سأبدأ معكم رحلة هنا، بين فينة وأخرى،أتحدث فيها عن اﻻنحراف.. قد نصل سوية إلى مفهوم يقوم اﻹعوجاج.
1 _ السؤال
تخامرني الشكوك أن الشعر فن التزييف، حيث أنه يقدم الفراغ اللامتناهي للقارئ، ويقدم الخيال .الكبير للشاعر. كأنه نوع من الانحراف عن جادة الطريق، أو بالفعل هو يشبه من يركب خيلا ووجهه للخلف ولا يعلم أين تسير به هذه الخيل. ولكن في النهاية ليس على الإنسان سوى أن يشفي نفسه مما هو فيه في هذه الحياة، وعملية الاستشفاء قد تكون عبر الخيال، وعبر انحراف العقل إلى الشك كي يذهب إلى اليقين. " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال :بلى ولكن ليطمئن قلبي" سورة البقرة آية 260 ليس شرطاً أن تكون صاحب رغبة جامحة كي تتساءل، ومتى ما تساءلت ستصل.
الفرق بين الرغبة والسؤال كالفرق بين أن تحتضن امرأة وأن تكتب قصيدة، فاحتضان المرأة يتطلب تحقُّق الواقع، وكتابة القصيدة يتطلب استحضار الخيال، وهناك فرق بين الواقع والخيال.. عليك أن تمسك الهواء إذن هو أجدى لك، فلا أبسط من تحوير الأشياء أو تحويلها أو إسقاطها على الآخرين، كي تكون منحرفا. الانحراف هو نهاية الأشياء، عليك أن تؤمن بهذا، نعم قد تنحرف عن الحياة وتذهب إلى الموت، ولكن إياك أن تموت وأنت حي لأن هذا لا يعد انحرافاً بل هو ذبول يجعلك تعيش ساكناً، وتتلقى أشياءك من الآخرين دون أن تقدم ما يشفع لهذه الحياة من تساؤلات. نعم الانحراف هو نهاية الأشياء، فكونك بدأت مشروعاً تجارياً بعد أن كنت هادئاً ساكنا في منزلك ، فهذا يعني أنك انحرفت عن عادة كانت تلازمك، واستغنيت عن حياة الدعة والركون إلى المنزل إلى هذا المشروع الذي سيشغل وقتك، ويبعدك عن تفقد ضوء الغرفة لماذا هو خافت، أو لماذا لا يكون لونه أصفراً أو أبيضاً، لماذا لا أضع شجرة في هذا الركن أو أضع تحفة على الطاولة؟ وكثير من الأسئلة التي كانت تراودك وأنت جالس في منزلك. الآن أسئلتك ستختلف، خرجت عن المسار الذي كنت تعيشه إلى مسار آخر: ما هو العائد الذي سيعود، ماذا لو اشتريت هذا الصنف وتركت الآخر، ماذا لو تعاقدت مع جهة أخرى لأحقق أرباحا أكبر؟ ولا يتوقف الأمر عند نهاية حياة المنزل، بل سيذهب إلى أنك ستلتقي وجوها جديدة، وكلمات جديدة لم تكن تسمعها من عائلتك في المنزل، وسيتغير مفهومك في الحياة، وستبدأ في قياس الأشياء بناء على الخارج، وليس على الداخل الذي كنت تعيش فيه. ومن هنا فإنك انحرفت عن حياة كنت تعيشها لتذهب إلى حياة أخرى تعيشها بملء إرادتك، والأسئلة أيضاً تطاردك في ذات السياق، ولا تنفك عنك في أي لحظة تعيشها سواء مع زملائك أو لوحدك وأنت تتأمل مشروعك الجديد. هو مشروع انتقال من فكر لفكر. لم تلغ حياة المنزل ولكنك انحرفت عن أسئلة هذا المنزل.
ليس كل أهل الأرض شعراء كي يزيفوا لنا الكلمات، فجزء منهم يغتصب حقوقك كي يعيش هو في مستوى معين من الحياة، ولهذا تتملكه الرغبة في القضاء عليك، هم لا يكتبون الشعر لك بل يكتبون خطواتك التي يريدونها، وانحرافك هنا هو خنوعك وخروجك عن الطبيعة التي أرادها لك الله، ولهذا فإن هذه الرغبة تزداد كلما ازددت خنوعاً لهم، وسيوصلون إلى الانحراف النهائي عن الحياة. أرأيت رغبة احتضان المرأة إنها تتكرر من قبلهم باتجاهك، فكلما هجعت كلما ازدادوا شيطنة عبر رغباتهم. وانحرافهم هم يكمن في أنهم لم يسيروا وفق طبيعة الأشياء بل وفق الرغبة الداعية إلى السيطرة عليك.
ومنظومة الأخلاق التي يكتب عنها الفلاسفة، والتي يستطيعون إقناعك بها، يؤخذ منها ما يتوافق وتسيير حياتك، بل ربما تسيير أحلامك، فقراءة أسئلتك الضعيفة التي لا ترى إلا ما بين يديها، ولا تنظر إلى طبيعة الكون كاملة، سيستغلونها ويرون أنها نقطة ضعفك، وينقضون عليك، أما ما يتوافق مع طبيعة الحياة الحرة فإنهم يضربون به عرض الحائط، ويتركونه لتحليلاتك، والاستمتاع بما كُتب عن الأخلاق، ويتركون لك مناقشة هذه النظريات والسعي لتطبيقها على المجتمع، بينما هم يسيرون في خطى غير التي تفكر بها أنت. إنهم يبتكرون لك الوهم في طريقك ويجعلونك تصغي له، بل يجعلونك تجادل وتشعر أن هذا هو الصح وهذا هو الخطأ، وأنه يجب فعل هذا وتجنب هذا، دون أن يكون لردة فعلك أي تأثير، فهم ضمنوا أنك دخلت إلى شارع الوهم برغبة منك، ولم تأت هذه الرغبة من أجل الحصول على إجابة لأسئلتك التي تدور حولها، بل أتيت مستسلما لإجاباتهم التي وضعوها لك وأنت تعتقد أنها هي الإجابة الحقيقية، والتي توصل إلى المراد الذي تريده.. وما هو هذا المُراد؟
ابتكر سؤالك ولا تجعل أحداً آخر هو من يبتكر لك، لا تخشى شيئاً عن السؤال الذي ابتكرته لأنك ستجد الإجابة، ليس من كتب المفكرين أو الفلاسفة أو واضعي النظريات أمامك، بل من الحياة ذاتها، الحياة سترسل لك إشاراتها وتقول لك هذا هو جواب سؤالك، فلا تتعطل، ولا تشغل ذهنك بما هو مقرر لك وما هو مقرر عليك، لأنك أنت وحدك صاحب الإرادة الحرة، أنت وحدك صاحب السؤال وصاحب الجواب ولا أحد يستطيع تسييرك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك