‏إظهار الرسائل ذات التسميات الانحراف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الانحراف. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 4 مارس 2018

الانحراف 6

الحلم


إن الفكرة الإسلامية في الحلم عبر قصة يوسف ليست في ذات الحلم،
بل في الفعل الذي حدثبعد الحلم، حيث إنه جاء من المستقبل الذي
سيحدث ولم يأت من الماضيكما يرى بعض الفلاسفة،وهو تصور لو
قُرئ بشكل صحيح قد يقدم فتحاً جديداً في الأحلام، فعصارة المخ قد
تقدم إشاراتها المستقبلية من الحلم.

العوامل البصرية وتأتي بعدها السمعية هي التي تعمل عملها في الحلم، أما الحركات والسكنات والماديات المحيطة بك فلا أرى أثراً لها في الحلم، ولا تهمني آراء علماء النفس في هذا الباب، رغم أنها تحمل رؤيتها وتجاربها وبناءها الدراسي، وعدم اهتمامي لا يعني مصادرتها، ولا يعني إهمال هذا الجانب في قراءاتك، بل يعني أن تجربتي بعد أن وصلت إلى هذا العمر تكفيني كي أضع لك تصوري في المسألة كي تعيش تجربتي طوال سنين عديدة، (وتجربتي كما تعلم لا تتوقف على القراءة أو الاحتكاك أو التنقل في إطار العمل واكتساب الخبرات أو الإنصات لمحاضرات دينية أو نفسية أو فلسفية أو آراء كتاب وكاتبات، بل إنها كانت ترسم تصورات الحلم، واختراق الضوء المشع الذي تفتحه العين قبل النوم في أحلام اليقظة، يقظة ما قبل النعاس، إذ إنك ستلمس في الكوات التي أمامك تصوراً خارقاً وخارجاً عن العادة، حيث إن هناك شعاعاً تجده وأنت مغمض العينين يتحول إلى حالة مرسومة أمامك، هذه الحالة تنعكس عليك وأنت مستلق بعد تعب يوم، بل بعد أن استقبل بصرك العديد من الصور وخزنها وبعد أن استقبل سمعك الكلمات وخزنها فتلتئم الصورة في هذا الحلم اليقظ عبر هذا الشعاع وتغفو. لتشعر أن جزءاً من نهارك أو أسبوعك أنه انعكس في حلمك وكون لديك حالة تراها وتسمعها وتشعر بها. من هنا فإن هذه الحالة قد تكون انعكاساً لما وددت عمله، وقد تأتي في إطار الخيال، ولكن هي في نفس الوقت تستمر في بناء العقل وتبقيه يعمل حتى وهو نائم. ولهذا وفيما أرى فإن الطغاة يستخدمون التنويم المغناطيسي كي يجذبوا الأفكار ويصلوا إليها، ممن؟ من طغاة آخرين أو من أناس مسالمين ولكنهم ضد توجهاتهم الطاغية.

إن الفكرة الإسلامية في الحلم عبر قصة يوسف ليست في ذات الحلم، بل في الفعل الذي حدث بعد الحلم، حيث إنه جاء من المستقبل الذي سيحدث ولم يأت من الماضي كما يرى بعض الفلاسفة، وهو تصور لو قُرئ بشكل صحيح قد يقدم فتحاً جديداً في الأحلام، فعصارة المخ قد تقدم إشاراتها المستقبلية من الحلم.

من هنا أشير عليك أن بعض الأحلام تخبرك بما سيأتي، وتستطيع أن تتعرَّف على الإشارة الصحيحة من خلاله وأن تدرك أنها رسالة توجهك نحو ما ستفعل، فلا تتغافل عنها وتبيّن صحيحها من خاطئها، واترك رجع الصدى يبقى مثلما هو لأن الماضي هو بناء على بناء وبتطوري الفكري فإنني أرفع البناء هذا إلى الأعلى، ولا أعود إلى الدور السفلي من أجل أن أعيد البناء لأن القاعدة أصلاً ثابتة، ومتى ما عدت إليها من أجل إعادة بناءها فإنك ستخل بها، وستخرج عن خطها. أرأيت لو بنيت برجاً ووصلت الطابق العشرين، ثم استمررت تفكر في قاعدة هذا البناء ورأيت أن عموداً فيه يختلف عن الآخر أو أن هذه القاعدة يفترض أنها أعرض أو أنها أضيق مما هي عليه.. ما الذي ستفعله؟ ستذهب إلى هدم البناء كله وتعود من جديد. وهذه هي المشكلة الدائمة التي أحدثك عنها في الفكر من حولك.. فكن حذراً في هذا الموضوع بالذات.

إن القاعدة الإسلامية ثابتة وهي قاعدتك التي تسير عليها، الأصل - وسأكرر - ثابت لا يتغير. لكن الحلم تستطيع أن تجعله مفتاحك نحو الحياة إلى الأمام وليس إلى الخلف.

- غداً أو بعد غد يمارس الناس سواءتك التي ينهونك عنها!!

برناردشو

نشرت في المجلة الثقافية بالجزيرة

السبت، 24 فبراير 2018

الانحراف5

الظن


لديك مسألة في غاية الخطورة وعليك أن تتصدى لها، وهي؛ إن تأطير العقل 
يعني حجبك، والرأي الظني الذاتي - كثيراً يحضر في الخطاب الديني - يؤطر
العقل ويرى أنه محدود وعاجز عن إدراك الحقيقية ليست النهائية بل اللامتناهية،
ويزعمون أن العقل هو مدعاة للشكوك والتصورات والتخيلات التي تنقض ما يُراد له.

«إن بعض الظن إثم»، لم يقل كل الظن إثم. وتقول العرب «سوء الظن عصمة، وحسن الظن ورطة»، والقولان لا أصادق عليهما -العصمة والورطة- لأن فيهما تقديم على غيبي، ولا يتأتى لك أن تميل إلى أحدهما إلا بعد أن تسمع أو ترى أو تعاشر أو تخالط إلخ. ولا أحدثك هنا عن مسألة دينية، أو أشرع أمامك باب الشرع؛ بل صميم حديثي عن المجتمع وعن محيطك وبيئتك.

وفي كلا القولين حكمتَ إما بهذا أو ذاك، ولا أخفي الحدس. وأكرر لك هنا لا أتحدث عن مسألة كلامية أريد أن أوضحها لك بل أتحدث عن مسألة سيرك في الحياة ومعاشرتك لمن حولك، واهتمامي بك من هذا الباب لأن المسألة الإنسانية هي الثابتة على مدى التاريخ، فعلى مدى التحولات التي تحدث دومًا الطرف الثابت فيه هو الإنسان، ومن هنا ينصب اهتمامي في كل المسائل التي أطرحها عليك هنا.

الأحد، 18 فبراير 2018

الانحراف 4

النية


التوجه نحو قراءة النوايا فيه غلو كبير، إذ إن الشخص الذي أمامك لا يمكن أن تقرأ أفكاره، إلا عن طريق كلماته، أو أفعاله، فبناء على ما يلقيه من قول، أو ما يفعله من فعل، تستطيع أن تحكم عليه، وهذا البناء لا يأتي لك عبر حكم في داخلك، أي سبق وأن قدمت الحكم عليه، ووضعت لازمة أنه ينوي أن يفعل أو يقول كذا وكذا.

الحكم يأتي بناء على متواليات كلماته ومن ثم تركيبات جُملِه، أي تفاصيل حديثه ومن ثَمّ مجمل حديثه له. أما أن تتجه فوراً إلى أن هذا في حديثه كان يقصد كذا وكذا ـ أيضاً ـ فإن هذا من العيوب التي يقع فيها الناس، وقد يقع فيها العلماء وغيرهم، فالنية ليست مطلبك في مثل هذه الحالة، لك الفعل والقول من هذا أو ذاك، ومن ثم الحكم، وتحليل النية لديه عبر فعله أو قوله.

السبت، 10 فبراير 2018

الانحراف 3

التاريخ


سأخبر هذا العقل شيئا، ألا وهو أن الأسئلة هي هي، لم تتغير منذ بدء التاريخ، فهل تعتقد أنك بانحرافك ستغير منظومة الكون؟ هل ستكون ذلك النزيه الذي يسير بحقبة التاريخ الإنساني نحو أهدافها النبيلة التي تعيش من أجلها؟

لن تنفصل عن التاريخ مهما فعلت، ولكنك ستكون في قلب التاريخ إن فعلت، فهذا الفعل هو الذي سيولد لديك حالة من الرضا والسعادة، وسيُشعرُ من حولك بأنك قمت بفعل لم يقم به إنسان آخر، أو على الأقل لقد شاركت آخرين ما يودون فعله تجاه الخير أو تجاه الحقيقة أو تجاه تفعيل الإنسانية الحقّة في الكون.

إن المطلق ليس لك ولا ينبغي، فالمطلق لا يموت؛ ولهذا عليك أن تفكر على قدر حياتك، وإن تجاوزتها ستلحظ أنك شقي، ولم تصل إلى شيء طوال فترة محاولتك، وسينعكس سعيك إلى السؤال عن أشياء خارجة عن حياتك أو عن إدراكك إلى الشعور بأنك مهزوم.

السؤال هو السؤال منذ البدء، ولكن الإجابة تتغير بتغير الفكر لا بتغير الكون؛ فمتغيرات الكون تسير وفق جدول مرسومٍ لها، لا تستطيع الوصول إليه، ولو سعيت إليه فلن تصل؛ ولهذا فإن فن السؤال يكمن في استطاعتك السير في الطريق الذي يوصلك إلى الحل، ولا ينغلق أمامك، ووقتها ستلحظ أن الإلهام يبدو كضوء يسطع أمامك، ويستطيع أن ينير لك الدرب. ويا لها من لحظة فرح عندما تصل إلى إجابة، وإلى فتح أفق كان منغلقاً عليك، أو كان يأسرك في خيط رفيع جداً، تكاد أن تقطعه ولكنك لا تستطيع، فهو يوثقك ولا يريد منك أن تخرج مما أنت فيه.

الخميس، 19 أكتوبر 2017

الانحراف2

العقل


العقل العربي هو عقل نظيف ويستطيع السير على الشوك، وفي درجة الغليان، دون أن يتأثر، ولكن الرتوش التي أصابته جعلت العوالق تغطي على صفائه، شوشت قدراته فحرفته عن الطريق السليم، وجعلته يتحدث إلى الأشباح وهو مأسور إلى الماضي دون أن يدرك أنها انحرافات عن المسار الذي يجب أن يسير فيه. العقل العربي هو ابن بيئته ولا يستطيع أن يستقي أفكاره من بيئة أخرى، ولهذا انحرف عن الصحراء التي يسكنها وتسكنه، وتوجه نحو خطابين، خطاب يوجهه نحو جنات عدن والحور العين، وخطاب آخر يوجهه نحو جنات يراها على وجه الأرض، كل خطاب من هذين الخطابين يسحبه باتجاهه، لم يستطع العيش في المنتصف. إذ إن خطاب جنات عدن يجر معه الماضي، ويجعله هو الأساس في الحياة، لم يأخذ من الماضي ليصلح به الحاضر بل بقي معلقاً في الماضي دون أن يحرك ساكن الحاضر، هذا الاجترار أثر على مستوى الأخلاق فانهزمت أمام الحاضر، وانتكس العقل وأصيب بانحراف وهو يتجه نحو جنات أوروبا وخطاب الحرية الذي تنعم به، متصوراً تساؤلاته التي يطلقها عن حياته الصحراوية أنها وجدت الإجابة لدى الغرب، بينما هو مخدوع مشوه، وأصبح كالغراب لا هو استطاع أن يسير كالحمامة وفقد مشيته الأساسية، فهذا الخطاب ـ الثاني ـ يسحبه أيضاً باتجاهه كي يجعله يعيش في بوتقته ولا يريده أن يعيش في بوتقة التساؤلات المثيرة التي تقوّم حياته، وتجعلها صافية متجهة نحو الصواب.

كلا الخطابين يصوران الحياة على أنها جنة، وهما يوجهان العقل العربي نحو الخضوع لا نحو خلق العالم الذي خُلق من أجله، أو أُوجد من أجله، والمساحة بينهما مجرد كلمات تقال، هذه الكلمات التي يستطيع العقل أن ينتج أفضل منها متى ما تحرر من كلا الخطابين.

الانحراف الحقيقي لدى العقل العربي يبدأ من صناعة المقدس أو من تقديس الأشخاص، بحيث أنه يتجاوز في صناعتهم إلى الخنوع عبر كلمات توحي بأنهم ليسوا بشراً مثله.

ألم تسأل نفسك في العمل وأنت تقدم لرئيسك أسباب الخنوع له، وأنت تصنع منه ما يكبت عقلك ومواهبك؟ ألا تعد هنا منحرفاً؟ ألا تعتبر نفسك تافهاً إذا ما حدثتها وسألتها عما تفعله؟ ألم يخطر ببالك أنك تحجب كل حقوقك تحت ظل هذا الرئيس، الذي سيتبدل يوم غد ويأتي غيره لتصنع معه مثل ما فعلت مع السابق؟ إنك من طبقتك الدنيا تصنع هذا، وتشتكي أن حقوقك مسلوبة، حقوقك سُلِبت من هكذا خنوع، مما تفعله أنت، من انحرافك غير المبرر.

إن أهم لحظة في حياتك هي أن تكون إنساناً، والإنسان يتصف عن بقية مخلوقات الخالق بالعقل، فلماذا تتخلى عن عقلك لتجعل غيرك يسيّره كيفما يريد، وبالطريقة التي تناسب حياته لا حياتك. انتزع هذا القيد من داخلك، واخرج إلى الحياة الحقيقية، فالدرب أمامك مليءٌ بالسعادة، ولن تكون السعادة إطلاقا في الخنوع لعبد مثلك، يأكل ويشرب ويمرض ويموت.

ليس العقل في تتبع أي الخطابين أساير بل في كيفية تعديل هذين الخطابين في داخلي، والسير بالحياة وفق ما هو مطلوب لها. لا تثور على من حولك، بل اجعل الثورة على نفسك وستجد أنك غير منحرف ولا تشعر بقلق الأيام، وأنك تسير مستمتعاً بحياتك، ولا تخضع لمقاييس يضعها البشر.

حرك ساكن الأسئلة وانتزع الروح المكبوتة في داخلك، واخرج بها إلى آفاق الله الواسعة، وتحكم فيها ولا تجعل الآخر هو من يحكمها لأن الآخر لن يوصلك إلى جنات النعيم بل سيوصلك إلى الجحيم. لن تستطيع مسايرة الحياة ما لم يكن عقلك هو من يعمل، أما ما يفعله من حولك وترى أنه المقياس فهذا هو الوهم أو الهالة التي تصنعها حول نفسك، وتضعها في دائرة أسئلتك التي لا تثمر، لماذا؟ لأنها أسئلة ليست في محلها، وهي أسئلة متأثرة بمحيطها الذي تسكنه ويسكنها دون إعمال العقل.

إن الخطاب الأول يجعل أسئلتك كلها ترتهن للماضي، وهذا هو الخطأ الفادح الذي تقع فيه، وأنت تحاور نفسك عن هذا الماضي، لأن الماضي رحل ولا تستطيع تغييره، ولكن الحاضر بين يديك، وتستطيع أن تقومه ليعيش المستقبل بعيداً عن التعقيدات، وبعيداً عن التصورات التي تتخيلها وأنت تركب الخير الخيل ووجهك للخلف. بل بعيدا عن الخطاب القابع في الماضي. والإنسان بطبعه مجبول على الخير، وإن حركت السؤال الصحيح ستجد أنك ربطت بين الماضي والحاضر دون أن يهتز الماضي ودون أن تتأثر بخطاب عقيم يود منك أن تبقى تحت ظله، كي يحكم السيطرة عليك. تأكد أن انحرافك يأتي من أسئلتك، فقننها على الفطرة وستلحظ أنك تسير وفق الناموس ولم تخرج عنه. ولكن إن رهنت نفسك لهذا الخطاب أو ذاك فأعانك الله على حياة لن تستطيع الخروج منها ومن أزماتها، لأنك ستجد أن الشوك أمامك في كل مكان تذهب إليه لأن الخطابين يصنعان لك تشويهاً في العقل، فهذا يجرك إلى جناته والآخر يجرك إلى نعيمه، ولا تدري أيهما على صواب.

نشرت في الملحق الثقافي صحيفة الجزيرة

 

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

اﻻنحراف 1

سأبدأ معكم رحلة هنا، بين فينة وأخرى،أتحدث فيها عن اﻻنحراف.. قد نصل سوية إلى مفهوم يقوم اﻹعوجاج.


1 _ السؤال


 


تخامرني الشكوك أن الشعر فن التزييف، حيث أنه يقدم الفراغ اللامتناهي للقارئ، ويقدم الخيال .الكبير للشاعر. كأنه نوع من الانحراف عن جادة الطريق، أو بالفعل  هو يشبه من يركب خيلا ووجهه للخلف ولا يعلم أين تسير به هذه الخيل. ولكن في النهاية ليس على الإنسان سوى أن يشفي نفسه مما هو فيه في هذه الحياة، وعملية الاستشفاء قد تكون عبر الخيال، وعبر انحراف العقل إلى الشك كي يذهب إلى اليقين. " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال :بلى ولكن ليطمئن قلبي" سورة البقرة آية 260 ليس شرطاً أن تكون صاحب رغبة جامحة كي تتساءل، ومتى ما تساءلت ستصل.


 


 الفرق بين الرغبة والسؤال كالفرق بين أن تحتضن امرأة وأن تكتب قصيدة، فاحتضان المرأة يتطلب تحقُّق الواقع، وكتابة القصيدة يتطلب استحضار الخيال، وهناك فرق بين الواقع والخيال..  عليك أن تمسك الهواء إذن هو أجدى لك، فلا أبسط من تحوير الأشياء أو تحويلها أو إسقاطها على الآخرين، كي تكون منحرفا. الانحراف هو نهاية الأشياء، عليك أن تؤمن بهذا، نعم قد تنحرف عن الحياة وتذهب إلى الموت، ولكن إياك أن تموت وأنت حي لأن هذا لا يعد انحرافاً بل هو ذبول يجعلك تعيش ساكناً، وتتلقى  أشياءك من الآخرين دون أن تقدم ما يشفع لهذه الحياة من تساؤلات. نعم الانحراف هو نهاية الأشياء، فكونك بدأت مشروعاً تجارياً بعد أن كنت هادئاً ساكنا في منزلك ، فهذا يعني أنك انحرفت عن عادة كانت تلازمك، واستغنيت عن حياة الدعة والركون إلى المنزل إلى هذا المشروع الذي سيشغل وقتك، ويبعدك عن تفقد ضوء الغرفة لماذا هو خافت، أو لماذا لا يكون لونه أصفراً أو أبيضاً، لماذا لا أضع شجرة في هذا الركن أو أضع تحفة على الطاولة؟ وكثير من الأسئلة التي كانت تراودك وأنت جالس في منزلك. الآن أسئلتك ستختلف، خرجت عن المسار الذي كنت تعيشه إلى مسار آخر: ما هو العائد الذي سيعود، ماذا لو اشتريت هذا الصنف وتركت الآخر، ماذا لو تعاقدت مع جهة أخرى لأحقق أرباحا أكبر؟ ولا يتوقف الأمر عند نهاية حياة المنزل، بل سيذهب إلى أنك ستلتقي وجوها جديدة، وكلمات جديدة لم تكن تسمعها من عائلتك في المنزل، وسيتغير مفهومك في الحياة، وستبدأ في قياس الأشياء بناء على الخارج، وليس على الداخل الذي كنت تعيش فيه. ومن هنا فإنك انحرفت عن حياة كنت تعيشها لتذهب إلى حياة أخرى تعيشها بملء إرادتك، والأسئلة أيضاً تطاردك في ذات السياق، ولا تنفك عنك في أي لحظة تعيشها سواء مع زملائك أو لوحدك وأنت تتأمل مشروعك الجديد. هو مشروع انتقال من فكر لفكر. لم تلغ حياة المنزل ولكنك انحرفت عن أسئلة هذا المنزل.


ليس كل أهل الأرض شعراء كي يزيفوا لنا الكلمات، فجزء منهم يغتصب حقوقك كي يعيش هو في مستوى معين من الحياة، ولهذا تتملكه الرغبة في القضاء عليك، هم لا يكتبون الشعر لك بل يكتبون خطواتك التي يريدونها، وانحرافك هنا هو خنوعك وخروجك عن الطبيعة التي أرادها لك الله، ولهذا فإن هذه الرغبة تزداد كلما ازددت خنوعاً لهم، وسيوصلون إلى الانحراف النهائي عن الحياة. أرأيت رغبة احتضان المرأة إنها تتكرر من قبلهم باتجاهك، فكلما هجعت كلما ازدادوا شيطنة عبر رغباتهم. وانحرافهم هم يكمن في أنهم لم يسيروا وفق طبيعة الأشياء بل وفق الرغبة الداعية إلى السيطرة عليك.


 


ومنظومة الأخلاق التي يكتب عنها الفلاسفة، والتي يستطيعون إقناعك بها، يؤخذ منها ما يتوافق وتسيير حياتك، بل ربما تسيير أحلامك، فقراءة أسئلتك الضعيفة التي لا ترى إلا ما بين يديها، ولا تنظر إلى طبيعة الكون كاملة، سيستغلونها ويرون أنها نقطة ضعفك، وينقضون عليك، أما ما يتوافق مع طبيعة الحياة الحرة فإنهم يضربون به عرض الحائط، ويتركونه لتحليلاتك، والاستمتاع بما كُتب عن الأخلاق، ويتركون لك مناقشة هذه النظريات والسعي لتطبيقها على المجتمع، بينما هم يسيرون في خطى غير التي تفكر بها أنت. إنهم يبتكرون لك الوهم في طريقك ويجعلونك تصغي له، بل يجعلونك تجادل وتشعر أن هذا هو الصح وهذا هو الخطأ، وأنه يجب فعل هذا وتجنب هذا، دون أن يكون لردة فعلك أي تأثير، فهم ضمنوا أنك دخلت إلى شارع الوهم برغبة منك، ولم تأت هذه الرغبة من أجل الحصول على إجابة لأسئلتك التي تدور حولها، بل أتيت مستسلما لإجاباتهم التي وضعوها لك وأنت تعتقد أنها هي الإجابة الحقيقية، والتي توصل إلى المراد الذي تريده.. وما هو هذا المُراد؟


ابتكر سؤالك ولا تجعل أحداً آخر هو من يبتكر لك، لا تخشى شيئاً عن السؤال الذي ابتكرته لأنك ستجد الإجابة، ليس من كتب المفكرين أو الفلاسفة أو واضعي النظريات أمامك، بل من الحياة ذاتها، الحياة سترسل لك إشاراتها وتقول لك هذا هو جواب سؤالك، فلا تتعطل، ولا تشغل ذهنك بما هو مقرر لك وما هو مقرر عليك، لأنك أنت وحدك صاحب الإرادة الحرة، أنت وحدك صاحب السؤال وصاحب الجواب ولا أحد يستطيع تسييرك.