‏إظهار الرسائل ذات التسميات صحافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات صحافة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 12 يونيو 2019

الإعلام بين الـ"ورق" والـ"com"

طُرحت كثيرًا مسألة انتهاء "الصحف الورقية" ونوقشت كثيرًا، على مستوى العالم وليس على مستوى المملكة فقط. وما أعجب له هو أن هذه النقاشات انصبت في إطار واحد فقط، وهو الحديث عن كيفية إنقاذ هذه الصحف، أو ما هو المخرج الذي يجب أن تتخذه كي تنقذ نفسها؟ إن الجانب الذي يجب مناقشته هو هل البديل لهذه الصحافة سيقوم بالدور الذي كانت تقوم به؟ وهل سيخدم المجتمع مثلما فعلت الصحافة الورقية؟ هل سيخدم السياسة مثلما فعل الإعلام التقليدي "البليد الآن"؟!

أجيب في التالي:
إن "الكوم" يمثل إغراء للآخر ويعطي الهيمنة والتأثير على الدوام، ولكن التقنية تقدّم الالتباس بشكل واضح، فمع "التقنية كل شيء يميل إلى البساطة أما مع البشر والمجتمعات فكل شيء يميل إلى التعقيد." (دومينيك وولتون، الإعلام ليس تواصلاً). العقدة الأخطر في التقنية هي "عدم التواصل" وفي نفس الوقت الاتصال والتأثير السريع، لا تنسوا كلمة السريع هنا، وهو تناقض مكشوف تمامًا لنا، والعملية التبادلية هي التي تحقق الرضا لدى التقني كونه يرى الإغراءات أو الهالة التي حوله، ويعتقد أنه يقدّم عملاً إعلاميًّا أو ثقافيًّا أو اقتصاديًّا أو حتى سياسيًّا، بينما هو في الحقيقة يقدم خوارزميات ولكنها سطحية لا ترتقي إلى "الفكر" بل إنها تدور في فلك الدوائر التشعبية المرتبطة بالتقنية، والمحتوى يأتي مترابطًا مع هذا التشعب، ويسعى إلى الإشباع السريع للمتلقي، ليدور في خوارزمية حتى تنتهي وينتهي دورها، ويكون التأثير هنا وقتيًّا كون الرسالة سيتبعها رسالة تُنسينا الرسالة الأولى، وركزُوا جيدًا في هذا، إذ إن الإعلام التقليدي كان يمنحنا فرصة، ويعطينا الوقت كي نتأمل ونتفحص ونحفظ الرسالة، حتى تأتي بعدها رسالة أخرى بعد فترة من الزمن، وهذا ما لا يفعله الـ "com"؛ ولهذا فإن المشكلة تبدو واضحة في أن الحاضر سرعان ما يصبح ماضيًا. ولا يعني أن 5.6 مليار إنسان يستخدمون الانترنت "أن ذلك يفضي إلى التواصل" بقدر ما يعني أننا "نختفي في قلب ما يمكن رؤيته" (زيجموند باومان، الرقابة السائلة)، بحيث أن الإنسان لا يقدّم رسالته بل إنها تختفي بمجرد رؤيتها، وبالتالي فإن التأثير ليس قياسيًّا مثلما نرى، ولكنه زمنيًّا، ويتوقف بمجرد اختفائه، وبمجرد ظهور رسالة أخرى.


كما أن "الكوم" لا تقدم خدمة للتعايش بقدر ما تفصل المجتمع عن بعضه البعض وتجعل عملية التواصل ـ مثلما قلت سابقًا ـ غير موجودة، وهذا ما يفضي إلى خلو المجتمع من الروابط الاجتماعية وانحصاره في الروابط التقنية عبر "الكوم". في هذا النموذج كنت أجلس في المقهى أحدهم يقرأ صحيفة كنت أنتظره حتى ينتهي منها فأقرأها ونبدأ بعدها في النقاش حول ما جاء فيها. الآن أجلس في مقهي يجلس صاحبي إلى جواري يقرأ في جهازه وأنا أقرأ في جهازي وكل واحد منّا لا يدري ماذا قرأ الآخر. قريبان ولكنّا بعيدان عن بعضنا بهذه الأجهزة.
بوضوح تام لا يهمني أن أتواصل مع بعيد من عالم آخر، بقدر ما يهمني أن أتواصل أولاً مع من هو إلى جانبي، وهذا هو الرمز المعياري للمجتمع الواحد، وليس الرمز المعياري للعولمة، لأنني أخدع نفسي إن نصبتها على أن تعيش في مجتمع آخر عبر "الكوم" وتعتقد أنها تعيش حياتها، بينما هي أصلاً منفصمة عن مجتمعها مما يؤدي في النهاية إلى انفصامها حتى عن المجتمعات الأخرى.

نشر في صحيفة الرياض

الجمعة، 1 مارس 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي (2)






(2)



الجمهور يجب أن يُخترع، أو على الأقل يتم تخيّله، وذلك قبل أن يوجَّه الخطاب إليه.. إنه طيف للخيال الاجتماعي (ليبمان)وهو فكرة أو فرضية (شليجل) هو اللاشيء الهائل (كير كجارد).



هكذا نصنع أصنامنا بشكل واضح، ونوظف فكرنا على شيءٍ نعتبره خياليّا، وهذا الخيال نجعله حقيقة؛ فالمجتمع هو اللقطة التي يجب أن تكون تحفةً فنيّة نترقب ظهورها، كي تسير عبر هذه اللوحة التي نرسمها بأيدينا. سنختصرك في فكرة فرضية، ثم نضع تساؤلاتنا حول هذه الفرضية، ومن خلال نتائجها نرسلك إلى ما نريد، ليست المسألة متعلقة بالسياسة أو بالحزبية أولاً بل إنها متعلقة تمامًا بالاقتصاد، وهو الذي يشطح بالسياسة أو بالحزبيةنحو المادية البحتة، دون أن يفكر في الروح التي افتقدها الإنسان، في زمن "الحداثة السائلة"، وهذا ما تسعى إليه الرأسمالية للسيطرة على العالم.



إن التقاء الحدثين في الداخل والخارج، عبر برامج الواقع -كنموذج - ما هو إلا "كورال عشوائي رمزي موجود ليبين مزاج الرأي العام"، ليس من عشوائية في تحرك الآلة، ولكن يجب أن تسير المجتمعات الإنسانية برمتها في عشوائية، وإلا فإننا لن نصل إلى مبتغانا في السيطرة على هذا الآدمي "لقد تبين أن لعبة تحرير الإنسان كانت في واقع الأمر لعبة السيطرة" (المراقبة السائلة، باومان.9) إن تحوير الفن إلى واقع، وإيهام الجمهور أن هذا هو الواق، إنما هي عملية نحو هذه اللعبة ، وهي لعبة السيطرة، ويدلل ذلك على أن الملايين الذين يتابعون هم مثل هؤلاء. وكأن هذا الدرب هو درب نحو الجمهور الساذج!!



إن الجمهور يتعرض الآن لأسوأ أنواع الصور التي تذهب به نحو الاستهلاك فقط، نحو أن يكون متلقيًّا ودون أن يكون فاعلاً في مجتمعه، ودون أن يكون منتجًا، إنه يسير نحو الرمز الذي وُضع أمامه، بحيث تم وضع الرمز في مثل هذه البرامج بعناية تامة، وتم تقنين توجهه على أنه هو الذي يمثل الجمهور العريض، مثله مثل "جو" السابق الذكر، الذي تمت صياغته بحيث يصبح هو صوت الجمهور أمام أوباما. هذه صورة نمطية تستمر باستمرار المسرح، وهكذا هو الغرب!!



يتبع..

الأربعاء، 27 فبراير 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي


(1)

التصورات التي تنتابنا كإعلاميين هي أننا نفهم الجمهور، ونفهم طبيعته وعلاقاته، لأن بعضنا يتخذ الأمور على علاتها، ويعتقد أنه استوعب هذه الكلمة بشكل جيد إلى درجة أنه بات ينظر إليه كمستقبِل للرسائل فقط.. ورغم أن ذلك فيه شيء من الصحة بدلالة أننا كنا نعمل في الصحافة ولا ننظر إلى الجمهور، ولا ننتظر رأيه فيما نود نشره، بل إن عملية التوزيع للصحف هي التي تعكس لنا ما نتجه نحوه. يتصور كاتبا "الإعلام والجمهور" نحن مقابل هم. الجمهور مقابل الساسة، قطعًا هما ينظران إلى الانتخابات الأمريكية.." لكن صورة السيادة الشعبية تكون مرتبطة بصورة مكان خالٍ، لا يمكن شغله.."، أي أن ما يمكن قوله هو أن الجمهور: ليس كيانًا يمكن توصيفه، لكنه فراغ يجب ملؤه!!، وهو تعريف يؤدي إلى الصدمة، لأن المشهد الذي قدماه هو أن "جو" رجل غير معروف، يقف أمام أوباما ويسأله، وهو يمثل الجمهور، والصورة تُظهر أوباما وكأنه  مشهد في شاشة، وهو وسط الجماهير، التي ترى حضوره في قالب إعلامي. وبمثل هذه الصورة يظهر الجمهور " في المجتمع المعاصر، على أنه موجود في كل مكان، لكنه غير مرئي" فإلى أي مدى يمكن تجاهل الجمهور؟ وهل ستتغير أساليب الاتصال.. وتعكس النظريات بحيث يصبح اللامرئي هو المتحكم ؟ كأن "الحداثة السائلة" تريد أن تطغى هنا، وتقلب الموازين.