القراءات المعرفية تتوقف على سلطة اللغة وسلطة التأليف وسلطة الحقيقة.. وتذهب في الواقع إلى الإدراك وإلى الذهنية للقارئ. وتخضع في بعض مستوياتها إلى النفسية. وأحيانًا إلى السلوك؛ أي أن القارئ يسير على نمط محددٍ في قراءته للنص، قد نسميها ما يشبه العادة التي تعوّد عليها، وإن كانت متطورة فإننا نسميها "منهجية"، وعندما تصل إلى هذا المستوى فإنها تحمل سلطة مقابلة لسلطة المؤلف، ويكون التفاعل مع النص في أوجه، وفي هذه الحالة فإن المهارة تتكون ليتحقق المعنى في الذهنية، وهو معنىً تقبليٍّ يعتمد التأويل والتخزين، قد ينصب بعد ذلك في خانة الإنتاج عبر النقد أو التأويل مثلاً، وعدم الوقوف على حد نهائي للنص. وبهذا نضيف سلطة رابعة وهي سلطة القارئ.

لا أمتلك مخزونًا كافيًّا في هذا المسألة؛ أي بكل وضوح لست متخصصًا في النقد أو اللغة أو حتى في القانون، ولكني متخصصًا في القراءة كقارئ، وهذا هو الأهم لدي.. ومن هنا فإن عمليات التأويل لدي أو في أبسط الحدود التخمين تتجه بي نحو تنامي الأجزاء كي تصل إلى المعنى الكلي. وعوامل التحريض التي تنتابني لا شك أنها توقعني في مسائل سلبية وإيجابية، ولهذا فإن النص الذي أمامي مهما كان لن يكون كاملاً، لأنني كمتلقٍ أمتلك هدفًا أريد الوصول إليه وسيرتسم أمامي المتن الذي سأتفاعل معه، قد يكون تفاعلي بصريّا يمرّ على السطور ليلتقط جملة واحدة، وقد يكون شكاكًا مدققًا يشدّد على الكلمة الواحدة في النص. وليس من نظرية اتصالية هنا أتحدث عنها، تتمحور حول المرسل والرسالة والوسيلة، أو الكاتب والنص والقارئ، بل إنها عملية انتقائية في هذه المرحلة التي أعيشها، والتي يجب فيها أن أكون امتلك المهارة اللازمة لتحديد الهدف من قراءتي، سواء كان يأتي في إطار المتعة أو إطار الفائدة أو إطار استعراض ترفيهي، أستطيع أن أسلي به من في المجلس الذي اقتعده.

وغالب الخطباء يمتلكون ميزة القراءة الترفيهية التي تنصب في تقديم الشواهد التي تعينهم على لفت انتباه جماهيرهم، ولهذا ألحظ أن تقلّب القارئ أو تحوّله من حالة إلى حالة وهو يسمع أو يقرأ لهؤلاء تكون سريعة، وبإمكانهم الانتقال من حالة إلى أخرى، دون أن تترسخ في أذهانهم حالة من الإبداع، أو حالة من الإنتاج؛ وهذا هو ديدن الخطابة يؤثر زمانيًّا ولا يدرك ثقل المكان الذي يجب أن يتحوّل إلى حالة ثقافية منتجة، لأنه لا يريد من المستقبل أن يُنتج بل يريده أن يستمر مستهلكًا لكلماته فقط، وهذه الحالة تشبه الطبيب الذي يمنح مريضه دواء هو الداء كي يستمر المريض في زيارة الطبيب ولا ينقطع عنه. إن الجرعات المسمومة المطعمة بجرعات من العلاج تبقي الشخص على حاله ولا تغيّره إلى الأحسن، واستمراريته على هذه الحالة تفيد الطبيب/الخطيب المجيد للتوصيف وللبلاغة. ولا تعتقدون هنا أن ما أرسمه هو ضد الخطابة، ولكنها مع القارئ وليست مع الخطيب، فالقارئ يستمتع هنا بما يستقبله، ويشعر أنه يعيش الوعي الذي يريده.

الأربعاء، 27 فبراير 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي


(1)

التصورات التي تنتابنا كإعلاميين هي أننا نفهم الجمهور، ونفهم طبيعته وعلاقاته، لأن بعضنا يتخذ الأمور على علاتها، ويعتقد أنه استوعب هذه الكلمة بشكل جيد إلى درجة أنه بات ينظر إليه كمستقبِل للرسائل فقط.. ورغم أن ذلك فيه شيء من الصحة بدلالة أننا كنا نعمل في الصحافة ولا ننظر إلى الجمهور، ولا ننتظر رأيه فيما نود نشره، بل إن عملية التوزيع للصحف هي التي تعكس لنا ما نتجه نحوه. يتصور كاتبا "الإعلام والجمهور" نحن مقابل هم. الجمهور مقابل الساسة، قطعًا هما ينظران إلى الانتخابات الأمريكية.." لكن صورة السيادة الشعبية تكون مرتبطة بصورة مكان خالٍ، لا يمكن شغله.."، أي أن ما يمكن قوله هو أن الجمهور: ليس كيانًا يمكن توصيفه، لكنه فراغ يجب ملؤه!!، وهو تعريف يؤدي إلى الصدمة، لأن المشهد الذي قدماه هو أن "جو" رجل غير معروف، يقف أمام أوباما ويسأله، وهو يمثل الجمهور، والصورة تُظهر أوباما وكأنه  مشهد في شاشة، وهو وسط الجماهير، التي ترى حضوره في قالب إعلامي. وبمثل هذه الصورة يظهر الجمهور " في المجتمع المعاصر، على أنه موجود في كل مكان، لكنه غير مرئي" فإلى أي مدى يمكن تجاهل الجمهور؟ وهل ستتغير أساليب الاتصال.. وتعكس النظريات بحيث يصبح اللامرئي هو المتحكم ؟ كأن "الحداثة السائلة" تريد أن تطغى هنا، وتقلب الموازين.

الاثنين، 14 يناير 2019

صفحة كتب

بإذن الله سأضع أسبوعيًا قدر المستطاع الكتب التي أرى أنها مفيدة للقارئ، وتساعد في التنوير، وفي إضاءة العقول


فالكتاب يتنقل بك في عوالم كثيرة، تستطيع عبرها أن تسبر ثقافات الشعوب، وأن تطوّع عقلك لما يريده هو؛ فبالتنوع الذي تتجه له في القراءة تخرج نحو أفق تتميز به لوحدك.


كن قارئًا ولا تكن تابعًا..


https://bloogbooks.blogspot.com/?view=magazine

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

كذبة انتصار حزب الله عام 2006م بالأرقام

لا شيء يهز العالم 23

خسائر لبنان أكثر من 15 مليار دولار


قال حسن نصر الله بعد حرب عام 2006م : "نحن أمام نصر استراتيجي وتاريخي". وهذه حقيقة بالنسبة له ولإيران، فأن يكسر لبنان، وأن يحقق أهداف أعداء الأمّة العربية هو نصر بالنسبة لهم، وهذا ما دعاه إلى استفزاز إسرائيل وربما باتفاق معها ومع إيران على اختطاف جنديين في سبيل تحقيق هدفين: تحرير الأسرى، وتحرير الأرض (بحسب تصريحات حسن نصر الله). وبعد أن عمّ الدمار لبنان، عاد واعتذر، ورأى أنه لم يكن يتصور أنه سيحدث، فما هي حقيقة هذا النصر الذي يتحدث عنه نصر الله، لنقرأ معًا ما جمعته من لفيف من المواقع والكتب الشرخ الذي أحدثته هذه الحرب، والنصر المزعوم، والوهم المزروع في قلوب أتباعه، فبعد انتهاء الحرب:

ـ ازداد عدد الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، ووضعت أراضٍ أخرى تحت قبضة اليونيفل.
ـ  مزارع شبعا لم تحرر، ومقاتلة إسرائيل من أجل المزارع ما عادت ممكنة. فبينه وبين المزارع الحدودية الآن حوالي ثلاثين ألف جندي لبناني ودَولي، وهو محتاجٌ لكي يصل للمزارع إلى الاشتباك معهم قبل الاشتباك مع إسرائيل.

ـ صدر قرار من الامم المتحدة يمنع القرار 1701 الذي مرر في آب/أغسطس 2006، حزب الله من تواجده جنوب نهر الليطاني.

ـ حرر حزب الله الجنوب اللبناني من وجوده اللبناني وأصبح الوجود الأجنبي هو الحاضر فيه.

ـ الأسرى ما يزالون موجودين بيد إسرائيل، بل ازداد عدد الأسرى في سجون الاحتلال.

لغة الأرقام

وأورد موقعًا بلغة الأرقام الخسائر التي خسرها لبنان جراء هذه الحرب، التي كان الهدف منها هو مساعدة الاحتلال الإسرائيلي للتوسع في أمنه، وتحت رعاية حزب الله:

ـ تم إتلاف700 كم من الطرق وتدمير 80 جسرًا.

ـ تم تحطيم 28000منزل وخسائر مالية قدرها 12.9 مليار دولار.

ـ عدد القتلى اللبنانيين 2023

ـ عدد القتلى الاسرائيليين 144

ـ عدد الجرحى اللبنانيين 3740

ـ عدد الجرحى الاسرائيليين: 360

ـ خسائر لبنان الأولية وعن وزارة الصحة والمعالجات الميدانية: 44,880 مليون دولار

ـ تكلفة إصلاح الثمانين جسرًا 504 مليون دولار، ولا جسور اسرائيلية مدمّرة .

ـ منازل مدمرة في اسرائيل 11

ـ 14 ألف منزل متصدع في لبنان وكلفة اعادة ترميمها واصلاحها 673,750 مليون دولار، 141منزلًا اسرائيليًا متصدعًا.

ـ تم تدمير البنية التحتية اللبنانية بنسبة 65%، والإسرائيلية لا شيء.

ـ اغلاق ثلاثة مطارات لإصابتها بأضرار، وخسائر لبنان لإعادة ترميمها 200 مليون دولار، وإسرائيل: لا شيء

ـ تلوث الشواطئ اللبنانية والبحر اللبناني بنسبة 40%، وكلفة تنظيفه تعادل 50 مليون دولار، وإسرائيل لا شيء.

ـ أربعة مرافئ بحرية تضررت وأغلقت بحاجة للترميم، وإسرائيل لا شيء.

ـ 61 معملا دمرت بالكامل في لبنان، والخسارة: 610 مليون دولار، ولا معامل اسرائيلية مدمرة.

ـ 23 معملًا تصدعت، وخسارتها 57.5 مليون دولار، ولا معامل إسرائيلية متصدعة.

ـ 3200 محلا تجاريًا لبنانية مدمرة، خسارتها 80 مليون تقريبًا.

ـ تم تدمير 45% من الطرقات في لبنا وإسرائيل لا شيء.

ـ تم إتلاف ما نسبته 70% من الانتاج الزراعي لشهرين فقط، والخسارة تقدر بحوالي 30 مليون. بخلاف عدم الزراعة في لمدة شهرين متواليين وخسارتها تقارب الـ 15 مليون دولار.

ـ خسارة الانتاج الاقتصادي اللبناني بنسبة 100%  أي ما يعادل 132 مليون دولار. واسرائيل: 5,6 %.

ـ كساد موسم السياحة لسنة 2006 وبلغت خسائر لبنان ما يعادل 4.8 مليار .

تم تدمير 1750 سيارة والخسارة الاولية 8.65 مليون دولار، واسرائيل 67 سيارة.

ـ تم تدمير 57 شاحنة لبنانية، والخسارة 2.85 مليون دولار. واسرائيل لا شيء.

ـ تم تدمير 62 مدرية رسمية لبنانية  والخسارة 186 مليون دولار، واسرائيل لا شيء.

ـ خسارة 5 مليارات بسبب وقف الاستثمارات العربية والعالمية في لبنان 100، وفي اسرائيل لا شيء.

وأعلنت مؤسسات أهلية في لبنان بعد الحرب أن مجموع الخسائر اللبنانية الأولية بلغت

15.297,480,000 دولار، فماذا قدم غير النصر للشيطان؟ وهل لبنا يحتاج مثل هذا المدعي ليدافع عنه؟ وأليس مثل هذا يعد عبئًا على لبنان وعلى الأمة العربية؟

والعجيب في الأمر أنه يتردد "أن إسرائيل حكمت على أمين حزب الله في الاختباء في أحد سراديب الضاحية الجنوبية حتى أنه يخشى ان يلقى خطاب أمام مؤيدينه من حزب الله فكل خطاباته تتم من خلال شاشة تلفزيونية" وقطعًا مثل هذه المقولة ليست صحيحة لأن إسرائيل هي التي تحميه، وهو لا يحتمي منها بل من أفعاله السيئة في لبنان والأمتين العربية والإسلامية، ومثل هذه المقولات من باب الدعاية له من قبل حزبه وأتباعه ومن يواليه.

يتبع...

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

لا شيء يهز العالم 20 (إسرائيل)

شوكة في حلوق العرب


بعيدًا عن المقدمات الكلاسيكية في شأن إسرائيل وكيف احتلت فلسطين عبر "وعد بلفور"، والذي لا يخلو من تاريخ في التعليم العربي إلا وهو يُذكر، فإننا سنذهب هنا مباشرة إلى ما تقوم به إسرائيل في المنطقة العربية، والعون الذي تستقبله باستمرار من الغرب،  خصوصًا من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستغل هذه القضية بشكل واضحٍ وفاضحٍ، بل وتقف مع العهر الإسرائيلي في كل صغيرة وكبيرة، ودومًا تسقط "تمثيليات" التهم التي يقوم بها مجلس الأمن أو تقوم به الأمم المتحدة تجاه هذه الدويلة المغتصبة، بل وترعاها ليل نهار، وتسهر على أمنها، لأن أمنها يقوض الأمن العربي ويقلق راحة العرب. ويعي العالم أجمع الذي يخضع الآن للقطبية الأمريكية أن التحرك الأمريكي في المنطقة يقوم كثيرًا على وجود إسرائيل في المنطقة العربية، وأن الكثير من مشاريعها ترى أن من سيحققها لها هم الإسرائيليون، دون إدراك منهم أن هذا الشعب إن تم وفتح المجال له لالتهام أمريكا فإنه سيفعل ذلك، دون تردد، حيث إنهم بحسب وصف رئيسهم الأسبق جورج واشنطن هم "حشرات" ويجب التخلص منهم، ولم يجدوا أفضل من رميهم في حلوق العرب، ولكن طينتهم يعرفها العرب جيدًا ويدركون أنهم عبدة مال، ولهذا لن يقر لهم قرار إلا بالسيطرة على كل ما يمت للمال بصلة، وكأن أمريكا تمهد لهم ذلك دون أن تدرك ما تفعله. ولهذا على العالم أن يراقب سلوك الإسرائيليين وإلا فإنه سيصحو على كارثة تصيبه من حيث لا يدرك، وحديثي هنا ليس من باب العاطفة بل من باب أن أوروبا لو راجعت ملفهم ستجد أن سبب حروبها السابقة، والتي خلفت دمارًا كبيرًا في الأرواح والممتلكات، كان ثلاثة أرباعها بسبب اليهود. وكان لهم دور في تغيير أوروبا المحافظة، وانحرافها إلى الدمار الأخلاقي، وهي الآن تفعل في العالم بيد أمريكية على هذا الانحراف، وتقوم ثلّة منهم متحكمة في رأس المال الأمريكي بهذا الدور، وبكل أسف العالم يتفرج عليه دون أن يواجهه، معتقدًا أن هذه هي الحرية وأن هذه هي الليبرالية أو الديموقراطية التي يجب أن يسير عليها العالم، ومعروف أن القيم إن سقطت في أي مجتمع فلا شك أنه سيسقط ذلك المجتمع، بشهادة الكثير من الفلاسفة، والكثير من علماء الاجتماع في الغرب نفسه.

 

الغضب

كتبت جريدة صنداي تريبيون الصادرة في دبلن، تحت عنوان " الاستنكار الأخلاقي نفاق محض" قالت الجريدة فيه إن ردود الفعل الغربية تجاه غزو العراق إيران وغزو الولايات المتحدة غرينادا وبنما، وغزو إسرائيل لبنان، و"الظلم الواقع على الفلسطينيين، كل هذا سبب مستمر للغضب الذي له ما يبرره في الشرق الأوسط، وسبب سيؤدي إلى اضطراب متواصل[1]"ربما تشومسكي عندما يضع هذا الاستشهاد هنا إنما يريد أن يذكر أن أسباب كل الدمار الذي تعيشه المنطقة العربية هو وعد بلفور، والرمي بإسرائيل في حلوق العرب من أجل التخلص من الشعبين العبري والعربي، فهي الطريقة الأسلم للغرب، والتي من خلالها سيحقق مبتغاه. ويذكر بأن الغضب المستمر هو من السياسة التي تتبعها أمريكا تجاه إسرائيل والوقوف إلى جوارها في كل صغيرة وكبيرة، وهي حقيقة ثابتة يعيها الغرب قبل العرب أنفسهم.

ويعي العرب أن الهدف الأساس من وجود إسرائيل في المنطقة العربية كي تكون شوكة في حلوقهم حيث: "أوصى مجلس الأمن القومي الأمريكي بأن من الممكن أن تكون إسرائيل عائقًا في وجه القومية العربية، وتضع بذلك أسسًا لأحد عناصر منظومة السيطرة على الشرق الأوسط (وهو العنصر المسمى "الأمن" أو "الاستقرار[2])". وهذه الورقة هي التي تعبث بالوطن العربي، وهي التي تعيق التقدم العربي، وتسعى إلى زعزعة استقراره، وتعمل بكل ما أوتيت من أفكار وسلاح تستمدهما من الغرب وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية على ألا يكون هناك أمنًا عربيًا، وأن تكون الفوضى مستمرة في هذه المنطقة من أجل الوصول إلى الغايات التي تريدها إسرائيل من جهة، والتي يريدها الغرب من جهة أخرى. وإنه لمن الحكمة أن يسعى العرب إلى تهميش هذه القضية، مع استمرارية المطالبة بحق الشعب الفلسطيني، وعدم التراجع عن هذا الأمر، ولكن بعيدًا عن الانسياق وراء العاطفة، ورمي التهم ضد بعضهم بعضا، وأنهم يخونون القضية الفلسطينية لأن في هذا شتات للعرب، وهو ما يريده الغرب. عليهم أن يرسموا خطًّا طويل الأجل لتحقيق أهداف تخدم القضية الفلسطينية، وذلك عن طريق جامعة الدول العربية، بشرط أن تكون هذه الجامعة فاعلة في هذا السياق على الأقل، وأن تكون الكلمة لديها، بعد وضع الخطة المناسبة للتصدي للمشروع الإسرائيلي بل المشروع الغربي في المنطقة القائم على إسرائيل بالتحديد.

لم تتوقف إسرائيل عند هذا فسبق وأن غزت لبنان عام 1987 واحتلت القسم الجنوبي منه، وقبلها منذ أوائل السبعينات أخضعت الجنوب اللبناني بهجماتها حيث قتلت الآلاف وشردت مئات الآلاف، وقصفت المناطق المدنية دون رحمة في سبيل اخضاع الجنوب كله لها. وإن غزو إسرائيل للبنان عام 1982م لم يكن له ما يبرره، ولم تجد الصحافة الغربية سوى السكوت عليه، حيث ذهب ضحيته 20 ألف مدني، دون أن يتحدث الدبلوماسيون أو الإعلام الأمريكي أو الغربي بشكل عام عما حدث، وكأنهم يدعمون الجريمة بالصمت وقد" أخفق المعلقون المسؤولون في استذكار غزو إسرائيل لبنان في عام 1982، الذي كان يرمي إلى إقامة حكومة صنيعة في "نظام جديد" يخضع للمصالح الإسرائيلية وإلى إعاقة المبادرات المزعجة كثيرًا التي تطرحها منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تسوية دبلوماسية سليمة ـ كل هذا بُحث بصراحة داخل إسرائيل منذ اللحظات الأولى ولكنه ظل محجوبًا عن الجمهور الأمريكي. وذلك العمل الإسرائيلي العدواني الذي ارتكبته دولة عميلة، مؤهل ليوصف بعمل الخير والإحسان. لذلك استفاد من الدعم الناشط لإدارة ريغان التي دانها الديموقراطيون الأحرار وغيرهم من أقصى اليسار لأنها لم تظهر الحماسة اللازمة لهذه الهجمة البربرية التي خلّفت أكثر من عشرين ألف قتيل جلّهم من المدنيين[3].

" في السابع من أكتوبر عام 1985م اجتمع الرئيس ريجان في واشنطن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز الذي أبلغه إن إسرائيل تستعد للقيام "بخطوات جريئة" في الشرق الأوسط، وأنها ستمد يد "السلام" إلى الأردن" ويضيف: في الواقع، نجد أن وسائل الإعلام الأمريكية قد استقبلت بيريز استقبالاً حارًّا باعتباره رجل سلام، واشادت به لالتزامه الصريح" بتحمل تبعات السلام بدلاً ع تكلفة الحرب" على حد تعبيره. وقال الرئيس الأمريكي إنه بحث مع بيريز" بلاء الإرهاب الذي أودى بحياة العديد من الضحايا الإسرائيليين والأمريكيين والعرب، وجلب المآسي على العديد الآخر" كأنه هنا يشير إلى أن سبب البلاء هم الفلسطينيون، وأن الإرهاب جاء من الشعب الفلسطيني، بينما المحتل والمغتصب للأرض جاء إليها ليمد غصن الزيتون، ويزرع الورود في هذه البلد، وهو أكبر مجرم يقوم ليل نهار بقمع الشعب الفلسطيني، ويُخضعه بالسلاح المتطور الذي تمد به أمريكا لإسرائيل، بل إن الهدف هو  أن يستمر خنوع الفلسطينيين ومن ثم العرب للآلة الغربية التي تريد السيطرة بالكامل على المنطقة العربية، سواء بتحقيق رؤية شمعون بيريز التي وضعها في كتابه: إسرائيل الكبرى، أو بإخضاع العالم العربي كله ليكون تحت سيطرة الغرب، وإشغالهم بإسرائيل التي زج بها في وسطهم من أجل أن يستمروا في خلافهم حول هذا الكائن الدخيل عليهم في منطقتهم.

" لقد اتفقنا على أن الإرهاب يجب ألا يعوق جهودنا المبذولة من أجل السلام في الشرق الأوسط". ويعلق تشومسكي هنا" إن الأمر يتطلب موهبة أشبه بموهبة الروائي الإنجليزي القديم جوناثان سويفت لكي نقدر حق القدر هذا الحديث بين إثنين من أبرز قادة الإرهاب في العالم، يشتركان في الاقتناع بمفهوم واحد "للسلام" يستبعد بشكل كامل إحدى الجماعتين المطالبتين بحقهما في تقرير المصير القومي على أرض فلسطين السابقة؛ وهي جماعة السكان الأصلية. إن وادي الأردن هو" جزء لا يتجزأ من إسرائيل" هذا ما صرح به شمعون بيريز، رجل السلام، خلال جولة قام بها في المستوطنات الإسرائيلية هناك عام 1985م، وهو ما يتماشى مع موقفه الثابت القائل بأن:" الماضي غير قابل للتغيير، وأن التوراة هي الوثيقة الفاصلة في تحديد مصير أرضنا؛ وأن إقامة دولة فلسطينية سوف " يهدد مجرد وجود إسرائيل نفسه" إن تصوره للدولة اليهودية، الذي يُمتدح كثيرًا في الولايات المتحدة بسبب اعتداله، لا يهدد وجود الشعب الفلسطيني فحسب، بل ويلغيه تمامًا[4].

" إن أيًّا من بيريز أو ريجان لم يكن مستعدًا حتى للنظر في المقترحات الواضحة التي تقدمت بها منظمة التحرير الفلسطينية والتي تسعى إلى اعتراف متبادل ضمن تسوية على أساس قيام دولتين وفقًا للإجماع الدولي العريض الذي ظلت الولايات المتحدة وإسرائيل تعترضان سبيله في كل منعطف على مدى أعوام عديدة.

إن هذه الحقائق السياسية الحاسمة توفر الإطار الضروري لأي بحث في "شرور وبلاء الإرهاب" وهي عبارة عنصرية من العبارات المستخدمة في الخطاب السياسي الأمريكي، والتي تشير إلى الأعمال الإرهابية التي يقوم بها العرب لا اليهود، تمامًا كما أن كلمة "سلام" تعني التسوية التي تحترم حق تقرير المصير القومي لليهود وليس للفلسطينيين.

قال الجنرال شلومو إيليا رئيس وحدة الاتصال التابعة للجيش الإسرائيلي في لبنان إن "السلاح المجدي الوحيد لمكافحة الإرهاب هو الإرهاب، وإن إسرائيل لديها خيارات تتخطى ما استخدمته بالفعل من أجل الحديث باللغة التي يفهمها الإرهابيون!"[5]

يتبع...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] نعوم تشومسكي، إعاقة الديموقراطية، (سابق). ص216

[2]  نفسه ص213

[3]  نفسه ص216

 [4]  الإرهاب الدولي.. الأسطورة والواقع، نعوم تشومسكي، ت: لبنى صبري، سينا للنشر القاهرة، ط1،1990م. ص49

[5]  نفسه ص50

السبت، 1 سبتمبر 2018

موقف الأمم المتحدة في سوريا

لا شيء يهز العالم 19


 

عام 1945 وبينما كان العالم مجتمعًا في سان فرانسسكو من أجل إعلان سيطرة الدول الخمس العظمى على القرار العالمي، وبينما كانت فرنسا تدافع عن حقوقها اللغوية في المؤتمر فإنها في نفس الوقت كانت تسعى إلى تأكيد حقوقها الاستعمارية في سوريا، أي أن قضية سوريا مع الخمسة الكبار، ومع مجلس الأمن كانت من أول يوم نشأ فيه المجلس، وكان من الواضح أنه لا يبدي اهتمامًا نحوها.

والأمم المتحدة في هذه القضية أصدرت في البدء من 2011 حتى 2013م ستة بيانات، و20 قرارًا لمجلس الأمن، واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار الرقم (2043)، والذي صدر يوم السبت 21 أبريل 2012 بإجماع الأعضاء كافة على تخويل الأمين العام للأمم المتحدة بإرسال 300 مراقب عسكري مبدئيًا، على أن يكونوا غير مسلحين لمدة 3 أشهر، لمراقبة وقف إطلاق النار في سورية، والنظر في التزام سائر الأطراف بخطة عنان للسلام. وأنشئت البعثة للمراقبة في سوريا لفترة أولية مدتها 90 يوما، وبدأت البعثة مهامها، لكنها قررت تعليق أنشطتها في 15 يونيو/حزيران من العام ذاته، قبل أن توقف عملها نهائيا بحلول أغسطس/آب 2013. وفي 22 يناير/كانون الثاني 2014، وعقدت في سويسرا مؤتمرات جنيف من 1 حتى 8 وجميعها باءت بالفشل أو أريد لها الفشل بمعنى واضح، ومؤتمر جنيف 1 الذي استند إلى هذا البيان، والذي حضره لأول مرة ممثلون عن كل من الحكومة السورية والمعارضة. بينما في آخر مؤتمر وهو جنيف 8 أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ختام مفاوضات "جنيف-8"، مبديًا أسفه لعدم تحقيق تقدم في هذه الجولة، وعدم حصول ما وصفها بـ"مفاوضات حقيقة" بين الطرفين.



وفي العام 2013 حدث تطور جديد في دور الامم المتحدة في سوريا عندما، أصدر مجلس الأمن في 27 سبتمبر/أيلول 2013، القرار الرقم (2118)، الذي طالب بالتخلص من الأسلحة الكيميائية السورية. واستند هذا القرار إلى الاتفاق الأمريكي الروسي الذي تم في جنيف، قبل نحو أسبوعين من ذلك التاريخ. وأعقبه قرار من المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية قضى بوضع إجراءات خاصة لتدمير البرنامج الكيميائي السوري، وفق جدول زمني متفق عليه. وقطعًا إلى تاريخه كل ذلك مجرد "حبر على ورق".

إن موقع سوريا الذي يربط بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، حيث تعد مركز خطوط التبادل والتجارة بين هذه القارات، جعل أمريكا وبعض الدول الغربية تسعى إلى السيطرة عليها من أجل مد خطوط الطاقة من الخليج العربي إلى أوروبا عبرها لكسر حاجة أوروبا للغاز الروسي، وكذلك جعل الأراضي والمرافئ السورية ممرا لاستيراد وتصدير البضائع إلى دول الخليج العربي.

"كما إن تموضع سوريا في شمال فلسطين جعل منها هدفا أساسيا لحركة الصهيونية العالمية، يجب السيطرة عليه من أجل تنفيذ مخططاتها في المنطقة، هذا العامل يعطي سوريا أهمية جيوسياسية كبيرة جدا، ولكن بنفس الوقت يعطي سوريا نقطة قوة رئيسية تفرضها الحسابات الدولية نظرا لحساسية هذا الملف المفرطة والمؤثرة وعدم إمكانية المغامرة فيه.

سوريا غنية جدا بالثروات الطبيعية والبشرية والحضارية، ويعتبر البترول والغاز الطبيعي من أهم الثروات الطبيعية، وتليها الفوسفات ثم الملح الصخري والجص والإسفلت كما توجد بعض الموارد الهامة التي تستخدم كمواد أولية في الصناعة كالمارن والغضار والرمال وكذلك في أعمال البناء كالصخور الكلسية والبازلتية والمنغنيز والرصاص والنحاس واليورانيوم والمعدنية كالكبريت والتالك والحرير الصخري (الاسبستوس).

حضارة سوريا تعود لعشرات آلاف السنين، إلى عصور ما قبل التاريخ، ودمشق أقدم عاصمة مسكونة في التاريخ، وتعاقبت على سوريا أعظم حضارات الشرق التي أغنت البشرية بالعطاءات في شتى المجالات أهمها أقدم أبجدية في التاريخ، ففي أوغاريت وماري وإبلا، تم اكتشاف آلاف الرُقم والمحفوظات الضخمة التي تضمنت الكثير من النصوص التجارية والسياسية والقانونية والميثولوجية، كذلك كانت الحضارة الفينيقية والآرامية مرورا بأفاميا وتدمر وبصرى، وهذه المواقع والآثار تفوق في قيمتها النفط والغاز.

جغرافيًا تتمتع سوريا بتنوع تضاريسها، حيث توجد الجبال والسهول والصحراء والبحر والأنهار، مناخها متوسطي معتدل جميل وشمسها دافئة، وهذا يساعد على التنوع الكبير في الإنتاج الزراعي والحيواني وكذلك صيد الأسماك، والأرقام الحقيقية لهذا الإنتاج الضخم قد تدهش الكثيرين وتفوق بكثير الإحصائيات الرسمية.

ولذلك كانت الهجمة الشريرة على سوريا في عام 2011 من قبل المحور الأطلسي الذي دعم الإرهاب القادم من خارج حدود سوريا سياسيا ولوجستيا وماليا وإعلاميا سراً وعلانية من أجل السيطرة على سوريا ووضعها في طرفه ضمن المعادلة الدولية، ولكنه اصطدم بوحدة الشعب السوري العريق بكل أطيافه الذي قدم مئات الآلاف من أبناءه لتبقى سوريا، والذي دعمه المحور الأوراسي المقاوم للهيمنة الأميركية بقيادة روسيا الاتحادية، وهنا تترسخ المعادلة الدولية في المعنى الجيوسياسي فالمحور الذي ستكون سوريا طرفا فيه سيكون قادر على التأثير في الكثير من المعطيات الدولية الهامة[1]."

 

في تقريرها لعام 2017م  قالت "هيومن رايتس ووتش":

جهود الولايات المتحدة وروسيا، وتدخلهما المتعاظم بسوريا للتوصل إلى تسوية سياسية عام 2016، فشلت إلى حد كبير في تقليص الانتهاكات الفادحة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي باتت سمة النزاع المسلح هناك.

وكشفت عن أنه بلغ عدد القتلى جراء الصراع 470 ألفا حتى فبراير/شباط 2016، وفقا لمنظمة "المركز السوري لبحوث السياسات" البحثية المستقلة. مما أدى إلى تشرد ما يزيد عن 6.1 مليون نازح، و4.8 مليون طالب لجوء، وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية". بحلول منتصف عام 2016، كما أظهر التقرير أن هناك ما يقدر بمليون نسمة يعيشون في المناطق المحاصرة ومحرومون من المساعدات الضرورية للحياة والمساعدات الإنسانية.

واعتُقل أو اختفى أكثر من 117 ألف شخص منذ عام 2011، غالبيتهم العظمى على يد القوات الحكومية، من بينهم 4557 شخصا بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران 2016، وفقا لـ "الشبكة السورية لحقوق الإنسان". يتفشى التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، كما قُتل الآلاف في المعتقلات.[2]

والملاحظة هنا في مثل هذه التقارير أن هذه المنظمات لا تعتمد في تقاريرها على حضورها أو وجودها في قلب الحدث بل تعتمد على ما يبثه الآخرون من الطرفين المتنازعين، سواء من النظام أو من الشعب أو الحركات الشعبية التي تسعى لإسقاط النظام لتعيش حياة حرة وكريمة.

وعلى الرغم من أن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية وأسقط البراميل المحملة بكافة أنواع هذه الأسلحة إلا أن الأمم المتحدة وما يتبعها من منظمات تكتفي بالإشارة إلى ذلك دون أن تسعى إلى تحريك المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات حاسمة في هذا الإطار. واستمرار العبث من قبل القوى العالمية في هذه المنطقة واضح وضوح الشمس بدلالة تكيفها مع باصات نقل ما اخترعوه على أرض الواقع تنظيم "داعش"، والعمل على مساعدته للتنقل في أرجاء سوريا دون مضايقة بل وبحماية دولية، استغربها العالم أجمع.

ومع ما خلصت "آلية التحقيق المشتركة" بين "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" والأمم المتحدة في تقريرها الرابع، الذي صدر هذا العام، إلى أن قوات الحكومة السورية استخدمت المواد الكيميائية في هجوم في إدلب في مارس/آذار 2015. حدد التحقيق وحدات الجيش المسؤولة عن رحلات جوية مرتبطة بالهجمات، ولكن لم يذكر أسماء قادة الوحدات بسبب عدم رد الحكومة السورية على استفسارات حاسمة. وصلت "آلية التحقيق المشتركة" إلى النتيجة ذاتها حول هجومين آخرين عامي 2014 و2015 في تقرير سابق. وجدت اللجنة أيضا في وقت سابق أن داعش استخدم غاز الخردل الكبريتي في هجوم على مناطق تسيطر عليها جماعات معارضة مسلحة في أغسطس/آب 2015.

وهيومن رايتس ووتش عام 2016 قالت إنها وثّقت عدة هجمات على المنازل والمرافق الطبية والأسواق والمدارس بدا أنها استُهدِفت عمدا، بما فيها غارة جوية كبرى للتحالف السوري-الروسي قصفت مستشفى القدس والمناطق المحيطة به في 27 أبريل/نيسان 2016، ما أسفر عن مقتل 58 مدنيا ومريضا. وقعت عدة هجمات على المرافق الصحية في أغسطس/آب وحده، بما فيها في إدلب وحلب وحماة وحمص.

وقالت: "إن قوات الحكومة استخدمت ما لا يقل عن 13 نوعا من الذخائر العنقودية المحرمة دوليا في أكثر من 400 هجمة على مناطق تسيطر عليها المعارضة، في الفترة من يوليو/تموز 2012 وحتى أغسطس/آب 2016، ما أسفر عن مقتل وجرح مدنيين من بينهم أطفال. استخدمت العمليات العسكرية السورية-الروسية المشتركة، التي بدأت في 30 سبتمبر/أيلول 2015، الذخائر العنقودية المحرمة دوليا على نطاق واسع. حظرت معظم الدول الذخائر العنقودية لأن القنابل الصغيرة التي ترميها تنتشر في مساحة واسعة ولا تميز بين المقاتلين والمدنيين، ولأن العديد من الذخائر الصغيرة لا تنفجر وتتحول فعليا إلى ألغام أرضية يمكن أن تنفجر إذا لُمست، حتى بعد سنوات عديدة.

لجأت القوات الحكومية وحلفاؤها بشكل متزايد إلى استخدام الأسلحة الحارقة، مع ما لا يقل عن 18 هجمة موثقة على معاقل للمعارضة في حلب وإدلب بين 5 يونيو/حزيران و10 أغسطس/آب. بثّ تلفزيون "روسيا اليوم" في يونيو/حزيران لقطات لأسلحة حارقة (من نوع آر بي كي-500 زاب-2.5 إس إم) محملة على طائرة هجومية مقاتلة طراز من "سو 34" في قاعدة عسكرية سورية. تحفز الأسلحة الحارقة سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تشعل الحرائق صعبة الإطفاء وتسبب حروقا شديدة الإيلام ويصعب علاجها. صادقت 113 دولة من بينها روسيا (ولكن ليس سوريا) على بروتوكول "اتفاقية الأسلحة التقليدية" الذي يحظر استخدام الأسلحة الحارقة التي تلقى من الجو على مناطق "تجمعات المدنيين".



وبينما تواصل روسيا نفي تورطها في هجمات الأسلحة الحارقة في سوريا، تتجاهل سوريا باستمرار دعوات التوقيع على البروتوكول، كما وُثّق استخدام القوات العسكرية للأسلحة الحارقة منذ نهاية عام 2012.

واصلت القوات الحكومية أيضا استخدام المواد الكيميائية السامة في كثير من الهجمات بالبراميل المتفجرة في انتهاك لـ "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية". ألقت مروحيات الحكومة السورية براميل متفجرة تحتوي موادا كيميائية سامة على أحياء سكنية في معاقل للمعارضة في مدينة حلب في 10 أغسطس/آب و6 سبتمبر/أيلول.

ونسبت لجنة التحقيق الأممية في تقرير أصدرته في 24 أغسطس/آب هجومين بالأسلحة الكيميائية عام 2016 إلى الحكومة السورية، وواحد إلى داعش الذي يخضع بالفعل لعقوبات من الأمم المتحدة".[3]

إن التقرير الذي أوردته هيومن رايتس ووتش، وهو ليس الأول ولا الأخير، دوما يتحاشى ذكر إيران وتأثيرها في هذه الحرب، وتعميق جراح السوريين، بل تأجيج الصراع في سوريا، حيث أنها تعد عاملاً رئيسًا فيها، بالإضافة إلى دخول إسرائيل في السنتين الأخيرتين عيانًا بيانًا إلى جانب إيران وروسيا في تدخلهما السافر في هذه الحرب، ومع ذلك فإن الأمم المتحدة متساهلة في هذا الجانب، بل إنها تعمد إلى عدم ذكر الجانب الإيراني في أي من قراراتها أو من قراءاتها أو تقاريرها الدورية، وهذا يدلل على المنحى الذي تنتهجه الأمم المتحدة تجاه العرب، بحيث أنها تخدم أجندة تسعى إلى هدم الدول العربية، والعمل على دمار المنطقة العربية، دون أن يكون للعدالة أي درب في هذا الصراع.

القيود غير القانونية على المساعدات الإنسانية

وعلى الرغم من الجهود الدولية التي تسعى لمساعدة الشعب المغلوب على أمره إلا إن القوات الحكومية والموالية لها، دومًا تعرقل أي مسار تسير فيه حملات الإغاثة للشعب، وباعتراف صريح قالت الأمم المتحدة: إن الحكومة السورية أزالت العناصر الضرورية للحياة من قوافل المساعدات التي سمحت بدخولها. وأضافت: إنه في شهر فبراير/شباط وحده منعت الحكومة 80 ألف مادة علاجية، من بينها مجموعات علاج الإسهال، واللوازم الصحية في حالات الطوارئ، والمضادات الحيوية وأدوية أخرى، من الدخول إلى المناطق المحاصرة.

 

إن تدهور الأوضاع الإنسانية في المناطق التي تحاصرها القوات الحكومية والقوات الموالية لها بسرعة، اضطر سكان داريا ـمثلاـ في ريف دمشق إلى الجلاء عن المدينة في 25 أغسطس/آب بعد حصار 4 سنوات.

كما قصفت طائرات في 19 سبتمبر/أيلول 2016، قافلة معونات إنسانية تابعة للأمم المتحدة، ومستودع لـ "الهلال الأحمر السوري" في أورم الكبرى بحلب، ما أسفر عن مقتل 20 مدنيا وموظف واحد بينما كانوا يفرغون الشاحنات. كانت معظم المساعدات، بما فيها مواد غذائية وإمدادات طبية، ستوزع على 78 ألف شخص على الأقل، وفقا لبيان "الهلال الأحمر السوري". قالت الأمم المتحدة إن القافلة تلقت التصاريح اللازمة من الحكومة السورية مقدما للعبور من أجزاء حلب التي تسيطر عليها الحكومة إلى أجزاء من حلب الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة لتقديم المساعدات. كل هذا يحدث والعالم يقف متفرجًا ويكتفي بالتنديد الخافت، والأمم المتحدة فقط تدعو الأطراف المتنازعة إلى الحوار، وتكرار الحوار لم يفد من جنيف 1 حتى 8 ومع ذلك هناك إصرار عليه، كمن يقول للعالم نريد إطالة أمد الحرب، ولا نريد الفصل في سوريا في الوقت الراهن، بل ننتظر حتى نصل إلى غايتنا التي نريد والتي لم تتحقق إلى الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]

[2]  راجع موقع المنظمة رابط : https://www.hrw.org/ar/world-report/2017/country-chapters/298280

[3]  نفسه

الجمعة، 25 مايو 2018

لا شيء يهز العالم 9

الأمم المتحدة والعرب


جاء برنامج النقطة الرابعة لتأييد "السلام العالمي"، الذي صنعته أمريكا، وفق أربعة محاور:

  1. التأييد المطلق للأمم المتحدة، فالأمم المتحدة تأتمر بإمرة أمريكا في كل خطواتها، بل إن توجهاتها تساير التوجه الأمريكي خطوة بخطوة، خصوصاً وأنها أُنشئت تحت نظر الغرب، ومن كان يدعمها بقوة في البدء هم الدول الكبرى، ولكننا سنلحظ حالات قليلة تتناقض معها في حالة استخدام روسيا ـ سابقا الاتحاد السوفيتي ـ للفيتو أو الصين.. وتكاد تكون باتفاق بين الطرفين.

  2. كسب الشعوب بالعمل على الإصلاح الاقتصادي، وهي الفكرة الجهنمية التي تسيطر بها الكربورقراطية على مكتسبات الشعوب.

  3. تقوية الأمم التي تعادي الشيوعية. وكانت آنذاك الحرب الباردة مستعرة بين أقوى دولتين، ولهذا فإن العدو الكامن أمام أمريكا هو المد الشيوعي.

  4. تقديم المعونات لتحسين أحوال مختلف البلاد، وهذه المساعدات استغلال فاضح جداً في السياسة الأمريكية، وعبرها تتحكم في الدولة أو تبتزها سواء بإدراك أو بدون إدراك.


وكثيرًا ما نرى التركيز على هذه النقطة لأنها تحمل أبعادًا إنسانية في ظاهرها، بينما أهدافها أو غاياتها هي امتصاص الحقوق في الدول التي تساعدها أمريكا، أو تتدخل الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي في المساعدة، وذلك كي توقع الدولة في الفخ، وتبدأ مساومة الشركات العملاقة عليها من كل حدب وصوب، بعد أن تتم السيطرة على بنوك الدولة المعنية ليبدأ البنك الدولي في عمله تجاهها. وليحقق الرؤية السياسية المرسومة لها من قبل الشركات المسيطرة على العالم[1].

وعندما تأسست منظمة الامم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية فإن حفظ السلم والأمن الدوليين يعدان المشكلة الأهم التي تواجه المجتمع الدولي إلى اليوم، وهو المقصد الرئيسي الذي من اجله انشئت منظمة الأمم المتحدة.  ولأهمية هذا المقصد فإن مؤسسي المنظمة قد ركزوا عليه في الميثاق وخصصوا له الوسائل والإجراءات اللازمة لتحقيقه.

"وكانت خمسة من الدول العربية ضمن مؤسسي الامم المتحدة، وهي: مصر والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا (كلها انضمت فعليا يوم 24 / 10 / 1945) والعراق (21 / 12 / 1945). ومن دول الشرق الأوسط كانت هناك أيضا إيران وتركيا. ثم إن للعرب ثقلاً إضافيًا يتمثل بأن اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست للمنظمة إلى جانب اللغات الإنكليزية والفرنسية والروسية والماندرين الصينية والإسبانية، مع العلم بأن أمينها العام السادس أختير من دولة عربية وهو الدكتور بطرس بطرس غالي الذي تولى المنصب لأربع سنوات بين 1992 و1996. واليوم تضم المنظمة 192 دولة، بينها 22 دولة عربية. وكان للعرب حضور مميز في الوكالات التابعة للأمم المتحدة حيث ترأسها بعضهم مثل الدكتور محمد البرادعي (مصر) والمهندس إدوار صوما (لبنان) وطالب الرفاعي (الأردن)..الخ."

 

القضية الفلسطينية

الإدانات التي يقوم بها مجلس الأمن ضد إسرائيل وما ترتكبه في حق الشعب الفلسطيني لا فائدة منها، طالما أن القرار يتوقف على استخدام الفيتو الأمريكي في كل مرة تتم الإدانة، أي أن أحد أهم أسباب تكوّن مجلس الأمن من خمس دول عظمى، ومن حق استخدام الفيتو يؤتي ثماره الآن، وفي كل آن، لحماية مصلحة الدول الخمس أو دولة منها أو دولة حليفة مثل إسرائيل. ولعل تقسيم فلسطين عام 1947م يعطي الدلالة الواضحة أن المجلس أو الأمم المتحدة لم يخلقا إلا لحماية المصالح الخاصة للدول العظمى. ولا تحمل همًّا تجاه أي قضية إنسانية في أي جزء من الكرة الأرضية، فما بالكم وهذا الجزء هو المنطقة العربية!!

"لقد صدر ما لا يقل عن 131 قرارا متصلا بالنزاع بين فلسطين وإسرائيل صدرت عن مجلس الأمن الدولي ما بين 1967 و1989 فقط. كما أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اسرائيل بإدانات تزيد على كل الإدانات بحق دول العالم الأخرى مجتمعة. وكان للأمم المتحدة دور وحضور فاعل في حروب العرب مع اسرائيل في الاعوام 1948 و1967 و1973 وغزو لبنان عام 1982 بصفة عامة، وغيرها من الاعتداءات والتجاوزات الاسرائيلية المتعددة على لبنان وسوريا ومصر والاردن والعراق. ومن الجدير بالذكر أن للأمم المتحدة وجودا عسكريا في مناطق النزاع العربي الاسرائيلي متمثلا في قوات الفصل الدولية الأندوف على هضبة الجولان في سوريا، وفي جنوب لبنان تنتشر قوات اليونيفيل، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة والدول المجاورة تعمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ناهيك من نشاطات اليونيسيف في مجالات الاهتمامات بالطفولة والأجهزة والوكالات الإقليمية[2]."

(سأتطرق إلى ذلك بشيء من التفصيل عند الحديث عن إسرائيل)

وسنلحظ أن هناك العديد من القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية، وهي من القضايا التي تستخدمها الأمم المتحدة بمطاطية مبالغ فيها، وربما ترى أطراف تؤججها ولكنها تغض الطرف عنهم.. فمثلا: نزاع الصحراء الغربية؛ حيث كان لها دور بارز في التعاطي مع النزاع الحاصل بين المغرب وبين جبهة البوليساريو، وآخرها ما كان من إيران ومن حزب الله حين دعما ودربا هذه الجبهة في فضيحة انكشفت لكل العالم، ولم تتخذ حيالها الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن أي خطوة في هذا الاتجاه بل إن ستيفان دو جاريك، الناطق الرسمي باسم الأمين العام الأمم المتحدة، ردّ، خلال الندوة الصحافية الدورية المنعقدة الاثنين 02 أبريل 2018 بمقر المنظمة بنيويورك، ببرودة تامة على احتجاج المغرب من استمرار عمليات التوغل العسكري في المنطقة العازلة، حيث قال جواباً عن سؤال الصحافة: "نعم لديّ معلومات.. زملاؤنا في بعثة المينورسو لم يلاحظوا أي حركة لأي عناصر مسلحة شمال هذا الإقليم، المينورسو تُواصل مراقبة الوضعية عن كثب".

في نفس الوقت أكدت فيه مصادر إعلامية قريبة من "الجبهة" أن "نحو 14 عنصرا مسلحا تابعين للبوليساريو دخلوا المنطقة على متن أربع سيارات من نوع جيب، فقاموا بنصب خيام وتمركزوا فيها لما يناهز ساعة كاملة قبل أن يغادروا المكان ويسحبوا آلياتهم بعدما نصبوا خيامهم".

كما أظهرت صور لمجموعة شبابية محسوبة على جبهة البوليساريو تدعى "صرخة ضد الجدار" تنظيم وقفة احتجاجية يوم 31 مارس الماضي، رفقة أجانب، نددوا فيها باستمرار هذا الجدار الأمني.

وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قد أعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بسبب اتهامات لها بدعمها وتسليحها جبهة البوليساريو الراغبة بالانفصال، بدعم ومساندة "حزب الله".

بينما ذكر موقع القوات اللبنانية أن تتجاوز علاقة البوليساريو بـ"حزب الله" تقديم الدعم بتحريض من الجزائر. حيث تربطهما أيضا تجارة السلاح والمخدرات وتبييض الأموال. فشبكة “حزب الله” في تبييض الأموال تمتد من أفريقيا (الغرب أساسا) إلى أميركا اللاتينية، وعلاقة البوليساريو بالتنظيمات الجهادية في المنطقة تفيد عمل “حزب الله” كثيرا.[3]

وقال المحلل الأميركي في صحيفة واشنطن اكزامينور، مايكل روين، أن تلك " لم تكن مجرد عملية مارقة. ففي النهاية ما تعرض له المغاربة ليس أول محاولة من إيران لزعزعة استقرار مملكتهم". أي أنه يناقض تحفظات الأمم المتحدة.

ويضيف روبن أن "الواقع يقول إن سلوك إيران يكتسب طابعا أيديولوجيا، ومشكلة إيران مع المغرب هي أيديولوجية، خصوصا وأن المغرب لا ينتمي إلى معسكر دول الغرب الليبرالي فقط، ولكنه يقف أيضا في طليعة القوات المحاربة للإسلام المتطرف”، مضيفا أنه “على الرغم من اختلاف المذاهب بين إيران والمغرب، إلا أن رجال الدين وقادة إيران لا يريدون رؤية هذا الفرق أو حتى الالتزام به".

وهذا الحدث الأخير يوضح بجلاء موقف الأمم المتحدة المائع تجاه هذه القضية المتعلقة بالشأن العربي. ولن أعود كثيرًا بالتاريخ لأستشهد بمواقفها تجاه هذه القضية لأن السلبية هي ديدنها الدائم تجاه القضايا العربية.

بينما الحرب العراقية الإيرانية لعبت فيها الأمم المتحدة دورًا بارزًا، ويأتي التناقض من الموقف الأمريكي وهو العضو الرئيس في الدول الخمس العظمى أو في "نادي النخبة" الذي يحكم العالم، حيث أنه على مرأى ومسمع من مجلس الأمن ومن الأمم المتحدة ظهر بفضيحة " جيت إيران" أيام دونالد ريجان، ومع ذلك لم يكن هناك ما يثير التساؤل لدى المجلس. ولعل توقف الحرب بينهما جاء بعد خطة بديلة ستظهر في حرب الخليج الثانية حين احتل العراق دولة الكويت وكان للأمم المتحدة دور فاعل في التعاطي مع تداعيات غزو الكويت عام 1990. حيث فوضت الأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 وعبر قرار مجلس الأمن 678 – استنادا إلى عدة قرارات سابقة – باستخدام القوة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، فشنت قوات متعددة الجنسيات، أمريكية أوروبية وعربية، ما عرف بعملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت يوم 24 فبراير (شباط) 1991، وتم لها ذلك خلال فترة قصيرة.

في المقابل في حرب الخليج الثالثة وهي الغزو الأمريكي للعراق فإن موقف الامم المتحدة كان ضعيفًا ولم تستطع التصدي للغزو الامريكي البريطاني للعراق الذي تم سنة 2003 خارج نطاق الشرعية الدولية ودون تفويض من الامم المتحدة التي باءت جهودها بالفشل لمنعه يوم 20 مارس (آذار) 2003 تحت ذريعة تخزينه أسلحة دمار شامل ممنوعة، وأسقطت الحكم فيه واحتلت البلاد، وبقيت القوات الأمريكية في العراق حتى اليوم.

أما قضية النزاعات في السودان فجميعنا يعي أن "جوبا" تحتضن تل أبيب، بل إن تل أبيب تحتضن جوبا، والتعاون بينهما على أعلى مستوى، وما يخدم إسرائيل لا بد أن تتبناه الأمم المتحدة أو يتبناه مجلس الأمن، ولهم حضور وأجندة بارزة جدا في الجنوب ودارفور. يقول ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي: "نحن شعب صغير، وإمكانياتنا ومواردنا محدودة، ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في تعاملنا مع أعدائنا من الدول العربية، من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها. وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواؤها".

ولعل كلينتون بإشارة من رامسفيلد عندما دمر "مصنع الشفاء" بحجة أنه يصنع أسلحة دمار شامل، لم تتخذ الأمم المتحدة أي دور بل قد تكون ذات أدوار ومواقف معاكسة؛ فقد اتهمت مصادر في الأمم المتحدة عام 2004 ميليشيات الجنجويد المناصرين لحكم الرئيس عمر حسن البشير بارتكاب مجازر في الإقليم. ثم فرض مجلس الأمن الدولي في مارس من عام 2005 عقوبات على الخرطوم، وكذلك إحالة المتهمين بجرائم حرب إلى محكمة العدل الدولية. الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين الخرطوم والامم المتحدة خصوصا بعد أن رفضت الخرطوم نشر قوات سلام دولية في إقليم دارفور. ثم أصدرت محكمة العدل الدولية عام 2007 أولى مذكرات التوقيف ضد المتهمين بجرائم الحرب، كما أصدر مجلس الأمن قرارا بتشكيل قوة سلام في دارفور. وفي العام التالي 2008 تولت الأمم المتحدة كليا أمر القوات الأفريقية – الدولية اليوناميد في الإقليم، وفي خطوة غير مسبوقة في عام 2009 أصدرت المحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة مذكرة اعتقال بحق البشير. ورعت الامم المتحدة عملية استقلال الجنوب عام 2011، كما أعلنت نهاية حرب دارفور.

"بالإضافة إلى ما سبق كان للأمم المتحدة نشاطات ومهام لافتة أخرى تتعلق بالعرب والشرق الاوسط، منها النزاع الحدودي بين البحرين وقطر الذي حسمته قضائيا وتحكيميًا محكمة العدل الدولية عام 2001، بالإضافة الى قضية تورط ليبيا فيما عرف بقضية لوكيربي أصدر المجلس القرار 1506 بغالبية 13 صوتا وامتناع فرنسا والولايات المتحدة عن التصويت برفع العقوبات المفروضة على ليبيا. وغير ذلك من القضايا. ورغم كل ذلك فقد اتسم تعاطي الأمم المتحدة مع القضايا العربية والشرق أوسطية بغير الموضوعي، حيث انطلق دائما من اعتبارات مصالح الدول الكبرى المسيطرة على سياسة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي منع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من التصرف والقيام بمسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم الدوليين[4]."

يتبع...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الحرب القذرة على العالم، للمؤلف، تحت الطبع.

[2]  عماد علو مقالة في صحيفة الزمان يوم 20 مايو 2014 الرابط: https://www.azzaman.com/?p=72168

[3]  موقع القوات اللبنانية https://www.lebanese-forces.com/2018/05/04/hezbollah-polisario-front/

[4]  عماد علو مقالة في صحيفة الزمان يوم 20 مايو 2014 (سابق).

الجمعة، 18 مايو 2018

ماركيز الكتابة و الترجمة — حيث للكلمة مكان

 
*** المحاور: ما شعورك تجاه استخدامي لآلة التسجيل في الحوار؟ ماركيز: المشكلة أنني في اللحظة التي أدرك فيها أن الحوار سيصبح مسجلا تتغير ردود افعالي، بالنسبة لي اتخذ دائما حالة الدفاع. كصحفي، مازلت أعتقد أننا لم نتعلم بعد كيف نستخدم الة التسجيل. أفضل طريقة لإجراء الحوار في رايي هو أن نخوض محادثة طويلة دون وضع […]

بواسطة ماركيز الكتابة و الترجمة — حيث للكلمة مكان

الثلاثاء، 8 مايو 2018

الصوفية في المملكة العربية السعودية

 

لاشيء يهز العالم (7)

يعد العمل على موضوع الصوفية في المملكة العربية السعودية من أعقد الأعمال، إذ إن الحديث عنهم لم يتم التطرق إليه في السابق، ولم يُكشف عنه عبر المنابر الصحفية أو الإعلامية إلا من قليل ومن بعيد غريب يكاد يغمز أو يلمز دون أن يصرح، وربما يعود السبب في عدم الحديث عنهم أنهم من مكونات السنة، وأنهم كانوا يعملون دون إيذاء أحد، ويعيشون طقوسهم في الخفاء دون تأثير خارج دائرتهم. وربما أن هناك رقابة مكثفة عليهم سابقًا، وقد أشيع أنه في جدة تم مداهمة إحدى الزوايا بعد أن تم الإبلاغ عمن فيها، وأنهم يحرفون الدين ويقومون بطقوس شعوذة وخلافه.

ويُعد الاقتراب من دراسة الصوفية في المملكة من الأمور "الشائكة" حتى عام 2006م تقريبًا، وذلك بسبب أن الانفتاح الإعلامي بدأ تدريجيًا من بداية الألفية الثانية، وكونه اتخذ طابع الانفتاح الكامل منذ ذلك العام، وكانت الصوفية تعد من المسكوت عنه، في الصحف أو الإعلام، وفيما أرى أن السبب يعود إلى عدم التخصص من قبل الإعلاميين، وهو من المواضيع التي لا تثير، أو لا تكوّن جمهورًا لدى الكاتب، بقدر ما كان الصراع مثلًا بين الأصالة والحداثة يجلب الكثير من المتابعين للصحيفة أو للإعلام بشكل عام. وربما لأن هذا المكوّن لم يكن يظهر في العلن وكانت كل أعماله سرية، ويقوم بطقوسه في دور مخصصة أو فيلل لكبارهم، في "البدرومات" المغلقة التي لا تظهر الأصوات. حيث "ظل أتباع الصوفية في المملكة ولزمن قريب جداً يتلقون التهم المختلفة بأنهم "قبوريون" و"بدعيون" و"شركيون"، إلا أن هذه التهم لم تجد دفاعاً قوياً في حينها، بل مارس كثير من الصوفيين الرياضة التي تعلقوا بها وهي الصمت، إلا أنه مع كثرة مؤتمرات وحوارات المذاهب والطوائف في الوطن العربي،  وكثرة وسائل الاتصال، بخلاف الاهتمام الغربي منذ أحداث 11/9 بالصوفية، بدأ الحديث ينشط عن الصوفية في المملكة."

وتتمركز الصوفية في المملكة في مكة والمدينة وجدة والمنطقة الشرقية(الأحساء)، ولا وجود لإحصاءات دقيقة توضح حجم وجود الصوفية في المملكة، ويكاد يكون نشاطهم الديني قليلاً مقارنة بالصوفية في الوطن العربي والعالمي، إلا أن ذلك لم يؤثر في بقائهم ضمن الخريطة الدينية.
الأمانة العلمية تتطلب منكم الإشارة للمدونة عند النقل منها.. ولكم الشكر

الحجاز

" في الحجاز كانت مظاهر التصوف ظاهرة قبل دخول الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إليها. ففي جدة: كانت هناك قبة على القبر المنسوب لحواء، وقبة قبر الشيخ العلوي، القريب من باب مكة، وضريح الشيخ أبو سرير في آخر سوق الندا، وقبر الشيخ أبو حنة، والقبر الشهير المعروف بالمظلوم[1] " كما كانت الزوايا المنسوبة للطرق الصوفية منتشرة في أحياء جدة، ففي محلة المظلوم قرب سوق الجامع زاوية السيد البدري، وكانت تعلق فيها مسبحة كبيرة حجم حباتها كالبيضة، كما كان في حارة المظلوم زاوية أخرى للطريقة القادرية، وفي العيدروس قريبًا من مستشفى جدة الحكومي زاوية العيدروس. ومنها زاوية: الشاذلية بحارة اليمن بناها محمد بن محمد الفاسي الشاذلي، ومنها زاوية السنوسي، ومنها زاوية الأسنوي بحارة اليمن أيضا، وكذا زاوية الميرغني. وكانت الزوايا كثيرة والطرق عديدة، وكانت لهم احتفالات كثيرة.



وفي مكة كانت القباب تعلو أكثر القبور... ومن القبور التي كانت عليها قباب في مقبرة المعلاة آمنة وعبد المطلب وأبو طالب () ويطلق عليها المكيون قبور الهواشم. كما أن على قبر عبد الله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر بنايات تميزها، كما كانت على قبر السيد عبد الرحمن المحجوب بناية، وبجواره مسجد، وعلى قبر الشيخ محمود بمقبرة جرول بناية أو قبة وبجواره مسجد، وكانت تقام لكليهما حفلات خصوصًا الشيخ محمود.

وفي كل ليلة إحدى عشر من كل شهر يخرج الناس إلى قبر خديجة رضي الله عنها بالمعلاة، ويقرؤون القرآن، ويذكرون الله تعالى، وتظهر عليهم البركات والخيرات بسببها.

وكان يعلو قبر آمنة بنت وهب ـ المزعوم ـ بمقبرة الحجون قبة، وفي كل ليلة ثمان من كل شهر يقرأ الناس عند القبر القرآن ويذكرون الله تعالى، وتظهر عليهم البركات.

وكان من مظاهر التصوف في المجتمع المكي الاحتفال بالمولد النبوي، الذي يحضره حاكم الحجاز بأداء صلاة المغرب في الحرم المكي، بعد ذلك يتقدم العلماء والقضاة لتهنئته بالعيد، وقد أُوقدت الشموع من دار الندوة ومجلس الحاكم، بعد ذلك يتوجه العلماء والقضاة والمسؤولون إلى مكان المولد النبوي، فيقف أحد الخطباء ويدعو ويؤمن الجميع على دعائه، ثم يسير الناس إلى مكان المولد وكان مزدانًا من داخله وخارجه بالسرج الوهاجة من الجانبين. وفي بيت المولد تتلى قصة المولد النبوي. وعقب ذلك يزور الحاضرون موضع الولادة واحدًا واحدا ثم يعودون إلى الحرم الشريف لأداء صلاة العشاء، ويجتمعون بعده في رواق الحرم لسماع قصة المولد النبوي وتختم بالدعاء.. ثم يتوجهون نحو الكعبة ويقفون أمام بابها، وكان الشيخ محمد الشيبي واقفًا من داخل بابها فتلا دعاء بليغا.

كما يحتفل أهل مكة بمولد ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند مدفنها بسرف، فينصبون الخيام بتلك الصحراء، ويتفاخرون بكثرة الطعام والشراب. ويحتفل أهل مكة بليلة الإسراء والمعراج. وذكر المستشرق "سنوك" أن الناس في مكة كانوا يحتفلون في أواخر القرن الثالث عشر بذكرى الشيخ (محمود بن إبراهيم الأدهم) وذكرى الشيخ (المهدلي) عند ضريحهما، حيث يوزعون الطعام بجوار الضريحين إضافة إلى إلقاء القصائد.

الأحد، 31 ديسمبر 2017

الصليب الأحمر يتستر على الحوثي!!

العمل الإنساني الذي تقوم به المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في اليمن لا يعجب بعض المنظمات الأممية، وتوخي الحذر في العمل العسكري والتصويب المباشر على الأهداف العسكرية ودقتها، أيضاً لا يناسب هؤلاء ولا يعجبهم، ولن يعجبهم بدلالة أنهم كانوا يقيمون في صنعاء، وهو دليل على إعلان توجههم منذ البداية وأنهم مع الانقلابيين، وليسوا مع الحقيقة ولا الشرعية، فلو أنهم مع الحقيقة لكانوا يتحركون في كامل اليمن، أما أن يستقبلوا تقاريرهم من الحوثي ومن ثم يبثونها على العالم، فهذا هو الميل الواضح.

وكي أدلل بوضوح تام، في عام 2015 تم التفاوض بين لجنة الصليب الأحمر والحوثيين لاستعادة نوران حواس أحد أفراد المنظمة المحتجزين لدى الانقلابيين، وتم ذلك في سرية كاملة دون أن تعلن المنظمة عن ذلك، ومر الموضوع مرور الكرام، دون أثر يذكر، أو دون الإشارة إليه في مداراة للحوثي واضحة تماماً.

وقبل أيام عادت مليشيات الحوثي في التفاوض مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص أحد العاملين التابعين للمنظمة والذي اختطفته المليشيات منذ ما يقارب عاما كاملا وتتحفظ المنظمة عن الإدلاء بأي تصريح أو أية معلومات تشير إلى المختطف. وقطعاً لم يتحدث الصليب الأحمر عن ذلك، لأنه ليس من مصلحة الانقلابيين أن يفتح عليهم باباً من الأبواب التي تسدها، إذ أن اللجنة تعلم مخالفات وانتهاكات الحوثي كبيرة وكثيرة، ولكنها تتعامل معهم برحابة صدر.بل قد لا يستبعد أن مسألة الاختطاف هي مجرد مسرحية بينهما.

بغض النظر عما تفعلة اللجنة في اليمن، فإننا نتساءل: هل بعد هذه الأنباء اتخذت الأمم المتحدة موقفاً من هذا التستر الذي يقوم به أفراد لجنة الصليب؟ وهل حققت في الموضوع؟ نعلم جميعا الإجابة!!

مشكلة المنظمات وعلى رأسها الأمم المتحدة أنها لا تريد لأية حرب أن تكون إنسانية، وأنه يجب على الدول أن تتبع الأساليب الإنسانية فيها مثلما يعمل التحالف العربي، بل يريدون أية حرب أن تكو حرب إبادة مثل البراميل التي يرميها بشار الأسد على شعبه، فهم يقفون يتفرجون دون أن يرتفع لهم صوت، ولن يرتفع لهم صوت طالما عملية إبادة الشعب السوري مستمرة.

نشر هذا المقال في صحيفة اللبلاد

الجمعة، 29 ديسمبر 2017

لا شيء يهز العالم (2)

 

مواجهة الحضارات وتفتيت المنطقة العربية


إن سقوط سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في وحل "الشر" الذي تدعي أنها تحاربه مكشوف للعالم، والعالم برمته يئن من أسلوب المكر والخداع الذي تتبعه أمريكا ضده، وسعيها الحثيث لبقاء الكون تحت سيطرتها كما تعتقد، ولن يأتي ذلك إلا ببقاء شركاتها ومصانعها تدور وتنتج السلاح " ما هو في صالح جنرال موتورز فهو في صالح أمريكا[1]". وأيضاً سعيها نحو إرساء حريتها هي ومعاييرها ومقاييسها من أجل أن يكون العالم مثلها، أو يتجه نحو ما تتجه إليه من انحلال أخلاقي، ومن قيم لا تمت إلى الإنسانية بصلة. فالجهود التي تبذلها أمريكا من أجل أن تتجمع جميع الدول حولها وتخضع لإرادتها هي جهود فاشلة بالتأكيد، لماذا؟ لأن الغرب في قيمه يتدهور ويتراجع بشكل ملحوظ، والعالم من حولها يعيد تكوين ثقافته الخاصة به، ولا يريد الخروج عنها لأنها فلسفة قائمة على معتقدات يصعب الفكاك منها في النهاية.

الخميس، 7 مارس 2013

رحلة البحث عن بترول جنوب السودان (الحلقة الأخيرة)




نائب رئيس جنوب السودان: علاقتنا مع إسرائيل لا تؤثِّر في الأمن العربي فهناك دول عربية على علاقة بها





الدكتور مشار في حديثه للزميلين الغامدي وشاهين






لا مفر لنا من إقامة علاقة ديبلوماسية مع السعودية ويهمنا المستثمر السعودي.
ألوم المسلمين على التفريط في جامعاتهم.
هناك فقدان ثقة بين الشمال والجنوب.
لدينا فتوى تجيز زواج المسيحي من مسلمة.
سنعيد مدرسة قرنق للأوقاف الإسلامية.
ما زلنا نبحث عن خارطة الحدود في بريطانيا.

الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة الأخيرة

بعد المعاناة التي عشناها طوال رحلتنا لجنوب السودان.. والتي كوّنا عبرها انطباعاً للقارئ عن هذه الدولة الوليدة التي تعيش على باطن الأرض، وليس على ظاهرها. فللقائنا مع نائب رئيس الجمهورية الدكتور ريك مشار قصة أخرى من المعاناة، إذ إن الزميل تحدث معه مساء وحدد لنا موعداً الساعة التاسعة صباحاً، وبمجرد دخولنا مكتبه صباح ذلك اليوم فوجئنا بالسكرتيرة التي يبدو أنها تتبع النظام العسكري الصارم، تقول لنا: غير صحيح أن نائب الرئيس كلمكم على الهاتف. وأشارت إلى أحد الجنود بإخراجنا. بل سارت معنا إلى خارج المكتب كي تتأكد أننا خرجنا. وهذا ما أغضبني فعلاً.. وجعلني أسعى إلى تأكيد حجزي للخروج من هذا البلد.

الساعة الخامسة استقبلتنا السكرتيرة بوجه آخر، واستقبلنا الدكتور مشار ببشاشة وقال لي: أنت ضيفنا ولا يمكن أن تذهب وأنت «زعلان».. بالطبع كان يتحدث بالعربية. وأضاف: لقد كنت في عمل من الصباح ويفترض أن أقابلكم صباحاً، ولكن الوفد الكويتي والمصري شغلاني عنكما، ونسيت أن أخبر السكرتيرة بأن هناك موعداً بيننا. فشكرته على ذلك وأخبرته بالمعاناة التي واجهناها من قِبل المسؤولين وما حدث لنا.. وليبدأ الحوار:

  • كيف تنظرون إلى العلاقة المستقبلية بين دولتكم الوليدة وبين المملكة العربية السعودية؟


ـ نحن بعثنا بعثة ديبلوماسية إلى خمس دول عربية خلال هذه الأيام، وهي إلى الآن لم ترجع (الخميس الماضي) والدول هذه هي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات وعمان والكويت. لتأسيس علاقات ديبلوماسية، لأننا نرى أنه كلما كثفنا العلاقات مع هذه الدول سنستفيد منها إما من ناحية الاستثمار، وهذا مهم لنا جداً لأنه يجب علينا أن نستقطب المستثمرين العرب وخاصة من السعودية ودول الخليج الأخرى؛ فدولتنا غنية بموارد طبيعية ولكن نفتقر لرأس المال، وبرأس المال الأجنبي والخبرات الأجنبية يمكن تطوير هذه الدولة.

  • وما نوع الوجود الديبلوماسي الذي تبحثون عنه في السعودية أو في دول الخليج؟


ـ نحن نبحث عن وجود سفير مؤهل في المملكة العربية السعودية، وأتذكر أنني قبل الاستقلال كنت سأزور الرياض بترتيب مع الأمير بندر بن سلطان، ولكن لم تتم بسبب بعض الترتيبات التي لم تكتمل. والآن نفكر في زيارة السعودية لتقوية العلاقة، فهي دولة مهمة بالنسبة لنا. ولا مفر من ذلك، إذ يجب أن تكون لدينا علاقات ديبلوماسية مع السعودية. فلدينا مواطنون مسلمون لابد أن يؤدوا شعائر الحج والعمرة.

  • كم نسبة المسلمين هنا في الجنوب؟


ـ لا أستطيع تحديد النسبة، ولكن في المدن هناك عدد كبير نشاركهم دوماً في أعيادهم وفي رمضان.

  • هل هذه النسبة من المسلمين تشارك في الانتخابات وفي البرلمانات وفي الحكم؟


ـ طبعاً.. فنحن لا نفرق بين من هو مسلم ومن هو مسيحي وغيرهما.. بالنسبة لنا المواطنة هي الأساس لتكوين هذه الدولة. في فترة من الفترات حكم البلد مسلم «عبدالله رصاص» عندما كنا نظاماً إقليمياً. وأيضاً هناك والي ولاية بحر الغزال هو مسلم. وتم انتخابه بشكل مباشر.

  • بعض المساجد حولت إلى كنائس.. فكيف تعللون ذلك؟


ـ يا… هذا غير صحيح.. فمن قبل الاستقلال وبعده قلنا للمسلمين هنا أن يتكفلوا بإدارة حماية ممتلكات المسلمين، إن كان في الأوقاف، أو الزكاة، في برامج الهجرة والعمرة والحج، والتعليم الديني الإسلامي يشتركون مع وزارة التربية والتعليم في وضع مناهج لتدريس الدين الإسلامي في المدارس لكل من هو مسلم. والشيء الذي لم نشرع فيه هو تقنين الأحوال الشخصية، لأنه يجب أن نضع قانوناً لها، ونحن الآن ندرس الأموال التي تأتي من الزكاة، وهو مال عام للمسلمين، فكيف ندير هذه الأموال.. هل عبر المؤسسات دون قانون أو باللوائح؟

  • وماذا عن الأوقاف التي استولت عليها الدولة؟


ـ أعطِني مثلاً؟

  • مدرسة قرنق كانت تابعة لهيئة الإغاثة الإسلامية؟


ـ أخبرك بشيء زمان في عهد عبود الرئيس السابق، وزارة التعليم كانت تحت مسمى وزارة المعارف والأوقاف في عهده، بنوا أربعة معاهد علمية في أعالي النيل وفي كودك وفي ملكات وفي جوبا وفي واو وهو مستوى الوسطى، وبنوا مدرسة أخرى معهد عالٍ، الذي يدور جدل حوله في الوقت الحالي.
ونحن وجهنا كحكومة قومية الولايات بأن هذه مدرسة قرنق جزء من الأوقاف ويجب تسليمها للمجلس الإسلامي وهذه المدرسة ستسلم.

لوم المسلمين



  • ما هو توجه الدولة في التعليم الإسلامي؟


ـ نحن ندرس في مدارسنا مادة الدين المسيحي والإسلامي، وليس لدينا أي إشكالية في ذلك. وأنا ألوم إخواننا المسلمين وأقول لهم أنتم تركتم الجامعة الإسلامية تقفل وجامعة القرآن الكريم التي كانت في ملكات وجو وواو تتقفل.. كان المفروض أن يعملوا سودنة.

  • وما مصير الجامعات الآن؟


ـ انتهت هذه الجامعات. ونقول للمجلس الإسلامي يجب أن تؤسسوا مؤسسة تعليمية إسلامية قوية، لأن المسلم الذي يعرف دينه أفضل من غيره ليبني مثل هذه المؤسسة.

  • الجميع في جنوب السودان يتكلمون العربية، ونشرة الأخبار الرئيسة بالعربية، والمسؤولون وأنتم على رأسهم تخاطبون الشعب بالعربية.. ومع ذلك ليس لها وجود في الدستور.. فلماذا لا تكون على الأقل هي اللغة الثانية؟


ـ كان نص الدستور قبل الاستقلال أن اللغة الرسمية هي الإنجليزية مع وجود لغات أخرى. وأعتقد أن هذا سيتغير لأنه في رأيي أن اللغة العربية مستوطنة في الجنوب، فإذا أردنا مخاطبة شعب علينا مخاطبتهم بالعربية، وفي الشوارع اللغة العامة هي العربية.. وهذا ليس موضوعاً للجدل في صياغة الدستور، والوضع هذا سيتغير.

  • يرى المحللون أن علاقتكم مع إسرائيل قد تضر بالأمن القومي العربي . فما رؤيتكم في هذا؟


ـ نحن نتعامل مع كل من يريد أن يتعامل معنا من ذلك إسرائيل، ولدينا مسيحيون يريدون زيارة الأراضي المقدسة في إسرائيل ويزوروا فلسطين. أكيد لدينا علاقات مع إسرائيل، ولكن موقفنا من فلسطين واضح جداً، وهو أننا نؤيد ممارسة حق تقرير المصير لشعب فلسطين، ونؤيد حل مشكلة الشرق الأوسط في أن تكون هناك دولتان إسرائيل وفلسطين، ونتمنى أن تعترف فلسطين بإسرائيل ليكون هناك استقرار في المنطقة. قطعاً هناك قضايا داخلية لديهم مثل قضايا اللاجئين الفلسطينيين والحدود بينهما ويجب على الدولتين أن تسعيان لإيجاد حل لهذا.
ولا أعتقد أن علاقاتنا مع إسرائيل تضر الأمن القومي العربي.. لأن المصريين لديهم علاقات مع إسرائيل والأردن لديهم علاقات وقطر وربما الكويت وهناك دول أخرى لديها علاقات مع إسرائيل مثل جيراننا أثيوبيا وكينيا ويوغندا.

  • وما هي طبيعة هذه العلاقات؟


ـ علاقتنا قائمة على الاستفادة؛ فإسرائيل لديها خبرات خاصة في مجال الزراعة، وهم متطورون وتكنولوجيتهم في هذا المجال متقدمة، فلابد أن نستفيد منها.

  • قدم المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة وأوروبا وعوداً قبل الاستقلال بدعم جنوب السودان. فهل أوفى بوعوده؟


ـ المجتمع الدولي لم يوفِ بوعوده والتزاماته نحو جنوب السودان، خاصة في الفترة الانتقالية، وأتذكر أنه في مؤتمر أوسلو قرّر أن يدعم في ذلك الوقت جنوب السودان بأربعة بليارات دولار.. ولم يصلنا منهم إلا قليل.

  • وكم وصلكم إلى الآن من هذه المساعدات؟


ـ بالوعود..؟

  • لا. بالواقع.


ـ إذا أخذنا التعاون الثنائي بين جمهورية جنوب السودان مع بعض الدول الغربية ليست أكثر من مليار ونصف دولار.

  • وما الأسباب التي تجعلهم يحجمون عن ذلك؟


ـ في رأيي أن هذه كانت وعوداً فقط ولم تكن بصورة جدية، وكلما كان الأمل موجوداً بوجود دعم فإن الناس ستعمل في الجنوب بحماس أكبر.

  • الرئيس سيلفا كير قابل الرئيس السوداني البشير عدة مرات ولم يتوصلا إلى نتيجة لما يحدث بين البلدين؟


ـ بالنسبة لي يتلخص الأمر بالكامل في فقدان الثقة، فليست هناك ثقة بينهما.. وعلينا أن نتجاوز مرارة الحرب التي ذهبت، وعلينا أن نؤسس علاقات جيدة بين الشمال والجنوب.

  • وأين وصل ملف أبيي؟


ـ نحن الآن في محاولة جادة لتفعيل ملف الأمن، ونسعى لإيجاد حزام أمني بين الدولتين عشرة كم من كل جانب، وإن نجحنا في ذلك أعتقد أن الاتفاقات الأخرى ستسير بشكل طبيعي.

  • هناك حديث أن ملف أبيي سيرفع لمجلس الأمن.. فمتى سيتم ذلك؟


ـ أوصى الاجتماع الأخير للاتحاد الإفريقي بأن الدولتين يجب عليهما إيجاد حل وذكر جدولاً زمنياً.. وأعتقد أن علينا أن نجد حلاً فعلاً. وسبق وأن عملنا إدارة مشتركة لخارطة طريق في أبيي للمجلس التشريعي فيها، وأن يكون بنسب معينة، ولكن الخرطوم الآن بدأت تطمع، تريد أن تكون الإدارة في أبيي بالنصف. وأعتقد أن المعادلة في خارطة أبيي كانت معقولة 60% للجنوب و40% للخرطوم. المشكلة الثانية تكوين مفوضية الاستفتاء، ونؤمن بأن هذه الاتفاقية يرأسها الاتحاد الإفريقي، وكل جانب منه عضوان للاستفتاء.
وإن رفع الملف لمجلس الأمن قد يوجد حلاً، ولكن نحن نريد الوصول لحل قبل مجلس الأمن.. وأرى أن جانب الخرطوم لن يلتزم بقرار مجلس الأمن. وحتى لا يكون هناك جدل لمدة طويلة نحن لو استطعنا أن نتفق مع الخرطوم قبل الأمن سيكون هو الخيار الأفضل.

مشكلة الحدود والخريطة البريطانية



  • الحدود كأنها غير واضحة.. حتى خارطة الحدود البريطانية غير دقيقة أو مفقودة؟


ـ نحن الآن نجهز ملف الحدود ونعتقد أن الخرطوم تفعل نفس الشيء.. وسنبدأ نتفاوض فيها.. فهناك مناطق متنازع عليها. ومن رأينا أن هناك مناطق هي جزء من جنوب السودان ولكن الآن تحت إدارة الخرطوم. مثلاً في ولاية غرب بحر الغزال هناك منطقة «أفياكينجي» و»أوبيردنهاس» هي أصلاً ضمن الحدود الإدارية القديمة وحتى قبلياً هذه المنطقة تابعة للجنوب. ومنطقة «هيقديق» كان فيها نزاع السنة الماضية.. والقبائل الموجودة هناك قبائل جنوبية من الدينكا. وعلى أي حال هناك أخطاء باعتراف من الخرطوم في ترسيم الحدود في فترة ما قبل استقلال السودان ككل من قِبل المستعمر.

  • هل ستكون مهلة الأشهر الستة لحسم الخلافات بين السودان وجنوب السودان هي الأخيرة؟


ـ أتمنى أن تكون كذلك. لكن إن لم نحلها سنضطر إلى أمور أخرى.

  • كيف تصف الأوضاع الأمنية والعسكرية في الوقت الحالي على الحدود بين البلدين؟


ـ الحدود طويلة وهي أطول حدود في إفريقيا، وعلينا أن نطبع الوضع.. ولكن هناك بعض سكون ولكن في أعالي النيل شرق «رنك» فيه توتر الآن.

  • أنت ذهبت إلى لندن.. فهل وجدت خرائط يعتمد عليها في ترسيم الحدود؟


ـ نعم.. أنا طلبت من الحكومة البريطانية في لقائي مع وزير الخارجية بأن هناك خرائط غير موجودة لدينا، وممكن أن الخرطوم لديها، وطلبنا أن يوفروا لنا هذه الخرائط.

  • وهل وجدت هـــذه الخرائط؟


ـ مازلنا نبحث.

  • ما يدور الآن في أذهان المستثمرين هو أنكم دولة حديثة فهل هناك أجندة أو خريطة استثمارية؟


ـ في الصباح قابلت مستثمرين عرباً من قطر ومن مصر واستعرضنا المشاريع للاستثمار من الفندقة إلى السياحة والزراعة والنفط والتعليم والصحة والكهرباء والطيران؛ وكل هذه لدينا خارطة استثمارية لها. وأنا أعتقد أن عدم وجود تمثيل ديبلوماسي وتجاري في دول الخليج جعلهم لا يتحركون في هذه الاتجاه.

  • وماذا عن التسهيلات هنا للمستثمر؟


ـ لدينا قانون استثماري أقوى مما هو لدى جيراننا.

  • ألا ترى أن إغلاق النفط يعد خسارة على جنوب السودان؟


ـ فعلاً هو كذلك، ونريد أن يتدفق النفط، ونريد أن تكون لدينا موارد في جنوب السودان كي تتحرك المشاريع التنموية.

  • كم خسائركم السنوية من عملية الإيقاف؟


ـ بليارات.. خمسة عشر بلياراً.. وقد تزيد.

  • وماذا عن التعايش الديني هنا؟


ـ لا فرق بين مسلم ومسيحي.. بل إن هناك تزاوجاً بينهما.. أي أن هناك مسلمين متزوجين مسيحيات، ومسلمة متزوجة مسيحياً. ونحن بطبيعتنا هكذا وشيوخنا أيضاً عملوا فتوى بذلك.

  • لماذا تعطلت المصالح المشتركة بين الجنوب والشمال إلى الآن؟


ـ الناس هنا مازالوا يتحاربون في أذهانهم.. هناك حرب ذهنية لدى البعض، وعلينا أن نتجاوز ذلك ونرى المصالح المشتركة ونفعّلها بن الدولتين، التجارة مثلاً كان 60% منها يأتي عن طريق الشمال ولكن الآن تبدلت وأصبحت صفراً.
وانتهى الحوار بلقطة يخبرني فيها الدكتور مشار ألا أنسى جهاز تسجيلي. بل طالبني بزيارة أخرى للجنوب بعد انتعاشها.
ليكون خروجنا من جنوب السودان عبر رحلة خاصة عن طريق الوفد القطري الذي أصر فيه الشيخ فيصل آل ثاني بأن نعود معه إلى الخرطوم في اليوم التالي. وهو ما سهل مهمة خروجنا دون تعقيدات، ودون المرور على الجوازات أو غيرها.



الزميل محمد الغامدي يتجول في جوبا على متن دراجة نارية







ولاية بحر الغزال (الشرق)







الدكتور ريك مشار




نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤٥٩) صفحة (٢٠) بتاريخ (٠٧-٠٣-٢٠١٣)















الأحد، 3 مارس 2013

رحلة البحث عن بترول جنوب السودان (الحلقة الثانية)


تبشيرٌ في جوبا عبر مكبِّرات الصوت.. وتصاريح «الإعلام» عديمة الجدوى





تجمع لجنوبيين أثناء عرض طلباتهم على رئيس برلمان ولاية الاستوائية الوسطى






بضائع سعودية في الأسواق والمطاعم.
الإرساليات المسيحية دخلـت الجنــوب عام 1848م.
الظلام لم يمنع الجنوبيين من أحاديث السياسة.

الحلقة الأولى
الحلقة الثانية
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة الأخيرة

بدأت رحلة «الشرق» إلى دولة جنوب السودان بمعاناةٍ لازمت مراسليها منذ أن وصلوا إلى مقر سفارة جوبا في الخرطوم، ثم استمرت المصاعب في مطار العاصمة الجنوبية مروراً بالبحث عن فندق ومحاولة التقاء المسؤولين الرسميين.
ذهبت «الشرق» إلى جوبا لرصد تفاصيل دولة ناشئة تبحث عن فرص الاستثمار والظهور عبر وسائل الإعلام كما يقول وزير الإعلام في حكومتها برنابا بنجامين.
وخلال هذه الرحلة اختلطت الجوانب الإنسانية والاجتماعية بما هو سياسي وما هو اقتصادي، كما لم يكن البُعد التاريخي غائباً، تحدثت «الشرق» إلى مسؤولين في الحكومة وإلى مواطنين، وتعرفت على حجم المشكلات والتحديات التي تواجه هذه الدولة، وحاولت استشراف مستقبلها القريب.

قبل أن أصل إلى جنوب السودان، علمتُ أن تقريراً صدر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية يدعو دولة الجنوب الوليدة إلى المسارعة بحماية الصحفيين وحرية التعبير فيها، ويوجِّه انتقادات شديدة لحكومة جوبا.
ورأى التقرير أن على حكومة دولة الجنوب القيام بالتحقيق ومقاضاة من يقومون بالاعتداء على المتظاهرين والنشطاء والصحفيين، إضافة لتمرير القوانين التي تحمي حرية التعبير.
وقال مدير دائرة إفريقيا في المنظمة دانيال بيكلي، إن السلطات الأمنية تقيد حرية التعبير عن طريق التحرش والاعتقالات والاحتجاز للصحفيين دون أي مسوغ قانوني في عديد من المناسبات.
جاء هذا التقرير في الوقت الذي صُدِمتُ فيه، وأنا أحمل تصريحاً من وزارة الإعلام بالتصوير في أي مكان، لكن أول صورةٍ أردتُ التقاطها في البلد وُوجِهَت باستنكار من الأهالي، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كاد يصل إلى اشتباك بالأيدي فضَّهُ صاحب الفندق الذي أبلغنا بأنه لا يجب التصوير، هنا لا أحد يريد الصور، لا يحبون المصورين، يرى السكان أنهم يستغلون الأهالي لبث صور مسيئة لهم فقط، أما الجانب الإيجابي، فبحسب المصور جابريال وينق، لا يتم نقله عنهم، ليست الإشكالية في التصوير، أستطيع التصوير بقلمي ما لم تستطعه الكاميرا.

نشاط تبشيري


أثناء وجودي في جوبا، كنت أسمع المبشرين بالمسيحية عبر مكبِّرات الصوت وهم يجوبون الشوارع ويدعون الناس، لاحظت أنه في شارع واحد توجد ثلاث كنائس، والناس تنصت بشكل كبير.
عرفتُ هنا أن الإرساليات المسيحية بدأت عملها في الجنوب عام 1848، وواصلت نشاطاتها حتى عام 1899 حيث كثفت جهودها وزادت من عملياتها التبشيرية، بل كُلِّفَت بنشر التعليم بين أبناء وبنات الجنوب، وقدّمت طلائع الإرسالية الكاثوليكية والإرسالية البروتستانتية إعانات مالية بدءاً من عام 1927، ولهذا السبب فإن نسبة المسيحيين مرتفعة جداً في هذه الدولة، فيما نسبة المسلمين قليلة، وحسب الإحصاءات الرسمية فإن المسلمين يعادلون 19% من نسبة السكان البالغ عددهم تقريباً ثمانية ملايين نسمة.
يوم الجمعة الذي قابلنا فيه وزير الإعلام، بحثنا عن مسجد في جوبا فوجدنا واحداً وسط أحد الأحياء التي تنتشر فيها العمارة الأوغندية، وهو عبارة عن بناء صغير المساحة، بينما الكنائس تنتشر بشكل واضح للعيان وفي شوارع كبيرة.
اتجهت بعدها إلى ساحة الحرية التي أخرجت فيها الكاميرا كي أبدأ التصوير فأمسك بي أحد الجنود وقال «ممنوع التصوير»، أظهرت له التصريح من وزارة الإعلام، أمسك به مقلوباً ثم أخرج جواله واتصل بشخص، قال لي انتظر ليأتي ملازم ويقرأ ما في التصريح ويفعل مثل زميله الأول، ثم يقول: «انتظر قليلاً»، يأتي ثالث أعلى رتبةً من سابقيه، يقرأ التصريح ثم يقول: «دعه يصور»، سحبني الجندي من يدي وقال «تعالَ»، نزلنا جهة ضريح الزعيم الجنوبي المعروف جون قرنق، قلت له إنني لا أريد تصوير الضريح، بل أريد تصوير الساحة فقط، قال «تعالَ».
نزلنا جهة القبر والتقينا ملازماً آخر تسلّم التصريح ثم قال «لا، ممنوع التصوير»، فسحبت التصريح من يده وقلت «شكراً لكم على حسن الضيافة»، اتجهت وحدي ناحية مدرسة جون قرنق وبيته الذي انطلق منه، كان مقراً لهيئة الإغاثة الإسلامية، وسيأتيكم الحديث عنه في حوار مع نائب الرئيس.
بدأت التصوير، ولم أعلم من أين ظهر لي شرطي إذ لم يكن هناك سوى الأهالي، اتضح أنه من الشرطة العسكرية، أخذ الكاميرا وقال: «امسح ما صوَّرته»، منحته التصريح، قرأه وضحك، ثم قال: «ممنوع التصوير».

بضائع سعودية


عندما حلَّ يوم السبت وهو عطلة رسمية مع الأحد، تجولنا في العاصمة وأسواقها، وفي استراحتنا بعد المغرب في الشارع المقابل للفندق، وهو شارع الوزارات في حي الثورة، جلستُ في الهواء الطلق لأشرب قهوة «ست الشاي»، هي شابة عشرينية اسمها «دنيا»، أمامها «بسطة» صغيرة عليها أدوات تحضير الشاي والقهوة، ويجاورها «قدر كبير» مملوء بالبيض المسلوق ومثله من «الفلافل» صغيرة الحجم. سألتُ دنيا: «هل لديكم مزرعة دواجن؟» أجابت بلا، قلت: «من أين لكِ كل هذا البيض؟»، قالت: «من يوغندا أو كينيا»، بدت الإجابة غريبة، فهذه البلد حباها الله طقساً ممطراً طيلة عشرة أشهر من السنة، وهي على خط الاستواء وتعدّ منطقة زراعية ذهبية ومع هذا يستوردون البيض من جيرانهم.
في الأسواق التي زرتها والبقالات التي مررت بها، لاحظت أن كثيراً من البضائع السعودية موجودة في جنوب السودان، ألبان وحفاضات أطفال وكثير من المواد الغذائية، وجدت ثلاجات تحمل علامات تجارية سعودية في أكثر من مطعم.
كنت ومعي ثلاثة من الفندق، ليبيان وسوداني شمالي، ثلاثتهم مستثمرون صغار، جميعهم أكدوا أن الاستثمار هنا يحتاج إلى يد تساندك، ولا تستطيع بشكل مباشر أن تكون ظاهراً في الصورة لأن حقوقك ستُسلَب ولابد أن تتعرف على أحد في الحكومة كي يمرر لك الأوراق أو ما تريد، أوضحوا لي أنهم لا يريدون الظهور في الصورة كي لا يؤخذ منهم موقف فتجارتهم متنوعة، هم يتاجرون في كل شيء وخصوصاً المواد الغذائية التي يُدخِلونها عن طريق كمبالا.

أحاديث السياسة والحرب


لم يمنع الظلام الدامس في الأكشاك المنتشرة بطول شوارع العاصمة الأهالي من الجلوس على قارعة الطريق لاحتساء الشاي والقهوة، يتسامرون حتى العاشرة والنصف ليلاً، يخبرني ديمس كويل، وهو مسيحي وأستاذ في الجامعة يجلس يومياً في مقهى «دنيا»، أن هذه الحالة مستمدة من طبيعة السودان الذي اعتاد على السمر حول النار، تحولت هذه العادة إلى ما نراه اليوم، والهدف من كل هذا هو التجانس والتقارب، الكل يعرف الكل، أينما ذهبت في جوبا.
معظم الحديث كان يدور حول الحرب والسياسة ومنطقة أبيي وما يحدث فيها من مواجهات بين الشمال والجنوب، وعن الفقر والمجاعة التي أعلن عنها لويس لوبونق حاكم ولاية شرق الاستوائية، حيث توفي عشرة أشخاص نتيجة المجاعة في المنطقة.
حاكم الولاية كشف، في تصريح صحفي قبل وصولنا بأيام قليلة، أن حكومة جوبا لم تقدم المساعدة حتى الآن، وأن عدد الموتى سيتضاعف إذا لم يتم تدارك الوضع، ودعا منظمات الإغاثة الإنسانية للإسراع في مد يد العون لإنقاذ المواطنين.
بدوره، حذر برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة في بيانٍ له من أن أكثر من مليوني شخص سيتأثرون جراء هذه الأزمة، ومن أن مئات الآلاف من الأطفال سيكونون عرضة للإصابة بسوء التغذية.
ورغم هذه الصعوبات تجد أهل جنوب السودان يركزون في أحاديثهم على تصريحات الحكام والمسؤولين وما سيقدمونه، دون أن يهتز لهم جفن جراء ما يحدث من مجاعة أو أمراض.
أما وسائل الإعلام في الدولة الوليدة فتسلط الضوء على أوضاع البلاد وما آلت إليه وازدياد معدل الفقر، وعدم وجود فرص عمل، وغياب استثمار أجنبي والتركيز فقط على البترول دون النظر إلى أن الأرض غنية بموارد أخرى قد تغني عن البترول كالزراعة والتعدين والسياحة.
وعند زيارتنا لصحيفة «المصير» في ثاني أيام العطلة الأسبوعية، تحدث المسؤولون فيها عن التسويق لجنوب السودان، وكشفوا لنا معاناتهم مع الحكومة ومحاكمتهم مؤخراً على قضية فساد حكومية، وتحدثوا عن كيفية انتشار الفساد في الحكومة، وعن رشاوى لمسؤولين رسميين بلغت قيمتها ثلاثين مليوناً، كانوا يتحدثون إلينا كأننا يجب أن نشاركهم في همّهم.

الاستثمارات:



  • البترول: هو حكاية الاقتصاد كله في جنوب السودان، فكل الآمال منصبة عليه إلى الآن.

  • الزراعة: توجد فرص لمعالجة قصب السكر، ومعالجة مجموعة متنوعة من المنتجات الزراعية الأولية لزيادة قيمتها، بجانب توفير مشاريع ونظم الري، ومنتجات الغابات.

  • الثروة الحيوانية والسمكية: يوجد في جنوب السودان 11 مليون رأس من الماشية وعشرون مليون رأس من الأغنام والماعز، وأكثر من 300 ألف طن متري سنوياً من الأسماك.

  • السياحة: توجد سبع حدائق وطنية و11 محمية تضم أكثر النباتات والأعشاب ندرة في العالم، ما يقود للاستثمار في مجال الفنادق والمطاعم وإقامة المؤتمرات.

  • التعدين: توجد فرص لتعدين الذهب، اليورانيوم، الزئبق.

  • النقل: تحتاج جوبا إلى مستثمرين في البنية التحتية للقطاع، ممثلة في الموانئ الجوية، الطرق، السكك الحديدية، النقل النهري.

  • التعليم: تبرز الحاجة للاستثمار في مجالات التعليم المختلفة خاصة الجامعات الخاصة والمعاهد الفنية.

  • الصحة: وضعت حكومة جنوب السودان أولويات لتشجيع الاستثمار في الصحة بجانب الاستثمار في المستشفيات الخاصة والصيدليات.





طفل في جنوب السودان من منطقة فقيرة




 



جنوبيون تعرضوا للمجاعة




 



طفلة تعمل كبائعة متجولة




 



الثروة الحيوانية من أهم فرص الاستثمار في الجنوب (الشرق)




نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤٥٥) صفحة (٢٣) بتاريخ (٠٣-٠٣-٢٠١٣)