أمريكا الفزعة من السلام
" العالم قد افلت أمره، كما أنه قد انحرف عن الخط" تشاومسكي
الداعون إلى الحرية هم الذين يسعون وراء تفكيك العالم، فتنوع ثقافات وديانات الشعوب لا يمكن أن تخضعها لمقياس واحد، وليس من العدل والإنصاف أن تعامل طفلك التوحدي كمعاملة طفلك السوي هذا في أبسط قوانين الإنسانية، فما بالكم بكم كبير من الثقافات والتنوع على وجه الكرة الأرضية، القانون الآن في المعمورة هو شريعة الإنسان القوي يأكل الضعيف، لا ليست شريعة الغاب فهي أهون مما يفعله الإنسان، فالحيوان القوي لا يأكل الحيوان الضعيف إلا إذا جاع، بينما في شريعة الإنسان الدول الغنية تزيد الدول الفقيرة فقراً بل وتسعى لأكلها دون رحمة.
إن السياسة أو العملية السياسية لا يمكن لها أن تتطور في ضوء الصراع أو في ضوء " صناعة الأعداء" إذ إن الشعوب البدائية كانت تعيش في صراع لأن الإنسان عدو ما جهل مثلما يقال، ولكنه الآن في جهل عندما يسعى إلى اكتساب الأعداء أو يسعى إلى تجهيل الناس كي يبقى في المقدمة ويعيش في نعيم. " السياسة العلمية لا يمكنها أن تتطور وتنمو إلا من خلال محاولتها معالجة المواد السياسية بوصفها أنظمة فعل، ونظام الفعل هو جملة من السلوك القابلة لوصف العلاقات الداخلية والمتغيرات فيما بينها وعلاقات كل المتغيرات الفردية بمركبات من المتغيرات بخارج النظام." مورتون كابلان. والتفاعل هنا كما يرى كينت ولتز هو تفاعل مجموعة من الوحدات فيما بينها ، فمن ناحية يتكون النظام من هيكل أو بنيان، ومن ناحية أخرى من وحدات تتفاعل معا. وهذا ما لمسناه في طبيعة التحول التي حدثت في هيكل السياسة فقد كان بعد الحرب العالمية الثانية يتشكل من " الثنائية القطبية" [1] .
لقد كان القرن الماضي يقع تحت وطأة أيدلوجيتين هما " الشيوعية" و "الرأسمالية" وكانت موازين القوى تعمل بشكل جيد، والدول الضعيفة كانت تراوح بينهما وتستطيع على الأقل أن تعيش حتى وإن كان ذلك تحت " الحرب الباردة " التي كانت بينهما.. بل إن الدول الضعيفة كانت ترجح كفة على أخرى في بعض المواقف. " فعلى مستوى الكلام، تقوم الولايات المتحدة باحتواء الاتحاد السوفيتي بردع مخططاته العالمية. أما في التطبيق العملي، فإن الخوف من العمل السوفيتي المضاد قد ردع الولايات المتحدة من متابعة مخططاتها العالمية".[2]
ولكن القرن الجديد كشر عن أنيابه، وشكل " الأحادية" وجعل أمريكا تقف وحدها على رأس الهرم العالمي. وقد نشرت الصحف الأمريكية ، ما يعد إعلانا لبدء حقبة جديدة في النظام العالمي الجديد، القلق الذي اعترى جلسات الكونجرس بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لقد " ساد الاكتئاب أولى جلسات الكونجرس للنظر في مشروع قانون الاستقرار الاقتصادي وتحويل الصناعة الدفاعية لسنة 1990". [3]
إنه من الصعوبة بمكان أن يتطور النظام العالمي وهو يرزح تحت وطأة طغاة، وكثيرة هي الكتب التي كُتبت عن وحشية أمريكا، لتي بينت العمليات ضد العالم، بحجة الحفاظ على مصالحها، مستقطبة في ذلك المنظمات الفاسدة، ومستخدمة حق الفيتو مع حليفاتها في أوروبا الغربية يقول روبرت باستور حيث كان مديراً لشؤون أمريكا اللاتينية والكاريبي في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس كارتر" أما الآن، فإن بوسعنا أن نشدد الخناق على الأغلبية الفقيرة، "[4]
إن العمل على " صناعة العدو" هو ديدن الولايات المتحدة الأمريكية منذ قديم الزمان، وهي سياسة يتبعها كل رئيس يأتي للولايات المتحدة، والهدف من وراء ذلك هو ابقاء الشركات الأمريكية تحت التشغيل، وكي لا تتعطل المصانع في بلد تدعي أنها تسعى إلى أن يسود العدل وأن تسود الحرية وأن تكون الديمقراطية هي المسير الحقيقي لجميع بلدان العالم.
يقول ماثيو كوفاي، رئيس النقابة الوطنية لصنعة العدد والمكائن:" إن أمامنا تجربة خطيرة وموجعة سنمر بها عاجلاً" إذا انخفضت الميزانية العسكرية. كما علق نائب نيويورك الديمقراطي الليبرالي ، تيد ويز قائلاً:" سيكون من المستحيل قطع منظومات السلاح ما لم يكن هناك بديل آخر يُركن إليه".[5]
كما أن الركون إلى الدعة والهدوء كان يمثل هاجسا، وقلقاً لدى سكان البيت الأبيض ومرتادي الكونجرس " وقد أثار (فزع السلام) عدم ارتياح وقلقاً منذ الأيام الأولى للحرب الباردة"[6] ولهذا لا بد أن يخلقوا حركة في كل اتجاه. وسنرى في القادم كيف أن أمريكا حولت نورييغا من صديق إلى عدو وكيف غزت بلاده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك