‏إظهار الرسائل ذات التسميات اﻻنحراف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اﻻنحراف. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 19 أكتوبر 2017

الانحراف2

العقل


العقل العربي هو عقل نظيف ويستطيع السير على الشوك، وفي درجة الغليان، دون أن يتأثر، ولكن الرتوش التي أصابته جعلت العوالق تغطي على صفائه، شوشت قدراته فحرفته عن الطريق السليم، وجعلته يتحدث إلى الأشباح وهو مأسور إلى الماضي دون أن يدرك أنها انحرافات عن المسار الذي يجب أن يسير فيه. العقل العربي هو ابن بيئته ولا يستطيع أن يستقي أفكاره من بيئة أخرى، ولهذا انحرف عن الصحراء التي يسكنها وتسكنه، وتوجه نحو خطابين، خطاب يوجهه نحو جنات عدن والحور العين، وخطاب آخر يوجهه نحو جنات يراها على وجه الأرض، كل خطاب من هذين الخطابين يسحبه باتجاهه، لم يستطع العيش في المنتصف. إذ إن خطاب جنات عدن يجر معه الماضي، ويجعله هو الأساس في الحياة، لم يأخذ من الماضي ليصلح به الحاضر بل بقي معلقاً في الماضي دون أن يحرك ساكن الحاضر، هذا الاجترار أثر على مستوى الأخلاق فانهزمت أمام الحاضر، وانتكس العقل وأصيب بانحراف وهو يتجه نحو جنات أوروبا وخطاب الحرية الذي تنعم به، متصوراً تساؤلاته التي يطلقها عن حياته الصحراوية أنها وجدت الإجابة لدى الغرب، بينما هو مخدوع مشوه، وأصبح كالغراب لا هو استطاع أن يسير كالحمامة وفقد مشيته الأساسية، فهذا الخطاب ـ الثاني ـ يسحبه أيضاً باتجاهه كي يجعله يعيش في بوتقته ولا يريده أن يعيش في بوتقة التساؤلات المثيرة التي تقوّم حياته، وتجعلها صافية متجهة نحو الصواب.

كلا الخطابين يصوران الحياة على أنها جنة، وهما يوجهان العقل العربي نحو الخضوع لا نحو خلق العالم الذي خُلق من أجله، أو أُوجد من أجله، والمساحة بينهما مجرد كلمات تقال، هذه الكلمات التي يستطيع العقل أن ينتج أفضل منها متى ما تحرر من كلا الخطابين.

الانحراف الحقيقي لدى العقل العربي يبدأ من صناعة المقدس أو من تقديس الأشخاص، بحيث أنه يتجاوز في صناعتهم إلى الخنوع عبر كلمات توحي بأنهم ليسوا بشراً مثله.

ألم تسأل نفسك في العمل وأنت تقدم لرئيسك أسباب الخنوع له، وأنت تصنع منه ما يكبت عقلك ومواهبك؟ ألا تعد هنا منحرفاً؟ ألا تعتبر نفسك تافهاً إذا ما حدثتها وسألتها عما تفعله؟ ألم يخطر ببالك أنك تحجب كل حقوقك تحت ظل هذا الرئيس، الذي سيتبدل يوم غد ويأتي غيره لتصنع معه مثل ما فعلت مع السابق؟ إنك من طبقتك الدنيا تصنع هذا، وتشتكي أن حقوقك مسلوبة، حقوقك سُلِبت من هكذا خنوع، مما تفعله أنت، من انحرافك غير المبرر.

إن أهم لحظة في حياتك هي أن تكون إنساناً، والإنسان يتصف عن بقية مخلوقات الخالق بالعقل، فلماذا تتخلى عن عقلك لتجعل غيرك يسيّره كيفما يريد، وبالطريقة التي تناسب حياته لا حياتك. انتزع هذا القيد من داخلك، واخرج إلى الحياة الحقيقية، فالدرب أمامك مليءٌ بالسعادة، ولن تكون السعادة إطلاقا في الخنوع لعبد مثلك، يأكل ويشرب ويمرض ويموت.

ليس العقل في تتبع أي الخطابين أساير بل في كيفية تعديل هذين الخطابين في داخلي، والسير بالحياة وفق ما هو مطلوب لها. لا تثور على من حولك، بل اجعل الثورة على نفسك وستجد أنك غير منحرف ولا تشعر بقلق الأيام، وأنك تسير مستمتعاً بحياتك، ولا تخضع لمقاييس يضعها البشر.

حرك ساكن الأسئلة وانتزع الروح المكبوتة في داخلك، واخرج بها إلى آفاق الله الواسعة، وتحكم فيها ولا تجعل الآخر هو من يحكمها لأن الآخر لن يوصلك إلى جنات النعيم بل سيوصلك إلى الجحيم. لن تستطيع مسايرة الحياة ما لم يكن عقلك هو من يعمل، أما ما يفعله من حولك وترى أنه المقياس فهذا هو الوهم أو الهالة التي تصنعها حول نفسك، وتضعها في دائرة أسئلتك التي لا تثمر، لماذا؟ لأنها أسئلة ليست في محلها، وهي أسئلة متأثرة بمحيطها الذي تسكنه ويسكنها دون إعمال العقل.

إن الخطاب الأول يجعل أسئلتك كلها ترتهن للماضي، وهذا هو الخطأ الفادح الذي تقع فيه، وأنت تحاور نفسك عن هذا الماضي، لأن الماضي رحل ولا تستطيع تغييره، ولكن الحاضر بين يديك، وتستطيع أن تقومه ليعيش المستقبل بعيداً عن التعقيدات، وبعيداً عن التصورات التي تتخيلها وأنت تركب الخير الخيل ووجهك للخلف. بل بعيدا عن الخطاب القابع في الماضي. والإنسان بطبعه مجبول على الخير، وإن حركت السؤال الصحيح ستجد أنك ربطت بين الماضي والحاضر دون أن يهتز الماضي ودون أن تتأثر بخطاب عقيم يود منك أن تبقى تحت ظله، كي يحكم السيطرة عليك. تأكد أن انحرافك يأتي من أسئلتك، فقننها على الفطرة وستلحظ أنك تسير وفق الناموس ولم تخرج عنه. ولكن إن رهنت نفسك لهذا الخطاب أو ذاك فأعانك الله على حياة لن تستطيع الخروج منها ومن أزماتها، لأنك ستجد أن الشوك أمامك في كل مكان تذهب إليه لأن الخطابين يصنعان لك تشويهاً في العقل، فهذا يجرك إلى جناته والآخر يجرك إلى نعيمه، ولا تدري أيهما على صواب.

نشرت في الملحق الثقافي صحيفة الجزيرة

 

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

اﻻنحراف 1

سأبدأ معكم رحلة هنا، بين فينة وأخرى،أتحدث فيها عن اﻻنحراف.. قد نصل سوية إلى مفهوم يقوم اﻹعوجاج.


1 _ السؤال


 


تخامرني الشكوك أن الشعر فن التزييف، حيث أنه يقدم الفراغ اللامتناهي للقارئ، ويقدم الخيال .الكبير للشاعر. كأنه نوع من الانحراف عن جادة الطريق، أو بالفعل  هو يشبه من يركب خيلا ووجهه للخلف ولا يعلم أين تسير به هذه الخيل. ولكن في النهاية ليس على الإنسان سوى أن يشفي نفسه مما هو فيه في هذه الحياة، وعملية الاستشفاء قد تكون عبر الخيال، وعبر انحراف العقل إلى الشك كي يذهب إلى اليقين. " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال :بلى ولكن ليطمئن قلبي" سورة البقرة آية 260 ليس شرطاً أن تكون صاحب رغبة جامحة كي تتساءل، ومتى ما تساءلت ستصل.


 


 الفرق بين الرغبة والسؤال كالفرق بين أن تحتضن امرأة وأن تكتب قصيدة، فاحتضان المرأة يتطلب تحقُّق الواقع، وكتابة القصيدة يتطلب استحضار الخيال، وهناك فرق بين الواقع والخيال..  عليك أن تمسك الهواء إذن هو أجدى لك، فلا أبسط من تحوير الأشياء أو تحويلها أو إسقاطها على الآخرين، كي تكون منحرفا. الانحراف هو نهاية الأشياء، عليك أن تؤمن بهذا، نعم قد تنحرف عن الحياة وتذهب إلى الموت، ولكن إياك أن تموت وأنت حي لأن هذا لا يعد انحرافاً بل هو ذبول يجعلك تعيش ساكناً، وتتلقى  أشياءك من الآخرين دون أن تقدم ما يشفع لهذه الحياة من تساؤلات. نعم الانحراف هو نهاية الأشياء، فكونك بدأت مشروعاً تجارياً بعد أن كنت هادئاً ساكنا في منزلك ، فهذا يعني أنك انحرفت عن عادة كانت تلازمك، واستغنيت عن حياة الدعة والركون إلى المنزل إلى هذا المشروع الذي سيشغل وقتك، ويبعدك عن تفقد ضوء الغرفة لماذا هو خافت، أو لماذا لا يكون لونه أصفراً أو أبيضاً، لماذا لا أضع شجرة في هذا الركن أو أضع تحفة على الطاولة؟ وكثير من الأسئلة التي كانت تراودك وأنت جالس في منزلك. الآن أسئلتك ستختلف، خرجت عن المسار الذي كنت تعيشه إلى مسار آخر: ما هو العائد الذي سيعود، ماذا لو اشتريت هذا الصنف وتركت الآخر، ماذا لو تعاقدت مع جهة أخرى لأحقق أرباحا أكبر؟ ولا يتوقف الأمر عند نهاية حياة المنزل، بل سيذهب إلى أنك ستلتقي وجوها جديدة، وكلمات جديدة لم تكن تسمعها من عائلتك في المنزل، وسيتغير مفهومك في الحياة، وستبدأ في قياس الأشياء بناء على الخارج، وليس على الداخل الذي كنت تعيش فيه. ومن هنا فإنك انحرفت عن حياة كنت تعيشها لتذهب إلى حياة أخرى تعيشها بملء إرادتك، والأسئلة أيضاً تطاردك في ذات السياق، ولا تنفك عنك في أي لحظة تعيشها سواء مع زملائك أو لوحدك وأنت تتأمل مشروعك الجديد. هو مشروع انتقال من فكر لفكر. لم تلغ حياة المنزل ولكنك انحرفت عن أسئلة هذا المنزل.


ليس كل أهل الأرض شعراء كي يزيفوا لنا الكلمات، فجزء منهم يغتصب حقوقك كي يعيش هو في مستوى معين من الحياة، ولهذا تتملكه الرغبة في القضاء عليك، هم لا يكتبون الشعر لك بل يكتبون خطواتك التي يريدونها، وانحرافك هنا هو خنوعك وخروجك عن الطبيعة التي أرادها لك الله، ولهذا فإن هذه الرغبة تزداد كلما ازددت خنوعاً لهم، وسيوصلون إلى الانحراف النهائي عن الحياة. أرأيت رغبة احتضان المرأة إنها تتكرر من قبلهم باتجاهك، فكلما هجعت كلما ازدادوا شيطنة عبر رغباتهم. وانحرافهم هم يكمن في أنهم لم يسيروا وفق طبيعة الأشياء بل وفق الرغبة الداعية إلى السيطرة عليك.


 


ومنظومة الأخلاق التي يكتب عنها الفلاسفة، والتي يستطيعون إقناعك بها، يؤخذ منها ما يتوافق وتسيير حياتك، بل ربما تسيير أحلامك، فقراءة أسئلتك الضعيفة التي لا ترى إلا ما بين يديها، ولا تنظر إلى طبيعة الكون كاملة، سيستغلونها ويرون أنها نقطة ضعفك، وينقضون عليك، أما ما يتوافق مع طبيعة الحياة الحرة فإنهم يضربون به عرض الحائط، ويتركونه لتحليلاتك، والاستمتاع بما كُتب عن الأخلاق، ويتركون لك مناقشة هذه النظريات والسعي لتطبيقها على المجتمع، بينما هم يسيرون في خطى غير التي تفكر بها أنت. إنهم يبتكرون لك الوهم في طريقك ويجعلونك تصغي له، بل يجعلونك تجادل وتشعر أن هذا هو الصح وهذا هو الخطأ، وأنه يجب فعل هذا وتجنب هذا، دون أن يكون لردة فعلك أي تأثير، فهم ضمنوا أنك دخلت إلى شارع الوهم برغبة منك، ولم تأت هذه الرغبة من أجل الحصول على إجابة لأسئلتك التي تدور حولها، بل أتيت مستسلما لإجاباتهم التي وضعوها لك وأنت تعتقد أنها هي الإجابة الحقيقية، والتي توصل إلى المراد الذي تريده.. وما هو هذا المُراد؟


ابتكر سؤالك ولا تجعل أحداً آخر هو من يبتكر لك، لا تخشى شيئاً عن السؤال الذي ابتكرته لأنك ستجد الإجابة، ليس من كتب المفكرين أو الفلاسفة أو واضعي النظريات أمامك، بل من الحياة ذاتها، الحياة سترسل لك إشاراتها وتقول لك هذا هو جواب سؤالك، فلا تتعطل، ولا تشغل ذهنك بما هو مقرر لك وما هو مقرر عليك، لأنك أنت وحدك صاحب الإرادة الحرة، أنت وحدك صاحب السؤال وصاحب الجواب ولا أحد يستطيع تسييرك.