‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحداثة السائلة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحداثة السائلة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 3 مارس 2019

الجمهور.. الحيّز غير المرئي (3)

(3)


"السعادة صورة والمستقبل صورة أخرى. ثم يصبح الواقع بعد ذلك زائدًا" (الموجز في الإهانة 29) وصناعة صورة السعادة تأتي مشوهةً لأنها قائمة على الاستهلاك فقط، ورغم أن الجماهير ليس لديها ذاكرة فهي تنسى سريعًا، ورغم أنه "ليس لها سمعة تاريخية وسجل سلوكها ـ كما يصفه كولمان وكارين ـ تحكمه سلسلة من الصور السيئة؛ إلا أنها تحاول الخروج من أزماتها متى ما استوطنت فيها. وليس صحيحًا ما ذهب إليه الكاتبان في "الإعلام والجمهور" من أن "الجماهير يتم وصفها بأنها أساس ثابت للوحشية وللطبائع المدمرة والعنيفة" لأنها في الأصل تستقبل الصور التي ترد إليها، أو تمتلك الادعاءات التي تسيّرها، لأنها حالة من الجمعية، ولم تستطع الصورة فصلها عن هذه الحالة إلى الآن، رغم التكثيف الكبير لهذه الصناعة المقننة نحو الاستهلاك. وهم في هذه الحالة يأتون على تعبير جوستاف لوبون " حائز على نوع من التفكير الجماعي، يجعلهم يشعرون، ويفكرون، ويتصرفون بطريقة مختلفة تمامًا عن تلك التي يشعر، ويفكر، ويتصرف بها كل واحد منهم عندما يكون في حالة من العزلة." ,وبالتالي إن كانت الجماهير حالة من الوحشية والعنف، أو تقديس الأشخاص؛ فإن ذلك يأتي حسب الرسالة التي تصله.

إن الجمهور شكل لكيان غير محدد، تُرسل إليه الرسائل التواصلية الموجهة نحو العالمية" (كلايف بارنيت) هنا تحوّل في التعريف، وتحوّل في الرسالة ذاتها. أسلوب التعريف ينزلق نحو "الحداثة السائلة" فأن تتحدث إلى غرباء في الفضاء المفتوح، وتذهب نحو العالمية، فمعنى ذلك لا بد أن تغير خطابك!! "وارنر" يقول "إن أي نداء يوجه للجماهير يجب أن يكون موجهًا إلى غرباء، دون الإشارة إلى شخص معين. "نحن" بتنا غرباء في مفهوم وارنر، مثلنا مثل غيرنا، وهكذا يجب أن تؤخذ الرسالة كي تصل إلى العالمية، وكي نؤكد على أن الرسالة هي التي تسوق الجمهور نحو أهدافها، ولكنه لا تسوقه نحو أهدافه هو، ولا تريد له أن يفكر عند عزلته، ويحرّك عقله!!

إن خطاب الجمهور هو خطاب من المنبر إلى الشارع، حيث توجّه الكلمات إلى كل من يمر في الشارع أكثر من توجيهها إلى نادي النبلاء، الذي يعرف كل واحد منهم الآخر. وإن التفكير في الجمهور كمنتج للدورة الاجتماعية يساعد في مواجهة أفكار الجمهور ككيان موجود مسبقًا، ينتظر أن يتم اكتشافه. إنه يمكننا من التفكير في الجمهور كوجود إعلامي يظهر ويتوقف عن الظهور، ويعيد تشكيل نفسه من جديد، ردًّا على مجموعة متنوعة من الرسائل التي تُوجه إليه. والجمهور عرضة لأن يتلاعب به خطباء الإثارة الجماهيرية، كما أنه غير قادر على التمييز بين الخيال الجماعي، والحقيقة.

ومما سبق نلحظ أن عملية عزل الفرد عن طريق دمجه في الجمع، وهذا محور يحتاج إلى تكنيكٍ عالٍ جدًّا، ويرتبط بكاريزما مرسومة بعناية فائقة من قبل المرسِل، وهو المهم في صناعة الصورة الآن، لأنه سيسهل اصطياده، وسيتم تقييده وفق الرسائل التي تصله، وفي نفس السياق يمكن تسييره وفق "دائرة" صغيرة تملي عليه ما تريد، وفي كلا الحالتين فإن الجمهور هو: العملية المستهدفة من قبل الساسة ومن في حكمهم. وهو بالتالي يجب أن ينصب في أحد الخانات الأربع التالية:

الحشد المتخيّل: يعمل ضوضاء.

الجمهور: متأثر بالدعاية الإعلامية.

المشاهد: داعم للدعاية الإعلامية.

الدعاية الإعلامية: التأثيرات الكامنة.

[caption id="attachment_1987" align="alignnone" width="266"]جمهور الدعاية الإعلامية[/caption]

وتتحدد هنا شخصية الجمهور، في الحشود، ليس بحضوره الجسماني، ولكن بحضوره الجمعي. كأن الحشود والجماهير مجرد ادعاء، عبر العرض الرمزي لهم، أو التمثيل الحاشد. لا شيء يستقطب سوى الحاجة الفردية، لتكوّن حالة رأي عام.

 

الجمهور.. الحيز غير المرئي (2)

الجمهور.. الحيز غير المرئي

الجمعة، 1 مارس 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي (2)






(2)



الجمهور يجب أن يُخترع، أو على الأقل يتم تخيّله، وذلك قبل أن يوجَّه الخطاب إليه.. إنه طيف للخيال الاجتماعي (ليبمان)وهو فكرة أو فرضية (شليجل) هو اللاشيء الهائل (كير كجارد).



هكذا نصنع أصنامنا بشكل واضح، ونوظف فكرنا على شيءٍ نعتبره خياليّا، وهذا الخيال نجعله حقيقة؛ فالمجتمع هو اللقطة التي يجب أن تكون تحفةً فنيّة نترقب ظهورها، كي تسير عبر هذه اللوحة التي نرسمها بأيدينا. سنختصرك في فكرة فرضية، ثم نضع تساؤلاتنا حول هذه الفرضية، ومن خلال نتائجها نرسلك إلى ما نريد، ليست المسألة متعلقة بالسياسة أو بالحزبية أولاً بل إنها متعلقة تمامًا بالاقتصاد، وهو الذي يشطح بالسياسة أو بالحزبيةنحو المادية البحتة، دون أن يفكر في الروح التي افتقدها الإنسان، في زمن "الحداثة السائلة"، وهذا ما تسعى إليه الرأسمالية للسيطرة على العالم.



إن التقاء الحدثين في الداخل والخارج، عبر برامج الواقع -كنموذج - ما هو إلا "كورال عشوائي رمزي موجود ليبين مزاج الرأي العام"، ليس من عشوائية في تحرك الآلة، ولكن يجب أن تسير المجتمعات الإنسانية برمتها في عشوائية، وإلا فإننا لن نصل إلى مبتغانا في السيطرة على هذا الآدمي "لقد تبين أن لعبة تحرير الإنسان كانت في واقع الأمر لعبة السيطرة" (المراقبة السائلة، باومان.9) إن تحوير الفن إلى واقع، وإيهام الجمهور أن هذا هو الواق، إنما هي عملية نحو هذه اللعبة ، وهي لعبة السيطرة، ويدلل ذلك على أن الملايين الذين يتابعون هم مثل هؤلاء. وكأن هذا الدرب هو درب نحو الجمهور الساذج!!



إن الجمهور يتعرض الآن لأسوأ أنواع الصور التي تذهب به نحو الاستهلاك فقط، نحو أن يكون متلقيًّا ودون أن يكون فاعلاً في مجتمعه، ودون أن يكون منتجًا، إنه يسير نحو الرمز الذي وُضع أمامه، بحيث تم وضع الرمز في مثل هذه البرامج بعناية تامة، وتم تقنين توجهه على أنه هو الذي يمثل الجمهور العريض، مثله مثل "جو" السابق الذكر، الذي تمت صياغته بحيث يصبح هو صوت الجمهور أمام أوباما. هذه صورة نمطية تستمر باستمرار المسرح، وهكذا هو الغرب!!



يتبع..

الأربعاء، 27 فبراير 2019

الجمهور.. الحيز غير المرئي


(1)

التصورات التي تنتابنا كإعلاميين هي أننا نفهم الجمهور، ونفهم طبيعته وعلاقاته، لأن بعضنا يتخذ الأمور على علاتها، ويعتقد أنه استوعب هذه الكلمة بشكل جيد إلى درجة أنه بات ينظر إليه كمستقبِل للرسائل فقط.. ورغم أن ذلك فيه شيء من الصحة بدلالة أننا كنا نعمل في الصحافة ولا ننظر إلى الجمهور، ولا ننتظر رأيه فيما نود نشره، بل إن عملية التوزيع للصحف هي التي تعكس لنا ما نتجه نحوه. يتصور كاتبا "الإعلام والجمهور" نحن مقابل هم. الجمهور مقابل الساسة، قطعًا هما ينظران إلى الانتخابات الأمريكية.." لكن صورة السيادة الشعبية تكون مرتبطة بصورة مكان خالٍ، لا يمكن شغله.."، أي أن ما يمكن قوله هو أن الجمهور: ليس كيانًا يمكن توصيفه، لكنه فراغ يجب ملؤه!!، وهو تعريف يؤدي إلى الصدمة، لأن المشهد الذي قدماه هو أن "جو" رجل غير معروف، يقف أمام أوباما ويسأله، وهو يمثل الجمهور، والصورة تُظهر أوباما وكأنه  مشهد في شاشة، وهو وسط الجماهير، التي ترى حضوره في قالب إعلامي. وبمثل هذه الصورة يظهر الجمهور " في المجتمع المعاصر، على أنه موجود في كل مكان، لكنه غير مرئي" فإلى أي مدى يمكن تجاهل الجمهور؟ وهل ستتغير أساليب الاتصال.. وتعكس النظريات بحيث يصبح اللامرئي هو المتحكم ؟ كأن "الحداثة السائلة" تريد أن تطغى هنا، وتقلب الموازين.