‏إظهار الرسائل ذات التسميات اتصال. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اتصال. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 4 يوليو 2019

قناة الجزيرة تسقط أمام إسرائيل

باختصار:

يومًا بعد آخر تكتشف الشعوب العربية أن قناة الجزيرة تسعى إلى هدم الدول العربية، وأنها مشروع إمبريالي زُرع في المنطقة العربية يهدف إلى المساعدة في تأليب الشعوب العربية ضد بعضها البعض. لقد قدمت قناة الجزيرة درسًا في " كذبها" ولا مهنيتها ولا موضوعيتها حين تغاضت عن "مظاهرات إسرائيل" ولم تتناولها كتناولها للأحداث في البلدان العربية.



رأينا كيف كانت تغطية الجزيرة لشعلة البوعزيزي في تونس، وشاهدنا توسعها في الحدث ومباركتها باستضافة العديد من المحللين والنقاد والسياسيين والشارع. ورأينا كيف غطت أحداث الربيع العربي "ليبيا، مصر، سوريا، اليمن" بل ما نعجب له هو أنها في أي شارع يحدث فيه "عراك" بين إثنين في أي دولة عربية فإنها تركز كاميراتها في جوانب هذا الشارع لتأخذ اللقطات من عدة زوايا.. وما ميدان التحرير في القاهرة إلا خير دليل على ذلك. وما بين أيدينا اليوم في السودان، وما هو واضح تمامًا أن كاميرات الجزيرة كانت مركزة في شوارع مدن السودان، ثم أصبحت تستعين بجوالات المناوئين للحكومة كي توضح استمرار المظاهرة، وكي تصعد المواقف بين الحكومة والشعب. وبكل أسف هناك من يرى أن القناة تمثل إعلامًا حرًّا في منطقتنا، ولكن أحداث "إسرائيل" والتظاهرة الكبيرة والعنف الذي حدث فيها، والشغب الذي حدث فيها بعد مقتل شاب أثيوبي إسرائيلي يبلغ من العمر 19 عامًا، على يد ضابط إسرائيلي، والذي على إثره تم حرق سيارات وتعرض هؤلاء لعنف من قبل الشرطة والمواجهات التي نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لم تظهر "الرأي والرأي الآخر" ولم نرى أي وجه من وجوه الجزيرة يتناول هذا الموضوع. لماذا يا سادة لأنها أصلاً مشروع صهيوني مدعوم من قبل الصهاينة لخراب المنطقة.

الأحد، 30 يونيو 2019

الرقمية تقتل الطفولة والإبداع



باختصار:


استقبلت 35 تعليقًا على موضوع "الأدلجة الرقمية"، وجميعها من مواقع ومدونات غير عربية، هذا أسعدني كثيرًا، كون هناك قراء "تترجم" لتقرأ، أو تقرأ بلغتي، والفكرة التي دارت في مخيلتي وأنا أستقبل هذا السيل بشكل مفاجئ هي: أن التواصل بات الآن عبر الانترنت عالميًّا، وأن الدعوة في موضوع الأدلجة، وما تفعله التقنية في الإنسانية يدق ناقوس الخطر، ويدعو إلى تظافر الجهود من أجل الحفاظ على الجيل القادم، إذ إن الأسرة الآن لم تعد تلك الأسرة التي تعتمد "التربية الصلبة" بل إنها الآن تعتمد "تربية سائلة" ماعت مع ميوعة التقنية.

المشروع المتقد هو أن التقنية تسحب الطفولة من شوارعنا، وتذهب بها إلى شوارع لا مرئية وهي مرئية خلف شاشة الكمبيوتر أو الجهاز الصغير الذي نسميه "موبايل/جوال"، وبالتالي فإننا نفلت عقل الطفل لشوارع خلفية لا ندرك ماذا فيها، ولا نصلها نحن كآباء أو أمهات، ولكن هم يصلونها.

الذهن المنشغل بكفاحه اليوم من أجل توفير لقمة عيش لهؤلاء الأطفال سينكسر ذات يوم عندما يلحظ أن كل سعيه ذهب هباءً، ولم يفدهم في شيء حين يجد أنه كان يؤمن لهم المادة، ولم يكن يؤمن أرواحهم، كان يغذي أجسادهم ولا يغذي قلوبهم وعقولهم، وهنا مكمن الخطورة.

أمّا الرقمنة فإنها تُنتج الذهن الفارغ، وتسعى إلى الكسب المادي ولا تفكر في الكسب المعنوي، بل تنمي لدى الأجيال عملية الاستهلاك فقط، ومن هنا فإن المنزلق الذي تسير نحوه الإنسانية هو أنها ستقع في براثن أصحاب رؤوس الأموال الذين يسيرون هذه التقنية، وستدفن كل فكر يريد أن ينمو ويكون مستقلاً لأن الرقمنة لا تحب الاستقلالية، ولا تريد أن يكون الفرد مستقلاً بل تريده أن يكون تابعًا لها.

مع شكري وتقديري لكل من علّق على موضوع الأدلجة الرقمية، إلا أنني آمل منهم أن يقفوا صفًا واحدًا لمواجهة هذا الغول الذي يقتل العقل ويقتل الطفل في داخلنا.

الجمعة، 28 يونيو 2019

لذة النص وخطورة الميديا

عادة القراءات المعرفية تتوقف على سلطة اللغة وسلطة التأليف وسلطة الحقيقة.. وتذهب في الواقع إلى الإدراك وإلى الذهنية للقارئ. وتخضع في بعض مستوياتها إلى النفسية. وأحيانًا إلى السلوك؛ أي أن القارئ يسير على نمط محددٍ في قراءته للنص، قد نسميها ما يشبه العادة التي تعوّد عليها، وإن كانت متطورة فإننا نسميها "منهجية"، وعندما تصل إلى هذا المستوى فإنها تحمل سلطة مقابلة لسلطة المؤلف، ويكون التفاعل مع النص في أوجه، وفي هذه الحالة فإن المهارة تتكون ليتحقق المعنى في الذهنية، وهو معنىً تقبليٍّ يعتمد التأويل والتخزين، قد ينصب بعد ذلك في خانة الإنتاج عبر النقد أو التأويل مثلاً، وعدم الوقوف على حد نهائي للنص. وبهذا نضيف سلطة رابعة وهي سلطة القارئ.

لا أمتلك مخزونًا كافيًّا في هذا المسألة؛ أي بكل وضوح لست متخصصًا في النقد أو اللغة أو حتى في القانون، ولكني متخصصًا في القراءة كقارئ، وهذا هو الأهم لدي.. ومن هنا فإن عمليات التأويل لدي أو في أبسط الحدود التخمين تتجه بي نحو تنامي الأجزاء كي تصل إلى المعنى الكلي. وعوامل التحريض التي تنتابني لا شك أنها توقعني في مسائل سلبية وإيجابية، ولهذا فإن النص الذي أمامي مهما كان لن يكون كاملاً، لأنني كمتلقٍ أمتلك هدفًا أريد الوصول إليه وسيرتسم أمامي المتن الذي سأتفاعل معه، قد يكون تفاعلي بصريّا يمرّ على السطور ليلتقط جملة واحدة، وقد يكون شكاكًا مدققًا يشدّد على الكلمة الواحدة في النص. وليس من نظرية اتصالية هنا أتحدث عنها، تتمحور حول المرسل والرسالة والوسيلة، أو الكاتب والنص والقارئ، بل إنها عملية انتقائية في هذه المرحلة التي أعيشها، والتي يجب فيها أن أكون امتلك المهارة اللازمة لتحديد الهدف من قراءتي، سواء كان يأتي في إطار المتعة أو إطار الفائدة أو إطار استعراض ترفيهي، أستطيع أن أسلي به من في المجلس الذي اقتعده.

وغالب الخطباء يمتلكون ميزة القراءة الترفيهية التي تنصب في تقديم الشواهد التي تعينهم على لفت انتباه جماهيرهم، ولهذا ألحظ أن تقلّب القارئ أو تحوّله من حالة إلى حالة وهو يسمع أو يقرأ لهؤلاء تكون سريعة، وبإمكانهم الانتقال من حالة إلى أخرى، دون أن تترسخ في أذهانهم حالة من الإبداع، أو حالة من الإنتاج؛ وهذا هو ديدن الخطابة يؤثر زمانيًّا ولا يدرك ثقل المكان الذي يجب أن يتحوّل إلى حالة ثقافية منتجة، لأنه لا يريد من المستقبل أن يُنتج بل يريده أن يستمر مستهلكًا لكلماته فقط، وهذه الحالة تشبه الطبيب الذي يمنح مريضه دواء هو الداء كي يستمر المريض في زيارة الطبيب ولا ينقطع عنه. إن الجرعات المسمومة المطعمة بجرعات من العلاج تبقي الشخص على حاله ولا تغيّره إلى الأحسن، واستمراريته على هذه الحالة تفيد الطبيب/الخطيب المجيد للتوصيف وللبلاغة. ولا تعتقدون هنا أن ما أرسمه هو ضد الخطابة، ولكنها مع القارئ وليست مع الخطيب، فالقارئ يستمتع هنا بما يستقبله، ويشعر أنه يعيش الوعي الذي يريده.

الأربعاء، 12 يونيو 2019

الإعلام بين الـ"ورق" والـ"com"

طُرحت كثيرًا مسألة انتهاء "الصحف الورقية" ونوقشت كثيرًا، على مستوى العالم وليس على مستوى المملكة فقط. وما أعجب له هو أن هذه النقاشات انصبت في إطار واحد فقط، وهو الحديث عن كيفية إنقاذ هذه الصحف، أو ما هو المخرج الذي يجب أن تتخذه كي تنقذ نفسها؟ إن الجانب الذي يجب مناقشته هو هل البديل لهذه الصحافة سيقوم بالدور الذي كانت تقوم به؟ وهل سيخدم المجتمع مثلما فعلت الصحافة الورقية؟ هل سيخدم السياسة مثلما فعل الإعلام التقليدي "البليد الآن"؟!

أجيب في التالي:
إن "الكوم" يمثل إغراء للآخر ويعطي الهيمنة والتأثير على الدوام، ولكن التقنية تقدّم الالتباس بشكل واضح، فمع "التقنية كل شيء يميل إلى البساطة أما مع البشر والمجتمعات فكل شيء يميل إلى التعقيد." (دومينيك وولتون، الإعلام ليس تواصلاً). العقدة الأخطر في التقنية هي "عدم التواصل" وفي نفس الوقت الاتصال والتأثير السريع، لا تنسوا كلمة السريع هنا، وهو تناقض مكشوف تمامًا لنا، والعملية التبادلية هي التي تحقق الرضا لدى التقني كونه يرى الإغراءات أو الهالة التي حوله، ويعتقد أنه يقدّم عملاً إعلاميًّا أو ثقافيًّا أو اقتصاديًّا أو حتى سياسيًّا، بينما هو في الحقيقة يقدم خوارزميات ولكنها سطحية لا ترتقي إلى "الفكر" بل إنها تدور في فلك الدوائر التشعبية المرتبطة بالتقنية، والمحتوى يأتي مترابطًا مع هذا التشعب، ويسعى إلى الإشباع السريع للمتلقي، ليدور في خوارزمية حتى تنتهي وينتهي دورها، ويكون التأثير هنا وقتيًّا كون الرسالة سيتبعها رسالة تُنسينا الرسالة الأولى، وركزُوا جيدًا في هذا، إذ إن الإعلام التقليدي كان يمنحنا فرصة، ويعطينا الوقت كي نتأمل ونتفحص ونحفظ الرسالة، حتى تأتي بعدها رسالة أخرى بعد فترة من الزمن، وهذا ما لا يفعله الـ "com"؛ ولهذا فإن المشكلة تبدو واضحة في أن الحاضر سرعان ما يصبح ماضيًا. ولا يعني أن 5.6 مليار إنسان يستخدمون الانترنت "أن ذلك يفضي إلى التواصل" بقدر ما يعني أننا "نختفي في قلب ما يمكن رؤيته" (زيجموند باومان، الرقابة السائلة)، بحيث أن الإنسان لا يقدّم رسالته بل إنها تختفي بمجرد رؤيتها، وبالتالي فإن التأثير ليس قياسيًّا مثلما نرى، ولكنه زمنيًّا، ويتوقف بمجرد اختفائه، وبمجرد ظهور رسالة أخرى.


كما أن "الكوم" لا تقدم خدمة للتعايش بقدر ما تفصل المجتمع عن بعضه البعض وتجعل عملية التواصل ـ مثلما قلت سابقًا ـ غير موجودة، وهذا ما يفضي إلى خلو المجتمع من الروابط الاجتماعية وانحصاره في الروابط التقنية عبر "الكوم". في هذا النموذج كنت أجلس في المقهى أحدهم يقرأ صحيفة كنت أنتظره حتى ينتهي منها فأقرأها ونبدأ بعدها في النقاش حول ما جاء فيها. الآن أجلس في مقهي يجلس صاحبي إلى جواري يقرأ في جهازه وأنا أقرأ في جهازي وكل واحد منّا لا يدري ماذا قرأ الآخر. قريبان ولكنّا بعيدان عن بعضنا بهذه الأجهزة.
بوضوح تام لا يهمني أن أتواصل مع بعيد من عالم آخر، بقدر ما يهمني أن أتواصل أولاً مع من هو إلى جانبي، وهذا هو الرمز المعياري للمجتمع الواحد، وليس الرمز المعياري للعولمة، لأنني أخدع نفسي إن نصبتها على أن تعيش في مجتمع آخر عبر "الكوم" وتعتقد أنها تعيش حياتها، بينما هي أصلاً منفصمة عن مجتمعها مما يؤدي في النهاية إلى انفصامها حتى عن المجتمعات الأخرى.

نشر في صحيفة الرياض

الجمعة، 31 مايو 2019

الأدلجة الرقمية

لم يعد المجتمع هو المصنع الأخلاقي، بل بات الإعلام ووسائل الاتصال هي المصنع الحقيقي، وعملية استلاب الطفولة تتجلى في تهيئة المشاعر له وتسوقه نحوها سوقًا، بحيث لم يعد التأثير من المكون الصغير أو النواة وهو الأسرة، ولم يعد للبيئة مكان في التحكم بعواطف هذا الطفل، وبالتالي سيأتي في السياق المجتمع برمته ليجد نفسه لا حول له ولا قوة تجاه هذا الطفل المراهق الكهل.
الآلة الآن تتحرك بشكل خطير تجاه بناء مجتمع واحد خاوٍ من كل شيء.. لا رموز سوى ما تصدره هذه الآلة إلى هذا الصغير المتلقي، "فتتحول فتيات الليل إلى ملهمات" ويتحول "الصراخ" إلى غناء، ويصبح الكاذب والمنافق مشهورًا، وتستجيب عواطف الصغار لهكذا مسيرة يسطرها الإنسان بيديه.
ليس من كاريزما، ولا صورة في الإطار يستطيع الصغير الاتكاء عليهما، كل ما يملكه هو ساعات قليلة في مدرسته وأضعافها خلف جهازه الذي بلا مشاعر.. لن نلمس مشاعرًا في القريب، ولن ننظر نحو مشعوذٍ كنّا نرى أنه "الفقيه" الذي يشفينا، حتى لو بالوهم، وكما استشهد ايزايا برلين بمقولة تولستوي" إن الحرية وهم لا يستطيع المرء أن يعيش أو يفكر من دونه" فإن الوهم الذي تعيشه المجتمعات اليوم هو الذي يجعلها تعتقد أن حياتها الآن هي ذاهبة نحو الحرية دون أن تدرك أنها تدخل القفص بهواها، وتسير نحو نهايتها لا محالة، بل بتنا نعتقد أننا نفهم كل شيء، ونحن كل شيء، ونحن فوق كل شيء، دون أن ندرك أننا لا شيء، وأن هناك من يسيرنا إلى فضاء "الرغبات الكونية"، و"فيديوهات، الفرجة الرقمية" ترسلنا إلى القاع، وإلى فقد الإحساس، وتحفيز الغرائز، دون تحفيز العقل. ليس من نهاية للتاريخ مثلما اعتقد البعض أن فوكاياما رأى يوم القيامة بل إنه التوقف نحو الواحدية التي تريد انتاج البشرية بطريقة صناعية مذهلة، ومؤدلجة بشكل مقنن، تسعى لاكتساح العالم.

الأحد، 3 مارس 2019

الجمهور.. الحيّز غير المرئي (3)

(3)


"السعادة صورة والمستقبل صورة أخرى. ثم يصبح الواقع بعد ذلك زائدًا" (الموجز في الإهانة 29) وصناعة صورة السعادة تأتي مشوهةً لأنها قائمة على الاستهلاك فقط، ورغم أن الجماهير ليس لديها ذاكرة فهي تنسى سريعًا، ورغم أنه "ليس لها سمعة تاريخية وسجل سلوكها ـ كما يصفه كولمان وكارين ـ تحكمه سلسلة من الصور السيئة؛ إلا أنها تحاول الخروج من أزماتها متى ما استوطنت فيها. وليس صحيحًا ما ذهب إليه الكاتبان في "الإعلام والجمهور" من أن "الجماهير يتم وصفها بأنها أساس ثابت للوحشية وللطبائع المدمرة والعنيفة" لأنها في الأصل تستقبل الصور التي ترد إليها، أو تمتلك الادعاءات التي تسيّرها، لأنها حالة من الجمعية، ولم تستطع الصورة فصلها عن هذه الحالة إلى الآن، رغم التكثيف الكبير لهذه الصناعة المقننة نحو الاستهلاك. وهم في هذه الحالة يأتون على تعبير جوستاف لوبون " حائز على نوع من التفكير الجماعي، يجعلهم يشعرون، ويفكرون، ويتصرفون بطريقة مختلفة تمامًا عن تلك التي يشعر، ويفكر، ويتصرف بها كل واحد منهم عندما يكون في حالة من العزلة." ,وبالتالي إن كانت الجماهير حالة من الوحشية والعنف، أو تقديس الأشخاص؛ فإن ذلك يأتي حسب الرسالة التي تصله.

إن الجمهور شكل لكيان غير محدد، تُرسل إليه الرسائل التواصلية الموجهة نحو العالمية" (كلايف بارنيت) هنا تحوّل في التعريف، وتحوّل في الرسالة ذاتها. أسلوب التعريف ينزلق نحو "الحداثة السائلة" فأن تتحدث إلى غرباء في الفضاء المفتوح، وتذهب نحو العالمية، فمعنى ذلك لا بد أن تغير خطابك!! "وارنر" يقول "إن أي نداء يوجه للجماهير يجب أن يكون موجهًا إلى غرباء، دون الإشارة إلى شخص معين. "نحن" بتنا غرباء في مفهوم وارنر، مثلنا مثل غيرنا، وهكذا يجب أن تؤخذ الرسالة كي تصل إلى العالمية، وكي نؤكد على أن الرسالة هي التي تسوق الجمهور نحو أهدافها، ولكنه لا تسوقه نحو أهدافه هو، ولا تريد له أن يفكر عند عزلته، ويحرّك عقله!!

إن خطاب الجمهور هو خطاب من المنبر إلى الشارع، حيث توجّه الكلمات إلى كل من يمر في الشارع أكثر من توجيهها إلى نادي النبلاء، الذي يعرف كل واحد منهم الآخر. وإن التفكير في الجمهور كمنتج للدورة الاجتماعية يساعد في مواجهة أفكار الجمهور ككيان موجود مسبقًا، ينتظر أن يتم اكتشافه. إنه يمكننا من التفكير في الجمهور كوجود إعلامي يظهر ويتوقف عن الظهور، ويعيد تشكيل نفسه من جديد، ردًّا على مجموعة متنوعة من الرسائل التي تُوجه إليه. والجمهور عرضة لأن يتلاعب به خطباء الإثارة الجماهيرية، كما أنه غير قادر على التمييز بين الخيال الجماعي، والحقيقة.

ومما سبق نلحظ أن عملية عزل الفرد عن طريق دمجه في الجمع، وهذا محور يحتاج إلى تكنيكٍ عالٍ جدًّا، ويرتبط بكاريزما مرسومة بعناية فائقة من قبل المرسِل، وهو المهم في صناعة الصورة الآن، لأنه سيسهل اصطياده، وسيتم تقييده وفق الرسائل التي تصله، وفي نفس السياق يمكن تسييره وفق "دائرة" صغيرة تملي عليه ما تريد، وفي كلا الحالتين فإن الجمهور هو: العملية المستهدفة من قبل الساسة ومن في حكمهم. وهو بالتالي يجب أن ينصب في أحد الخانات الأربع التالية:

الحشد المتخيّل: يعمل ضوضاء.

الجمهور: متأثر بالدعاية الإعلامية.

المشاهد: داعم للدعاية الإعلامية.

الدعاية الإعلامية: التأثيرات الكامنة.

[caption id="attachment_1987" align="alignnone" width="266"]جمهور الدعاية الإعلامية[/caption]

وتتحدد هنا شخصية الجمهور، في الحشود، ليس بحضوره الجسماني، ولكن بحضوره الجمعي. كأن الحشود والجماهير مجرد ادعاء، عبر العرض الرمزي لهم، أو التمثيل الحاشد. لا شيء يستقطب سوى الحاجة الفردية، لتكوّن حالة رأي عام.

 

الجمهور.. الحيز غير المرئي (2)

الجمهور.. الحيز غير المرئي