السبت، 4 نوفمبر 2017

الحرب القذرة على العالم 35

امبريالية الإمبراطورية الأمريكية

بريجنسكي وعملية نيويورك الأخيرة!!

أوروبا لا تحتاج لغضب بل إلى عمل للخروج من مأزق أمريكا!!

يلوح بريجنسكي إلى الداخل الأمريكي وأنه ربما قد يكون السبب الرئيس في سقوط الهيمنة الأمريكية، بل إنه يحذر من ذلك، بحيث لا يجب أن تتراخى السياسة الأمريكية تجاه هيمنتها على العالم، وعليها أن تعمد إلى السير قدماً، ليس لقيادة العالم بل للسيطرة عليه" التحدي الرئيسي للقوة الأمريكية لا يمكن أن ينبع إلا من الداخل ـ إما بسبب نبذ الديمقراطية الأمريكية نفسها للقوة، وإما بسبب سوء استخدام أميركا لقوتها في العالم. "[1] والسببان هنا اللذان وضعهما السيد بريجنسكي فيهما إيحاءاتهما بعدم التوقف، والاستمرار والتنبه لهذين العاملين كي لا تتوقف عجلة الامبريالية الأمريكية، وألا تؤثر عليها المؤثرات التي قد تعيقها عن مواصلة خططها للسيطرة على العالم، فلو تراخت السياسة الأمريكية بعدم استخدام القوة فإن العالم سيعتقد أنها وهُنت، وهذا المؤشر لمسناه في التراجع الأمريكي أيام أوباما، حيث قفزت روسيا إلى منطقة الصراع العربي، وأوجدت لها مقعداً بعد أن ابتعدت أمريكا عن مكانها، وهي معتقدة أنه يكفيها استخدام ذراعها في الشرق الأوسط وهو إيران، ولكن إيران أوهن من أن تقوم بدور عسكري، وأن تخدم الأجندة الأمريكية بشكل جيد، وانكشفت في سوريا تماماً واتضح ذلك بعد استعانتهم بروسيا لينقذ النظام السوري من السقوط، ولولا التدخل الروسي لكان سقوط النظام حتميا. بينما في السبب الثاني يأتي سوء استخدام أميركا لقوتها، والنموذج الواضح هو أنها استخدمت قوتها ضد العراق، ووضعته في يد الفرس دون تفكير في أبعاد ما فعلته، والأنكى أيضاً هو أن قوتها في سوريا لم تستخدمها رغم دخول الدب الروسي، وذلك على مدى أربع سنوات مضت. وتوجيه استخدام القوة وأن تكون في أماكنها الصحيحة هو الداعي الذي سيبقي الهيمنة الأمريكية في مكانها.

ومن الداخل الأمريكي يشير بريجنسكي إلى مسألة تعد غاية في التعقيد، بالنسبة للداخل والخارج الأمريكي، وهذه المسألة تتمثل في الشعب ألأمريكي نفسه، بحيث أنه ـ فعلاً ـ لا يملك ثقافة تجاه الآخر، ولا يعرف سوى محيطه، ولا يفكر أبعد من حياته، ولا يهتم إلا بالشعارات التي تطرحها له الحكومة المدعومة بالماكينة الإعلامية والسينمائية، والتي تروج للفعل الأمريكي الإنساني، والدور المقدس الذي تلعبه بلاده نحو العالم، أو تدبغه بشعارات أن التدخلات في العالم إنما تهدف إلى مساعدة الناس، ورعاية حقوق الإنسان في العالم وبهذا استطاعت الآلة الإعلامية أن تكرس ما يريده السادة " لقد ثبت المجتمع الأمريكي، برغم ضيق أفق اهتماماته الفكرية الثقافية، في صراع شامل ومطول في مواجهة خطر الشيوعية الاستبدادية، وهو معبأ حالياً ضد الارهاب الدولي. وطالما استمر ذلك الالتزام، سيستمر معه دور أميركا كعامل استقرار عالمي، اما إذا ضعف ذلك الالتزام ـ لأن الارهاب قد تلاشى أو لأن الأميركيين أصابهم التعب أو فقدوا الاحساس بهدف مشترك ـ فقد ينتهي دور أميركا العالمي بسرعة" [2] وفي إشارة بريجنسكي هذه ما ينبئ إلى مواصلة النهج الأمريكي المرعب، الذي يُكرس على الداخل بحيث أنهم يبقون على حواسه المؤيدة للفعل الأمريكي للسيطرة على العالم، دون أن يدرك الداخل الأمريكي أن ما تفعله حكومته هو التدمير وليس البناء.

إن كلمة مثل " خطر الشيوعية الاستبدادية" هي أحد الشعارات التي كانت ترفعها الولايات المتحدة أيام الحرب الباردة، وهو هنا يكرس هذا المفهوم تماماً، ويوحي لمن يقرأه أن شعار "الإرهاب الدولي" الذي استعاده جورج بوش من رونالد ريجان والتعبئة الشعبية لمؤازرة ما تفعله حكومته من تدمير للعالم يجب أن يستمر بحيث أن الشعب الأمريكي يعيش تحت التنويم الإعلامي والدعائي الكبير الذي تسير عليه السياسة الأمريكية مع أي حملة تريد شنها على أية دولة أو أية جهة من جهات الكرة الأرضية. ومعنى مقولته " لأن الارهاب قد تلاشى أو لأن الأميركيين أصابهم التعب أو فقدوا الاحساس بهدف مشترك " أي يجب على أمريكا أن تستمر في تكريس حربها على الإرهاب في الفترة القادمة أكثر مما هي عليه، أو أن صناعة العدو أمام الطغمة المسيطرة على أمريكا يجب ان تبقى في ذهنية الساسة الأمريكان وإلا فإنها ستفقد سيطرتها على العالم. ولعل العملية الأخيرة في نيويورك، والتي تبناها تنظيم "داعش" الإرهابي، و"الشيشاني" الذي نفذ عملية "منهاتن" الأخيرة، وهو الذي اعتنق الفكر التكفيري، لاحظوا اعتنق الفكر التكفيري، بعد دخوله الولايات المتحدة، ولاحظوا أيضاً بعد دخوله الولايات المتحدة، تأتي ضمن الاستراتيجية التي يجب أن تبقي الشعب في حالة تأهب وتعبئة ـ مثلما طالب بريجنسكي ـ وأن يستمر الرعب من الإرهابيين، ويشعر بها الشعب كي يُسيّر الساسة خطواتهم مثلما هي، دون أن يحيدوا عنها، بسبب عوامل أو مؤثرات شعبية، قد تعيق تحركهم، وتبطّيء من هدفهم وهو استمرارية سيطرتهم على العالم.

" لا يمكن أن نغفل التأثير التوازني للقوة الأمريكية للاستقرار العالمي" هكذا يجب أن نجعل العالم يستشعر تأثير أمريكا عليه ـ بحسب بريجنسكي ـ وأنها هي الوحيدة التي تستطيع إيجاد التوازن في الكرة الأرضية، ولن يتم ذلك إلا عبر أساليب على أمريكا أن تتبعها، أو أن تسير بخطواتها العدوانية تجاه العالم، كي يستمر هذا الشعور مسيطراً على سكان الكرة الأرضية. وإلى حد ما نجحت هذه النظرة، واستطاعت أن تحقق أهدافها على الدول الضعيفة أو الهشة، وأن تحتوي الدول القوية إلى صفها، وربما تفعل هذه الدول لغاية في نفسها، أو حتى يحين الوقت لاستعادة أنفاسها وقوتها، وحينها لن تقف مكتوفة الأيدي أما التوجه الأمريكي الذي يريد استمراريته في السيطرة على العالم، وأيضا وعلى أية حال لن تستمر امام القوى الصاعدة أو التي تريد الصعود، أو القوى التي تريد العودة إلى صدارة الأمم كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا، وربما الصين واليابان.

" إن الهدف النهائي للسياسة الأمريكية يجب أن يكون حيادياً ومثالياً: اي يتمثل في خلق مجتمع عالمي متعاون بشكل حقيقي، وذلك من خلال المحافظة على الاتجاهات بعيدة المدى والمصالح الجوهرية للجنس البشري، ولكن في الوقت ذاته، يجب ألا يظهر تحدٍ أوراسي، قادر على السيطرة على أوراسيا، وبالتالي على تحدي أمريكا."[3] ص6

قطعاً هو يتحدث عن جزئية السيطرة على أوروبا وآسيا، وهي جزء كبير جداً من السيطرة على العالم. ولكن: ما هو مقدار الذكاء الذي يجب أن يتمتع به القارئ كي يقول إن في هذه الجمل تناقضاً مفضوحا وصارخاً؟ وهل القارئ الأمريكي للكتاب لا يرى هذا التناقض أو التضارب في الفكرة؟ بل هل طلاب بريجنسكي الذين أهدى إليهم "كتاب رقعة الشطرنج الكبرى" هم مجرد متلقين دون عقول كي لا يستوعبوا هذه الكذبة الصارخة، التي توضح مدى تفوق القوة العسكرية على غيرها أو دون سواها، وأن ما يقدم لهؤلاء الطلبة مجرد كلمات لا تطبقها الطغمة الفاسدة والمسيطرة على الولايات المتحدة؟ كل هذه تساؤلات يجب أن تطرح؛ فمن المستحيل أن يكون هناك عملاً حياديا أو مثالياً وأنت تسطو بقوتك على العالم، ومن المستحيل أن يكون هناك مجتمعاً عالمياً يؤمن بأفكارك دون غيرك، أو يحترمك وأنت لا تحترمه. لنلحظ الفرق ما بين بداية خطابه هذا وما بين نهايته، ففي البدء يتحدث عن الحيادية والمثالية وفي النهاية يتحدث عن أنه يجب ألا يظهر يستطيع تحدي أمريكا، وألا يظهر أحد قادر على السيطرة على أوراسيا. لا تأتي الحيادية مع فكرة المثالية، ولن تكون مع الحيادية ايضاً، وبالتالي فإن هذا القول هو للاستهلاك فقط بالنسبة للشعب الأمريكي وبالنسبة لطلاب بريجنسكي، ولكنه يمثل أهمية كبرى بالنسبة للساسة الأمريكان وهو خطاب موجه لهم.

وبما أن الاستشهاد السابق جاء من كتاب (رقعة الشطرنج الكبرى...) هذا الكتاب الذي يعد مرشداً وملهماً للكثير من السياسيين الأمريكان، بل للسياسة الأمريكية يكتب بريجنسكي في ملاحظات كتابه (الاختيار..) أنه في "عام 1997م أعرب المستشار الألماني هلموت شميدت عن استيائه (في مراجعة موقعه) من إقراري بالواقع التاريخي الطريف للهيمنة العالمية الأمريكية. وفي وقت لاحق، وصف وزير الخارجية الفرنسية آنذاك، أوبير فيدرين، بسخرية تلك الهيمنة " بالقوة الفائقة".." ونلمس من هذا مدى الغضب الذي يسيطر على أوروبا جراء مثل هذا القول، وربما لا تحتاج أوروبا إلى غضب بقدر ما تحتاج إلى عمل للخروج من مأزق الولايات المتحدة.

يتبع...

[1] زبغنيو بريجنسكي، الاختيار.. السيطرة على العالم أم قيادة العالم، ت: عمر اليوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، 2004م.ص15

[2] بريجنسكي، الاختيار.. السيطرة على العالم أم قيادة العالم (سابق) ص15

[3]  زبغنيو بريجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى.. السيطرة الأمريكية وما يترتب عليها جيواستراتيجيا، مركز الدراسات العسكرية، ط2، 1999م

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك