الاثنين، 24 يوليو 2017

الحرب القذرة على العالم 25



  • صناعة الطغيان 2




بعني السلاح أنا جاهز..!


يفترض مؤلف كتاب " صنع العدو" بيار كونسيا أن صنع العدو يحتاج لمراحل شتى؛ أيديولوجيا إستراتيجية محددة، خطاباً، صنّاع رأي ندعوهم المحددين، وأخيراً آليات صعود نحو العنف وحالات الحرب.

صنفها كونسيا كالتالي*[1]:

  1. عدو قريب .. حدود. كل دول العالم لديها صراعات حدودية، وكنماذج لذلك سنلحظ، بريطانيا والأرجنتين، ونتذكر حرب الفوكلاند التي بدأت تظهر على السطح هذه الأيام مع مد اليمين المتطرف في أوروبا، الجزائر والمغرب، ليبيا وتشاد، الهند والباكستان، الباكستان وأفغانستان، مصر والسودان، الهند والصين، اليابان وروسيا، روسيا وجورجيا، البيرو والأكوادر، بوليفيا والتشيلي، كولومبيا وفنزويلا، العراق وإيران، لم يسلم منها سوى أمريكا، رغم المشاكل الحدودية مع المكسيك إلا أنها تأتي في إطار قمع التهريب فقط!! ولا شك أن ذلك جاء نتيجة الاستعمار، أو أطماع الاحتلال في معظم البلدان، حتى الكبيرة منها، والسبب يعود إلى التقسيم الجغرافي للبلدان، وأيضاً التدخل، فيما بعد، في شؤون الدول من قبل الدول العظمى تحت مؤثرات شتى لمسناها في حالات الفوضى والحروب العسكرية والحروب الاقتصادية، وحرب الغذاء، وحرب المياه، وحرب البحار، وحرب القنوات المائية، وحرب المخدرات، وحرب السلاح، والضغوطات القوية التي يرزح تحتها ـ تحديداً ـ العالم النامي ـ كما أطلقوا عليه ـ هي الديون التي استطاعت أن تلعب أمريكا مع المنظمات الأممية لعبتها لتوقعهم في شراكها.. وكم من الدول وقعت ضحية للبنك الدول.. وغيره من المنظمات. وسياسة فرق تسد البريطانية الصنع.


يقدر ميشال فوشيه في كتابه جبهات وحدود أن 252 ألف كلم هي الحدود التي تقسم الكوكب، ويلاحظ أن أكثر من 60% منها قد رسمتها قوات خارجية[2]

جزء من ثقافة القومية التاريخية لا يزال موجود إلى اليوم فأحزاب اليمين المتطرف اليوم في أوروبا يتحدثون عن معاناة السكان جراء عدم التضامن الثقافي، الذي كان موجوداً أيام القوميات، قبل معاهدات ترسيم الحدود في القرن التاسع عشر أو القرن العشرين، فأوروبا مثلا تنظر إلى الوحدة الجرمانية، والوحدة التركية، والوحدة العربية.. إلى آخر التصورات التي ما زالت عالقة في أذهان الشعوب إلى اليوم، فالعرب يحلمون بدولة من المحيط إلى الخليج، والصرب يحلمون بصربيا الكبرى، وألمانيا الكبرى، وهنغاريا الكبرى.. " وقد فشلت كل اتحادات الدول التي وجدت على هذه الأسس، كالجمهورية العربية المتحدة، وتشيكوسلوفاكيا، ووحدة ليبيا وتونس، وكولومبيا الكبرى البوليفارية.."[3]

رواية " كولومبا " للكاتب الفرنسي بروسبير ماريميه، وأعتقد أنه لم يكتب غيرها، قرأتها وأنا في الجامعة، وما زلت أتذكر الكثير من مشاهدها إلى اليوم،حيث أصابتني الدهشة من سرده لقضية الثأر التي جرت أحداثها على جزيرة فرساي، تذكرت هذا الآن لأن العملية بين الدول اليوم هي ثأرية " حتى الأعمال الهجومية الأولى لهتلر مثل احتلال رينانيا، قُدّمت كثأر من مذلة املاءات فرساي"[4]. أي أن صناعة العدو القريب هي أسهل عمل ممكن القيام به إن أردنا أن نشن حرباً، أو أردنا أن نفرغ شحنات الشعوب التي تعيش في حالة مزرية جراء الأوضاع الداخلية، أو تعيش في حالة ملل وكسل، ونستطيع بهكذا فعل أن نعيد حماسها من جديد عبر الافتعال والنزعة إلى الثأر.

إنها الحرب السهلة التي يعبث بها الأمريكان ومن خلفهم المنظمات الأممية ويحركونها دون أن تشعر الدول وقتها بالمأزق الذي وقعت فيه، ومثال ذلك الحرب التي سمّاها صدام حسين " الحرب الخاطفة " مع إيران، وخطفت 8 سنوات من عمر الشعب العراقي دون العودة بفائدة تذكر. والمثال الصارخ جداً والأنكى من سابقه هو هجوم صدام على الكويت واحتلاله، بسبب دعوى أن الكويت أطلقت النار على العراق في منطقة متنازع عليها، وبإيحاء أن الكويت هي أصلاً محافظة من محافظات العراق.

وتمثل المنطقة العربية، أو منطقة الشرق الأوسط، وهي غير مستقرة إلى حد كبير بسبب التصرفات الغربية، التي دوماً تريد لهذا الشرق أن يعيش تحت ضغط منهم من أجل مشروعهم التوسعي الكبير وهو المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير، وهو مشروع امبريالي " إضافة إلى مشروع إسرائيل الكبرى، وهو مشروع أساسه ديني وعنصري، ويرتكز على استعمار قسري للأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ورافق هذا الاحتلال الذي تغاضت عنه البلدان الغربية، جداراً سيضم في مخططه النهائي حوالي أربعين أرضاً محصورة، وتقريباً 390 ألف فلسطيني، ويفصل مادياً كل قطع الأرض الواقعة في الضفة الغربية، ويخلق بذلك الشروط التقنية لإقصاء عرقي وحرب طويلة الأمد، يتحمل الغرب مسؤوليتها كلياً"[5]

إن مسألة ترسيم حدود جديدة كانت ستُفرض، وستزيد المنطقة العربية اشتعالا، ولعل الماثل أمامنا هو السعي لتقسيم العراق وسوريا حيث " أراد المحافظون الجدد الأمريكيون، مع مشروع الشرق الأوسط الكبير، أن يجعلوا الترسيم الجديد للحدود حلاً لمسائل الشرق الأوسط، وهم ورثة دبلوماسيي الاستعمار الفرنسي ـ البريطاني، الذين نركوا خلفهم جزءاً كبيراً من المشكلات الحالية في المنطقة. وخلقت الغزوات الأمريكية للعراق، و"الحلف أطلسية" لأفغانستان، الظروف لزعزعة استقرار استراتيجي ذي أهمية كبرى ( الشعور المعادي للغرب، الراديكالية الدينية، الحرب بين السنة والشيعة، كردستان شبه مستقل، زعزعة استقرار باكستان..) ستستمر آثارها العالمية لزمن طويل.

  1. خصم عالمي.. قوتان، على الرغم تاريخياً ومنذ القدم من وجود قوتين عظميين آخرهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وقبلهما فرنسا وبريطانيا إلا إنه قد ينتفي هذا التصور في الوقت الحاضر، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك دوله، رغم بزوغ روسيا، ورغم محاولات الصين، ورغم تحرك بريطانيا التي أرى أنها تريد استعادة أمجادها في العالم هذه الأيام، وأعتقد أن أقرب دولة ستكون نداً لأمريكا هي بريطانيا، ولعل خروجها من الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تحررها من قيوده. وقد تتفكك الولايات المتحدة الأمريكية وتظهر قوى جديدة في العالم تقف مع نظرية الخصم العالمي هنا

  2. عدو حميم .. حرب أهلية، نموذج الصومال في عالمنا العربي واضح جداً، ويعلم العالم أجمع أن وراء ذلك تقف أمريكا، من أجل السيطرة على القرن الأفريقي، نظراً لتميز مكانية الصومال في هذه البقعة من العالم.


تعتبر العلامات الفارقة في الحروب الأهلية هي: العائلات، المثقفون، المؤسسات الدينية أكثر من الجيوش أو الاستراتيجيين، وكأن كونسيا يعلن هنا أن وقود الحروب الأهلية هم ثلاث فئات تعد إقصائية، أو انتقامية، أو أيديولوجية، بشقيها المثقف أو الديني. وحسب تحليلي هنا هو أن هناك تناقضاً بين الديني والثقافي، ولكن كل يعمل في حالة الحرب الأهلية على حدة، وبالتالي يريد تحقيق أيدلوجيته التي تمتلئ بها نفسه.

" ليست الحرب الأهلية بحرب، إذ لا تعلن أبداً، وتنكرها الكلمات. كما في الجزائر، حيث يدور الحديث عن " السنين السوداء" لذكرى الحرب على الإسلاميين. وقد صرح ميلوسوفيتش في صربيا عام 1992 أيضا، أن" صربيا ليست في حالة حرب"[6]

المناطق التي تستطيع العمل عليها الامبريالية: المناطق الحدودية

  1. همجي .. احتلال ومعاناة المحتل من الشعب الهمجي، والقمع هو إحلال السلام. وكنموذج لذلك في الخليج حرب القواسم لبريطانيا واعتبار أنهم قراصنة، لم يكونوا يقامون الاحتلال، بل كانوا يمثلون الهمجية. ولكن الدليل الصارخ في عالمنا العربي هو إسرائيل واحتلالها لفلسطين والمظلومية التي تشتكي بها دوما من أن هؤلاء إرهابيين لا يريدون لها الاستقرار، والأمم العالمية تبارك لها ذلك وتؤيدها أيما تأييد فيما تفعله ضد الشعب الفلسطيني. وقد لاحظنا هذه الإستراتيجية في العراق أبان الاحتلال الأمريكي، بل إلى اليوم ما زلنا نلحظها عبر إيران وهي تعبث بالعراق دون رقيب.

  2. العدو المحجوب .. هاجس قائم على نظرية المؤامرة " الحرب هي ذهان هذياني عنيف ينتج انبثاثاً بشكل منتظم".. الملاحظة التي يلحظها المثقف في هذه النقطة بالذات هي ترديده دوما لجملة " حزب المؤامرة" أو ما شابهها من جمل، وكأن العملية المدروسة منذ القدم قائمة على إيهام هذا العقل بأن هناك مؤامرة، وأحياناً تقوم المؤامرة على بناء خرافي عندما تُكتبُ وتأخذ بعداً نفسياً بعدم التصديق، تقترب أحياناً من الواقع، وتبتعد عنه، والعملية النفسية تجعل الكثير ينظر إلى أن هناك مؤامرة. فعلاً هناك مؤامرة، وهي تحدث وتتحرك بيننا، وتسير عبر خططها، ومع ذلك لا أحد يصدق.. لماذا؟ لأن تطريزها بالخرافة جعل منها فعلاً خيالياً، ولعل حكاية الأطباق الفضائية والغزو الفضائي، وتطويق المجتمع الأمريكي بالأفلام السينمائية الموحية بذلك جعلت من الغالب لا يصدق أنه هناك مؤامرة.. أو أن العمل عبر هذه الإستراتيجية غير موجود، وبكل أسف فإن ما يحدث في العالم العربي لا يزال الكثير يردد بأن هذا عمل، يقوم به الأمريكان وليست مؤامرة، ويجب علينا أن نفعل مثله، وهنا تأتي نقطة الثقافة الأمريكية التي أثرت على هذا العقل الذي يردد أن هذا عملاً، فالأمريكي مستعداً أن يقتلك ويقول لك إنني أسف أنا أعمل، لا تأخذ المسألة شخصية.. نعم أيها العقل أنت الآن كذلك لا ترى مؤامرة بل ترى عملاً وعلينا أن نعمل.. التخطيط والدراسات وشراء الذمم، وتحريك الفزاعات، وتفريغ المجتمعات من ثقافتها ومن أخلاقها ليس مؤامرة بل هو عملاً.. أرنا عملك ولا تردد أنها ليست مؤامرة، واجه هذا الأسلوب ولا تخدع نفسك.. أعمل إن كنت ترى أنها عملاً، ولا تنصت لمن يردد كلمة "مؤامرة"!!

  3. حرب الخير والشر.. شيطنة العالم أولا،ومن ثم البدء في حرب الأنظمة الشمولية الكبيرة العلمانية. وهو ما حدث في حادثة الحادي عشر من سبتمبر حيث استطاع بوش وشياطينه لإقناع العالم بأن تدمير البرجين تم على يد إرهابيين إسلاميين، حيث هيئوا أولا الرأي العام الأمريكي لهذه الحرب القائمة الآن على الإسلام بعد سقوط الشيوعية، وهكذا استطاعوا إقناع الشعب الأمريكي أن الإسلام هو دين إرهاب، مثلما كانت الشيوعية إمبراطورية الشر.

  4. عدو تصوري .. امبريالية الفعل الواحد، كما حدث في العراق " إنها الحرب الشاملة ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب" بوش، وأيضاً كونسيا هنا برر هذا النوع من الحرب عندما قال إنها " حرب وقاية " وهو يشير إلى حالة العراق حتى لو لم يقل ذلك بكل وضوح.

  5. عدو إعلامي.. اللعبة النفسية التي يجيدها الغرب، وتعمل عليها الاستخبارات الأمريكية جيدا، من خلال برمجة عقول الإعلاميين، والمثقفين المشتتين. يقول " تبدو الحرب كأنها تمثيل نفساني في نظر الغرب"


عملية التصنيف هنا تساعد على تحديد الأهداف، والعمل عليها، وجعل العدو بنية ومن ثم تفكيكها، وكنماذج لذلك اعتبر مؤلف كتاب " صنع العدو " أن حرب الجزائر مجرد حوادث، وأفغانستان إرهاب، والعراق حرب استباقية ووقائية، خوفاً من الخطر القادم على أمريكا الشمالية من العراق، وكل ذلك تحت نظر القانون الدولي فـ" هذه الأعمال الحربية موجهة لمجابهة خطر ما، والحيلولة دون زعزعة الاستقرار، وتأمين حرية المرور، وحماية الرعايا.. لكن هذه التقنيات تٌفقد العدو هويته القانونية؛ إذ يصبح ثائراً، وإرهابياً، ومتمرداً، ومتطرفاً، ومثيراً للقلاقل.. وتضعه كل هذه الصفات في وضع الحد الأدني للحقوق"[7]  ولو عكسنا النظرية هنا لوجدنا أن ما تفعله القوى العظمى هو الإرهاب وهو الثورة وهو التمرد، وهو التطرف، وهو الذي يثير القلاقل، فالقوى الغربية، التي تريد أن تكون دول قانون  تحاول تطبيق القانون الدولي لتبرير الأضرار الجانبية في الحروب غير المتكافئة. فـ "العملية الإسرائلية ( الرصاص المصبوب) على غزة أسفرت عن مقتل 1400 مدني فلسطيني، وفي المقابل قُتل 14 جندياً من الجيش الإسرائيلي. ويفسر هذا إرادة إسرائيل لتعديل اتفاقات جنيف التي تفرق بين المدنيين والمحاربين، مع دعم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، ما قد يسمح بقتل المدنيين " بصورة أكثر شرعية" ولكن في هذه الحالة كيف نحكم على العمل الإرهابي"[8]   وأمريكا تحايلت على القانون، وهو ديدنها في هذا الإطار، حين ابتكرت فئة أسمتها " المحارب غير الشرعي" ولهذا امتلأ سجن غوانتانامو وقرأنا فضائح سجن أبو غريب في العراق، وقد عللت ذلك بالآتي " بما أن الحرب على الإرهاب ليست حرباً على دولة، فاتفاقات جنيف لا تطبق على هؤلاء الناس الذين تم اعتقالهم في الطرف الثاني من العالم، مع سلاح أو من دونه". وهذا بالضبط ما تفعله إسرائيل في فلسطين، وهذه هي النظرية التي بها إسرائيل إلى تصنيف كونسيا " الهمجي" فالمحتل مسكين مغلوب على أمره وهو هنا يواجه الإرهاب، وبالضبط ما حدث في العراق أيضاً.



 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك