الحرب القذرة على العالم (27)
ما أشار إليه نيكسون في كتابه " انتهزوا الفرصة أو الفرصة السانحة " من أن موسكو كانت تقود وتحرك حملة عدوانية مباشرة أو غير مباشرة على الرغم من رفع شعارات مضللة مثل (التعايش السلمي) و(الانفراج الدولي) . هو بالضبط ما تردده الآن واشنطن، وهي شعارات ترفعها باستمرار تجاه المنطقة العربية، بل وتزيد عليها أنها تريد " الديمقراطية" و " الحرية " للشعوب العربية، دون أن يلمس العرب هذه الحرية وهذه الديمقراطية التي جاء بها المحتل في المنطقة العربية.
وتكمن أهمية أحداث البرجين 11/9 في أنها كانت الانطلاقة الحقيقية التي شنت من خلالها الحرب في مناطق المسلمين، بل ضدهم في جميع أنحاء العالم حتى داخل أمريكا، وبدأت الحرب الخارجية بأفغانستان ومن ثم العراق و" ليس من المعقول أن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من شن حربين متتابعتين في زمن قصير لسرقة، والسيطرة على، والحكم في، ثلثي الموارد الهيدروكربونية في العالم دون خطط للحرب معدة وموجودة مسبقاً، تم اختبارها، وتمثيلها وشحذها جيداً، ودون استعدادات عسكرية تعود إلى وقت سابق، ومن الطبيعي إذا كانت الخطط الحربية والاستعدادات قد سبقت 11 سبتمبر، فإن تلك المأساة لا يمكن النظر إليها واعتبارها السبب في هاتين الحربين، إذ إن الدوافع الحقيقية للحرب يجب أن تكون قبل ذلك."[1]
هذا المؤشر المدروس من قبل يمنحنا الرؤية كاملة تجاه هذه الحرب، حيث أن الأهداف أكبر من أن تقف عند حدّ معين، فمعنى السيطرة لدى الأمريكان هو أن يسير العالم تحت إمرتها، ولن يسير إلا بإثقاف خطط التنمية، وعرقلة أية جهود لنهوض الدول، والعمل على إيقاف أي زحف يؤدي إلى التطور، وذلك لبقاء الدول خاضعة للإرادة الأمريكية وللكربورقراطية الأمريكية و"في الواقع فإن صفوة السلطة العنصرية في الولايات المتحدة وحكوماتها كانت تعمل باستمرار على التخطيط والإعداد والتآمر لسرقة حقول بترول الخليج منذ زمن نظام نيكسون/ كيسنجر ردا على حظر تصدير البترول العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة بسبب تأييدها لإسرائيل" وكأن فرانسيس بويل يقول لنا هنا إن المسألة ليست سوى مسألة وقت، حتى تنضج الأفكار والخطط ومن ثَمِّ العمل عليها، وتحقيق " المصالح" التي تريدها هذه السلطة الاستبدادية القائمة على العنصرية وعلى أسلوب العصابات، التي رأى بويل أنها عصابات لصوص تعكس الامبراطورية الرومانية القائمة عليهم ويستشهد في كتابه تدمير النظام العالمي بقصة القديس أوجستين من مجلد " مدينة الرب"، والذي جاء فيه:" إن الممالك بدون عدالة تماثل زعماء اللصوص، وإذا ما هجرت العدالة، فماذا تصبح الممالك إلا أن تكون عصابات لصوص كبيرة؟ وماذا تكون عصابات اللصوص إلا أن تكون ممالك صغيرة؟" ويورد قصة القرصان الذي أسره الملك الأسكندر الأكبر، فعندما سأله الملك ما الذي كان يساور تفكيره عندما قرر أن يتحرش بمن في البحر، قال القرصان، في جرأة: هو نفس ما يساورك عندما تتحرش بالعالم؟ ولما كنت أفعل ذلك كنت أفعله في سفينة صغيرة فإنهم يدعونني قرصانا، أما أنت تقوم بذلك في أسطول عظيم ولذا يدعونك إمبراطوراً"[2] وهذا هو الوضع الحقيقي لما تفعله الإمبريالية الأمريكية، وهي مجرد انعكاس لحالة الامبراطورية الرومانية القائمة على اللصوصية، وسرقة الآخرين بأية طريقة كانت، والتي هي قائمة ـ أيضاً ـ على تأمين موقع إسرائيل قي المنطقة العربية ولهذا "يمكن اعتبار أن الجمع بين النفط وإسرائيل كان هو السبب في معظم سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط قبل وبعد 11 سبتمبر 2001" بحسب بويل.[3]
ويؤكد بويل: " أن نجاح قطع البترول العربي أدى بعدد من كبار المسؤولين في حكومة الولايات المتحدة في إدارة نيكسون، وخاصة هنري كسينجر، إلى التهديد علناً بأن حكومة الولايات المتحدة تعد نفسها للإستيلاء على حقول النفط العربية حتى تمنع حدوث مثل هذه المقاطعة مرة أخرى. وتم التصريح بهذا التهديد الحكومي غير المشروع علناً، وبصراحة مع تكراره عدة مرات خلال إدارة نيكسون، وإدارة فورد، وإدارة كارتر، وإدارة ريجان أيضاً. وكان على إدارة بوش أن تقوم في نهاية الأمر بوضع التهديد موضع التنفيذ، ولكن بعد عقد كامل من الإعداد النشط."[4] والفكرة هنا هي أن التوجه نحو المنطقة العربية مخطط لها قبل أحداث 11 سبتمبر بزمن طويل، وأن الإستراتيجية الأمريكية ذاهبة نحو ذلك لا محالة، حتى لو أدى ذلك إلى اغتصاب السلطة في أمريكا من أجل تحقيق هذا المخطط، وهو ما حدث بالفعل عندما اغتصب بوش السلطة " لقد كان تنصيب بوش عملا من أعمال الاغتصاب القضائي للدستور الأمريكي ليس له سابقة في تاريخ الجمهورية الأمريكية. ولو كان هذا قد حدث في إحدى الدول النامية لكان هذا التدمير للعملية الديمقراطية سيقابل بالسخرية العميقة في جميع أنحاء الغرب."[5] وعملية التنصيب بمثل هذه الطريقة كانت أمريكا تحرك استخباراتها في دول أمريكا اللاتينية من أجل الإطاحة بها، وكانت تقول للعالم إن الديمقراطية لا بد أن تكون في هذا الجزء من العالم، وكم مرة أسقطت رؤساء.. وكم نصّبت أيضا رؤساء في هذا الجزء.. ولهذا فإن هذا التنصيب يعد جزءاً من ديمقراطية الامبريالية الأمريكية، وذلك للوصول إلى نقطة البداية في المنطقة العربية، وجاءت ضربة 11 سبتمبر لتكون هي نقطة البداية، والتي لم يقتنع بها معظم شعوب العالم، بل صحيفة النيويورك تايمز نشرت في عددها الصادر يوم 3 اكتوبر من عام الحدث سردا لما أدلى به أحد سفراء الولايات المتحدة الأمريكية إلى مسؤولين بحلف الناتو عن الحقائق أو الوقائع المزعومة ، وهو كما يلي:
" قال أحد المسؤولين الغربيين من حلف شمال الأطلسي ناتو إن المعلومات التي كانت شفوية، وبدون أية شرائح إيضاحية أو مستندات، لم تقرر صدور أية أوامر مباشرة من السيد بن لادن، كما لم تشر إلى أن طالبان كانت تعلم عن الهجمات قبل أن تحدث. وقد وصف أحد كبار الدبلوماسيين لإحدى الدول وثيقة الصلة المعلومات بأنها لا تحتوي على أي شيء يعتبر جديداً بشكل خاص أو مثيراً للدهشة. ثم أضاف: بل إنها كانت وصفاً.. ورواية بدلا من أن تكون تشريحا. ولم تكن هناك محالة لبناء قضية قانونية.
وبعبارة أخرى لم تكن هناك قضية حقيقية ضد تنظيم القاعدة أو بن لادن وحكومة طالبان في أفغانستان. وكانت هذه هي النتيجة التي خرج بها كبار الدبلوماسيين للدول الصديقة الذين شهدوا ما أطلق عليه " الإدلاء بالمعلومات.[6] ..يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك