نحن نحمي العالم، فمن يحمي العالم منّا؟!
مرتكزات السياسة الأمريكية في تفتيت العالم
أعود بكم إلى مرتكزات السياسة الأمريكية في العالم أجمع، وفي العالم العربي على وجه الخصوص.
المنظمات الأممية:"كانت لدى روزفلت طموحات خيالية. فخلال عشاء في البيت الأبيض في مارس 1943م، اقترح على وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن قيام الدول العظمى بنزع سلاح جميع البلدان الأخرى، ووضع حاميات في مختلف مناطق العالم بغرض النظام، وقال إن القوى الصغرى " يجب ألا تحوز ما هو أخطر من البنادق
[1]"ومن هنا بدأت رحلة مجلس الأمن الذي ضم خمس دول عظمى، هي التي يحق لها التحكم في العالم، والوقوف ضد أي قرار يصدر ضدها.
ومن يقرأ الأحداث بعد قنبلتي أمريكا على اليابان، سيلحظ أن مجلس الأمن لم يدنهما، ولم يتحدث عن ذلك إلى اليوم، كما أن التناقض في قضية فلسطين العربية ظاهر للعيان، وواضح انحياز المجلس فيها لأمريكا وللدول الخمس، ولإسرائيل. بخلاف العديد من القضايا التي تهم الأمة العربية والتي يقف المجلس منها موقفًا سلبيًا ولعل آخر القضايا سنلمسها في سوريا حيث أن عدد القتلى يصل إلى مليون، وعدد المشردين يصل إلى 12 مليون، على الرغم من أن الأمم المتحدة تسعى إلى ألا يكون هناك مهجرين أو لاجئين إلى أوروبا، حفاظًا على ديمغرافيتها، إلا أنها ومجلس الأمن لم يجدا سوى الصمت حيال ما يحدث، والسبب كما نعلم ويعلم العالم أجمع هو خدمة إسرائيل، وخدمة الأهداف التي تسعى إليه الدول العظمى وهي أن يبقى الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي في حالة تشتت وتشرذم واقتتال. ولا نجد من مجلس الأمن نحو هذه القضية ـ أعني السورية ـ سوى "بروباغندا" في حياة الشعوب لا تقدم ولا تؤخر.
ولا يشبه مجلس الأمن أية هيئة أخرى في تاريخ البشرية؛ حيث يضم أعضاؤه الخمسة الدائمون -الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدةـ نحو 30% من عدد سكان العالم، وينتجون أكثر من 40% من الناتج الاقتصادي العالمي. وفيما يخص الشأن العسكري، فإن سيطرة هؤلاء الأعضاء أقوى؛ حيث يحوزون 26 ألف رأس نووي، وهو ما يمثل 99% من الرؤوس النووية الموجودة في العالم، ولديهم جيوش قوامها 5.5 مليون رجل وامرأة. وعندما يتحد المجلس، يصبح بوسع أعضائه شن الحروب وفرض الحصار والإطاحة بالحكومات وفرض العقوبات. ويفعلون كل ذلك باسم المجتمع الدولي، ولا توجد حدود تقريبًا لسلطة هذا الجهاز.
[caption id="attachment_1669" align="alignnone" width="900"]
خمسة يحكمون العالم!![/caption]
ويرى صاحب كتاب "خمسة يحكمون الجميع" أن المجلس استطاع حفظ السلام في أوروبا على مدى خمسين عامًا، دون أن يذكر ما هي مجهودات المجلس في أمريكا اللاتينية أو الجنوبية، وما هي نشاطاته لحفظ السلام في أفريقيا، وآسيا، ومنطقة الشرق الأوسط
[2]!!
العالم في اتجاه واحدولعل الطموحات الاستعمارية ظهرت في حينها، أي أثناء المشاورات لعقد اتفاقيات قيام مجلس الأمن، ومن هم أطرافه، ومن هم زعامته، وتحديد الدول وتقنين المواد واستقطاب الحلفاء في المجلس فوقتها تأتي ردة الفعل في تلك الأعوام من ونستون تشرشل، وذلك بعد اجتماع طهران عام 1943م، حين تراجعت بريطانيا في ميزان القوى، حيث كتب يقول: " جلست هناك والدب الروسي العظيم إلى جانبي وكفاه ممدوتان، وعلى الجانب الآخر الجاموس الأمريكي الكبير، وبين الإثنين جلس الحمار الإنجليزي الصغير المسكين، الذي كان الوحيد.... الذي عرف الطريق إلى المنزل
[3].
وتأتي ردة الفعل من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك (روزفلت) وهو يقول لتشرشل " لقد بدأت فترة جديدة في تاريخ العالم، وعليك التكيف معها" إشارة إلى عدم سيطرة بريطانيا على العالم مثلما كانت سابقًا. ولم يكن تشرشل بالرجل البسيط فهو كان يقرأ مستقبل العالم في حالة وجود منظمة أممية تسيطر عليها أمريكا." وكان تشرشل قلقًا بشأن غريزة الأمريكيين المعادية للاستعمار، لكنه لم يكن واضحًا أن الناخبين البريطانيين يشاركونه القلق. ذلك أن البريطانيين المنهكين لم يهتموا كثيرًا بالحفاظ على ممتلكاتهم في الأصقاع البعيدة.
وبما أن السوفييت لهم تجربة مع عصبة الأمم المتحدة حين طردوا منها، وسموها عصبة اللصوص، فإنهم كانوا قلقين تجاه أي منظمة دولية تأتي من الغرب واعتبروها هي نتاج للرأسمالية الغربية لا غير، ولن تكون مع البلدان الأخرى أو مع أي توجه آخر يوجد في العالم، وهي نظرة عميقة من ستالين في تلك الأيام، ويعلم أن المدى قصر أم طال سيؤدي إلى ما وصلت إليه النتائج اليوم، وهو ظهور القطب الواحد في العالم وهو أمريكا العظمى!
وكان البريطانيون معارضين أكثر من غيرهم للفيتو، وهو ما عاد جزئيًا إلى الاجتماعات المنتظمة التي كان يعقدها الدبلوماسيون البريطانيون مع الدول الأصغر التي شكلت الكومنولث البريطاني. وقد عبرت الدول بوضوح ـ وخاصة نيوزيلندا وكندا ـ عن عدائها لفكرة استئثار الدول العظمى بإدارة العالم من خلال المجلس، ثم حمايتها لنفسها باستخدام الفيتو؛ فقد كان ذلك بمثابة نوع من ازدواجية المعايير المفرطة.
وعندما اجتمع القادة الثلاثة ـ روزفلت وستالين وتشرشل ـ كان مستقبل ألمانيا أول الموضوعات التي نوقشت، وهذا يدلل منذ البدء على بدء أعمالهم في تقسيم العالم، والعمل على مصالحهم وليس مصالح العالم كما يدعي الرئيس الأمريكي "ترومان" عندما قال، بعد وفاة روزفلت بساعات: " إن القوى العظمى عليها مسؤولية خاصة فيما يتعلق بفرض السلام، وأضاف: إن هذه المسؤولية هي خدمة شعوب العالم وليس فرض السيطرة عليها"60. وكان على الحلفاء تحديد كيفية تقسيم هذا البلد وحكمه، وطالبت بريطانيا بمنح فرنسا منطقة تحتلها وتديرها في ألمانيا. وتنازل ستالين عن هذه النقطة، كما قبل دخول الحرب ضد اليابان. وتوصل القادة إلى حل وسط ـ سمي صيغة يالطا ـ سمح للأعضاء الدائمين باستخدام الفيتو ضد القرارات الخاصة بالقضايا " الموضوعية" وليس الإجرائية. وحدثت تنازلات من قبل السوفيت وقبلوا بثلاثة مقاعد بدلا عن 16 أوكرانيا وروسيا ا لبيضاء والاتحاد السوفيتي، وثلاثة مقاعد لأمريكا. وفي يوم استضافة أمريكا لمؤتمر يعلن فيه عن الاتفاق وعن هذا الانجاز العظيم الذي سيظهر به العالم تحت مظلة خمس دول عظمى، وبينما كان روزفلت يعد مسودة خطابة سقط وتوفي. وأكمل ترومان مهمته.
وحضر المؤتمر آنذاك 45 دولة، 19 من الأمريكيتين والكاريبي، وسبع من آسيا والشرق الوسط، وعشر من أوروبا.. وكانت معظم أفريقيا لا تزال مستعمرة. ورغم اعتراضات معظم الدول الصغرى على الفيتو، وعلى تسلط الدول الخمس به إلا أن النيويورك تايمز قالت: إن معظم الدول:" قبلت على مضض فكرة وجود ديكتاتورية عالمية فعّلية بواسطة القوى العظمى.
وتم توقيع الميثاق يوم 26 يونيو 1945م لتخرج الدول العظمى من سان فرانسسكو وهي وصية على أمن العالم.. وتبدأ حقبة الديكتاتورية العظمى.
في هذا النقاش نورد بعض الملاحظات:
ـ صيغة التطمين في أحاديث روزفلت لم توصل العالم إلى شرطي أوحد بل إلى ديكتاتورية واحدة فهو في العديد من المناسبات كان يطمئن معارضيه السياسيين أنه لم يفكر في وجود "دولة عظمى" أو قوة شرطة عالمية.
ـ إشارة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بأن "المنظمة صممت" لا لكي تأخذ البشرية إلى الفردوس، بل كي تقيها من الجحيم" فيها نوع من المراوغة تجاه المنظمة وتجاه مجلس الأمن، حيث أن ما توده أن يعيش في الجحيم تركته يعيش، ومن توده أن يذهب للفردوس عبر التدخل وقفت إلى جواره، والشواهد كثيرة، ثم إن مطاطية أن تقي المنظمة شرور حدوث حرب نووية لا تشفع لدور الأمم المتحدة ولمجلس الأمن، لأنهما يفترض أن يمنعا تدخل القوى الخمس في شؤون الدول، ولنا مثال في روسيا حاليًا وهي في سوريا، ونماذج كثيرة لأمريكا في أمريكا الجنوبية!!
ـ المجلس منذ إنشائه إلى اليوم عجز إلى حد كبير عن ممارسة الحكم العالمي الكفء.
ـ "وفي أغلب الأحيان، ينتهي الحوار حول المجلس باعتراف محزن بحدود قدراته "
ـ يعتقد الكثيرون أن غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003م كشف أخطار العمل دون مباركة المجلس.
[4]يتبع....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ديفيد بوسكو، خمسة يحكمون الجميع، مجلس الأمن ونشأة النظام العالمي الحديث، ت:غادة طنطاوي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ع:2126، الطبعة الأولى 2014.ص34
[2] ديفيد بوسكو، خمسة يحكمون الجميع، مجلس الأمن ونشأة النظام العالمي الحديث، (سابق).ص18
[3] ديفيد بوسكو، خمسة يحكمون الجميع، مجلس الأمن ونشأة النظام العالمي الحديث، (سابق).ص36
[4] ديفيد بوسكو، خمسة يحكمون الجميع، مجلس الأمن ونشأة النظام العالمي الحديث، (سابق).