الأحد، 21 أغسطس 2016
الحرب القذرة على العالم ( 7 )
لعبة الشرق الأوسط
عندما صنع الغرب مصطلح الشرق الأوسط الجديد، بشكل مختلف عما كان عليه ، بعد سقوط العراق في يد أمريكا، وبدأ التخطيط لتقاسم مناطق النفوذ في كل من آسيا وأفريقيا، مع وجود مصطلحات وإضافات أخرى كالشرق الأوسط الكبير والشرق الأدنى وشرق آسيا الكبرى والشرق الأقصى ، يتضح أن العالم دمية تحركها أيادي العبث الغربية .
وقطعاً يسعى نظام الشرق الأوسط المطروح إلى إعادة صياغة المنطقة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً، وإقامة ترتيبات أمنية جديدة يفرضها، ولتأتي ثورات الربيع العربي وتساند هذا التوجه حتى استمرأ الغرب اللعبة وأشعل المنطقة عبر ذريعة محاربة الإرهاب.
وعندما قال تيودور هرتسل، مؤسس الصهيونية عام 1897م في يومياته: " يجب قيام كومنولث شرق أوسطي، يكون لدولة اليهود فيه شأن قيادي فاعل، ودور اقتصادي قائد، وتكون المركز لجلب الاستثمارات والبحث العلمي والخبرة الفنية".[1] فكأنما فيه دلالة أو إشارة إلى أن الهدف الذي يسعى إليه الغرب هو تعزيز نفوذ الصهيونية في المنطقة العربية.. ولكن هل تسير الخطة الآن على ما يريدون عندما يقول عراب الصهيونية هنري كيسنجر إن دولة اليهود لن يكون لها وجود بعد 25 سنة ![2]
ومع ما يحدث في العالم العربي فإن كلام المكر يتضح في حديث كيسنجر لأن الشواهد كلها مصبوغة بذهاب المنطقة العربية نحو التفكك كما كان يشتهي الغرب.. بيد أن ظهور قوة واقعة بين آسيا وأوروبا ، ممثلة في تركيا ، سبب قلقاً في منظومة الشرق الأوسط الكبير ، بل سبب حرجاً حتى للعراب الأكبر في لعبة الشطرنج التي تمارسها أمريكا عندما حاولت اسقاط هذه القوة عبر الإنقلاب على رئيسها، بخلاف أن تدخل التحالف العربي قبلها بسنة ونصف في اليمن ، أيضاً "شخبط" الخارطة الغربية الجديدة التي كان متجهاً نحوها هذا الشرق..
ولعل تقرير كامبل بنرمان وزير المستعمرات آنذاك في عام 1907 من لندن ، الذي جاء فيه: " يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط، لكونه همزة وصل بين الشرق والغرب. ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد، تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافية وكل مقوّمات التجمع والترابط، وذلك فضلاً عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة "[3] لعله يشي بأن الغرب يستهدف المنطقة العربية منذ زمن بعيد. وقد جاء فيه نقطة جوهرية هي تجزئة الوطن العربي إلى دول وكيانات متعددة.. وحصل ذلك عبر سايكس بيكو لكنه لم يرضي أطماع الغرب في هذه المنطقة فعرض خطة أخرى لهذا التقسيم ولم يكتب لها النجاح ولله الحمد حتى الآن بسبب تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن، وسعيها الحثيث في قلب موازنة الحرب القائمة في سوريا، لتأتي ضربة فشل الانقلاب على تركيا وتعطل المشروع القذر للغرب.
وهذه الخطة الجديدة ـ ربما ، وحسب ما يقول مراقبون ـ أن أفكارها الأساسية انطلقت من " الثورة الخمينية "[4] عام 1979م بحيث جعل الغرب اللاعب العقلاني فيها هو إيران، وهي ثورة تحلم في إعادة الإمبراطورية الفارسية الممتدة من حدود الصين حتى شمال افريقيا، وبدأ العمل على الخطة الجديدة من احتلال أمريكا للعراق ورميها في يد المجوسي الفارسي لتتحكم عبرها دولة الملالي في الجزء العربي وتثير الفوضى فيه، وارتفعت وتيرة عمل هذه الخطة مع الاتفاق النووي عبر أجندة مرسومة للمد الفارسي للعمل عليها.
قطعا اللاعب الرئيس هو ما تردده إيران منذ قيام الثورة " الشيطان الأكبر" وهذا الشيطان هو المفكر بينما الشيطان المنفذ والذي يقوم بدور الشر في المنطقة العربية يتمثل في "إيران".. وبما إن الشيطان المفكر رأى أن خطة الشرق الأوسط الجديد لم تنجح، أو على الأقل تم تعطيلها في الوقت الحالي، إتجه إلى خطة بديلة أو خطة " إلهاء " تكمن في بروز مصطلح " آسيا الوسطى الكبرى" وذلك لإيقاف صعود الصين وروسيا والهند والعمل على تدميرها من جديد.
والشيطان الأكبر كما يعلم الجميع لديه نظرية يسير عليها وهي " استمر في صناعة الأعداء كي تستمر في المقدمة" ولهذا فإن البدائل لهذه الصناعة دوماً جاهزة، وسنتذكر هنا أن هجمات 11 سبتمبر 2001م كانت الخطوة الأولى للمشروع الجديد وتم تفعيلها بعد غزو افغانستان ومن ثم العراق وبعد موجة " الخريف العربي ". وقد رسمت عام 2006 مجلة القوات المسلحة الأمريكية صورة أوضح لاستراتيجية الشرق الأوسط الكبير في مقال تحت عنوان "الحدود الدموية" (Blood Borders)،[5] وفيه " أكدت على ضرورة تغيير الخارطة السياسية للمنطقة العربية على أسس عرقية وإثنية وطائفية، وعرض المقال الخريطة الأولية التي تحاول الولايات المتحدة أن تطبقها على الأرض، وفي 28 كانون الأول/ ديسمبر 2013، ظهر جزء آخر من المشروع الأمريكي من خلال المقال التي عنونته صحيفة نيويورك تايمز Imagining a Remapped Middle East"[6]
واستغلت الولايات المتحدة العراق أسوأ استغلال وألحقت به سوريا حين انكشف أمام ناظريها أن إيران تحقق أهدافها بشكل مفضوح ، وأصبحت الحرب تقريباً من عام 2013م عياناً بياناً لتظهر النوايا السيئة عن تفكيك المملكة العربية السعودية إلى دوليات وهي الدولة التي تعد قلب العالم الاسلامي ، والتي أصبحت الوحيد الفاعل في المنطقة العربية بعد تساقط مصر وسوريا ومن قبل العراق ، حيث اتخذت ايران ذراعاً لها في اليمن وأرادت بهذا تطويق المملكة وهذا ما تبجح به الإيرانيون حين قالوا أربع عواصم عربية نحتلها الآن ، بل ويزيدون تبجحهم والبقية في الطريق.. كل هذا طبعا بمباركة من الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الغربيين الذين سعوا إلى تحقيق أطماع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنحها الضوء الأخضر لترفع من وتيرة مشروعها التوسعي العابر للقارات ذات البعد الطائفي، وكرست نفوذها في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وحركت دماها في دول الخليج العربية، وصدرت ثورتها إلى العالم.
الملاحظة هنا التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار هي إن الساسة في العالم يراقبون هذا دون أن يفعلوا شيئاً منذ حادثة سبتمبر، والعجيب أن الشعب الأمريكي ، نعم الشعب الأمريكي الذي يدعي أنه مع الحريات، لم تكشف له حكومته مساندة إيران لمن فجّر البرجين إلا بعد مضي ما يقارب ال 14 عاماً ولم يحرك ساكنا، وقد تكشف أوراق فساد حكام أمريكا أن اسرائيل لها اليد الطولى في هذه الحادثة وبمساندة من استخبارات بلدها، أي المفروض أن الذي يثور في البدء هو الشعب الأمريكي ، وليس الشعوب التي يتآمر عليها حكامه. كما أن الملاحظة الأخرى هي رؤية العالم لما يفعله حزب الله في لبنان وفي البلاد العربية ومع ذلك لم يحرك ساستها شيئاً إلى أن اجتاح مد الثورة الإيرانية البلاد والعباد وبدأ يعيث فسادا في الأرض. وليلحظ ساسة بعض البلاد كنيجيريا ولبنان والعراق وسوريا أن إيران لم تدخل بلداً إلا ودمرته ، وأرادت أن تلحق اليمن بالركب ولكن عاصفة الحزم أوقفت مشروع هذا التمدد، ومع ذلك فإن الحوثيين والمخلوع يرون أنها المنقذ لهم.
النفوذ الإيراني المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل فاضح سطى ويسطو بل بات يفعل ما يحلو له في المنطقة ، وخصوصاً بعد الاتفاق الصوري النووي.. يقول عضو مجلس خبراء القيادة ووزير المخابرات الإيراني الأسبق، علي فلاحيان، عبر وكالة تسنيم نيوز التابعة للحرس الثوري :الاتفاق النووي بين إيران والغرب سينتج تحالفًا جديدًا بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة للمزيد من التعاون في أفغانستان والعراق، وتريد واشنطن وضع حد لتوسع الصين التجاري عبر فتح أسواق جديدة في آسيا الوسطى من خلال الاستعانة بقدرات طهران، وستمثل إيران البوابة التي ستعمل من خلالها أمريكا على لجم تحالف الصين والهند وروسيا الصاعد.[7]
هكذا وبكل وضوح يكشف عن أن دور إيران مع أمريكا بات محوريا، ولا بد من تصدير الشر في كل بقاع الأرض كي تبقى أمريكا سيدة العالم، وليؤكد هذا القول أحمد بخشايش أردستاني عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس النواب الإيراني، حين قال: إن إيران وأمريكا قد أدركتا أنهما لا تستطيعان التخلي عن بعضهما البعض، ويجب أن يتعاونا معًا لخلق الأمن والاستقرار في المنطقة.[8]
ولكن هناك أكثر من طاولة انقلبت، ولعل أهمها هو حضور الدب الروسي إلى المنطقة وتدخله المباشر في سوريا ليقول للعالم إن روسيا ما زالت قوة ولن تلعبوا في هذه المنطقة لوحدكم، وسأستعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي، وتوجه بوتين على ذات الرتم الذي تلعبه أمريكا وهو " محاربة الإرهاب" وقال: سنتدخل عسكريا في جميع مناطق لمحاربة الإرهاب[9]، وكأنه يلمّح إلى إرهاب الكاوبوي الأمريكي ولا شيء غيره.
"هذا التدخل أرغم واشنطن على التخلي عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وإحداث الفراغ في المنطقة العربية بشكل مؤقت، وتبنيها سياسة جديدة لكنها قديمة ألا وهي إعادة الترتيبات السياسية والأمنية في المنطقة إلى عهد حكم الشاه الإيراني، محمد رضا بهلوي، وفترة ما قبل ثورة 1979."[10] واستغلت أمريكا والغرب إيران استغلالا خطيراً وسعت لأن تكون شرطي المنطقة، لتأتي حادثة الإعتداء على السفارة السعودية في طهران، وتظهر الغباء الغربي الذي وقع فيه حين اعتقد أن شرطي المنطقة واللاعب العقلاني فيها سيكون لاعباً خبيثاً متحرراً من عقيدته التي يؤمن بها وهي بناء الإمبراطورية الكبرى لفارس من جديد، ودون أن يدرك أن لدى إيران ايديلوجيتها التي لا تستطيع الفكاك منها.. وبحنكة الساسة السعوديين كشفت الحمق الإيراني عبر توظيف هذه الحادثة بشكل لفت انتباه العالم الغربي إلى الخطأ الذي وقع فيه الكاوبوي الأمريكي
وأيضا لتتراجع أمريكا عدة خطوات في هذا السياق عن تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الكبير» وتفكيك المنطقة العربية وسعت إلى تفعيل مشروع آسيا الوسطى الكبرى، مما حدى بموسكو أن تعرب على لسان الناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، عن قلق الكرملين إزاء ظهور مصطلح جديد في عالم التوصيف السياسي يرمي إلى إعادة تسمية آسيا الوسطى وتصنيفها، ولفت النظر إلى أن تسمية "آسيا الوسطى الكبرى" تعيد إلى الأذهان مصطلح "الشرق الأوسط الكبير" الذي غرقت البلدان المشمولة به في حالة من الفوضى والأزمات السياسية وما تمخض عنها.[11]
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك