الأحد، 3 يونيو 2018

لا شيء يهز العالم 10

موقف الأمم المتحدة في العراق


في الصحافة الأمريكية لا تأتي الأسئلة، بعد الحرب على العراق، عن عدد القتلى الذين خلفتهم الحرب ضد العراق أو أفغانستان، ولكنها تأتي على هذا المنوال: لماذا قُتل 760 أمريكياً في حرب العراق؟ الأربعة ملايين الذين قتلوا بسبب الحرب الأمريكية على العراق لا شأن للصحافة الأمريكية بهم، كل ما يهمها هو المواطن الأمريكي. أليس هذا نتاج ما زرعته السياسة والإعلام؟ وأليس هذا يشجع الأمريكان على غزو العالم؟ فهو يقول لهم اذهبوا اقتلوا الناس في كل جزء من المعمورة ولكن احذروا أن يموت أحد منكم أيها الأولاد الصالحون!!  هذه الصورة ـ تماماً ـ التي يتم بها تسيير الأمور في واشنطن، فكذبة الإعلام الحر تحمل معاييرها تجاه الجندي الأمريكي، ولكن تجاه من يَقتلَ هذا الجندي فلا معايير في ذلك أقتل أيها الصالح كما تشاء ولا عليك، المهم ألا تموت. وهذا هو الوجه الحقيقي للإعلام الأمريكي الذي يدّعي الديموقراطية، وأنه يقدم نموذجًا متميزًا في حرية التعبير، وهو يقدم حرية التعبير فعلاً في الداخل فقط، أمّا مساره في الخارج فهو يقدم الوجه السادي للإعلام الأمريكي الحقيقي وللسياسة الأمريكية الطاغية، والتي تريد أن تلتهم العالم كله. بل إن الإعلام في مجموعه سواء عبر مراكز الدراسات أو عبر هوليوود وصناعة السينما وعبر وكالات الأنباء والفضائيات يؤازر الفعل العسكري الاستبدادي الذي تمارسه الحكومة الأمريكية ضد الشعوب.

يقول السيناتور الأمريكي إرنست ف. هولينغز في مقالة نشرتها تشارلستون بوست اند كوريور يوم 6 مايو 2004م " مع مقتل أكثر من 760 جنديا، وإصابة أكثر من 3000 جريح بعاهة مستديمة، يتساءل الناس لماذا ذهبنا إلى العراق؟" وفي النهاية يقول هي " سياسة الرئيس بوش في حماية وتعزيز أمن إسرائيل"[1]

أعلنت واشنطن عن رفع قروض مقدمة للعراق، ونُفذت خطة تسريع القروض إليه لتحقيق الهدف الخاص بزيادة الصادرات الأمريكية ولكي تكون في وضع أفضل للتعامل مع العراق بشأن سجله في حقوق الإنسان... كما أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية دون أن تطرف لها عين؛ إن الهدف الأول مألوف، وقال النائب هنري غونزاليز، رئيس اللجنة المصرفية في مجلس النواب الأمريكي: "إن مقدار هذه التسهيلات الائتمانية ليس كبيرًا، كما أن تأثيرها غير جسيم". وجاء ذكر الخطط الأمريكية لاستئناف التسهيلات المصرفية إلى العراق في تقرير أذيع في تلفزيون ABC عبر مراسله في الشرق الأوسط تشارلز غلاس تقريراً مفاده" أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر شريك تجاري للعراق. "، وقد اتضح الهدف بعد ذلك من خلال غزو العراق للكويت بمباركة أمريكية مثلما تردد على لسان الكثير من السياسيين. يعلق تشومسكي هنا:"  كان غلاس يشن حملة منفردة في التيار العام لوسائل الإعلام، لفضح الفظائع العراقية والدعم الأمريكي المهم جدًا للنظام، دون أن يحصل من واشنطن إلا على المراوغة أو النفي. لم تكن وسائل الإعلام عامة مهتمة إن تم، بعد أشهر، "اكتشاف" التهديد العراقي في سياق البحث عن أعداء جدد لتبرير ميزانية البنتاغون، ثم باجتياح العراق الكويت في آب/أغسطس[2]."



بعد الغزو العراقي للكويت لم ينتظر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بل دان غزو العراق للكويت مباشرة ودعا إلى فرض عقوبات اقتصادية، وكأنه توجه نحو مسألة مسار دبلوماسي يدعو لها في تلك الفترة العصيبة لدى المجلس، وكأنه يسعى في ذات الوقت إلى ترتيب انسحاب متفاوض عليه، وقد أيد المجلس أو حلفاء أمريكا ذلك، بينما أمريكا وبريطانيا اتخذتا مسار الحرب، وقطعًا الكلمة ليست كلمة مجلس الأمن بل كلمة أمريكا وبريطانيا. وهذا التباين مفهوم، في ضوء التاريخ وتوزيع القوة في العالم المعاصر.

يقول تشومسكي:" إن تقاليدنا والقيم التي تقوم عليها، كانت واضحة في الخليج منذ أمد بعيد. وإذا اقتصرنا على الحديث عن العراق وحسب، نجد أن هذه التقاليد قد اتضحت خلال الثورة 1920م ضد الحكم البريطاني، وهي حلقة في " عدوى الاضطرابات التي ابتليت بها الامبراطورية البريطانية من مصر إلى الهند". وقد خدشت حساسيات الإنجليز خدشًا عميقًا بهذه العدمية المتفشية، وكانت طعنة في الظهر في وقت كانت الامبراطورية قد أوهنتها الحرب العالمية الأولى. وانبرى سير أرنولد ولسون يقول غاضبًا: " إن رفس الرجل بعد سقوطه على الأرض هو من عادات تمضية الفراغ الشائعة جدًا في المشرق"، وهي عادة كرستها قرو ن من التبصر والتطبيق". وقد عزا " مكتب الهند" الثورة العراقية إلى "المتطرفين الغلاة" المحليين الذين كانوا يرغبون في إزالة" السيطرة الأوروبية بكل أنواعها من أرجاء المشرق بأسره". واتفق ونستون تشرشل مع هذا، فدعا الثورة بأنها" ليست إلا جزءًا من شغب عام ضد الإمبراطورية البريطانية وكل ما تمثله[3]"

إن الخطوط العامة مزروعة منذ القدم تجاه المنطقة العربية، وهي سلسلة يسير عليها الغرب دون أن يتوقف، ودون أو ينظر بإنسانية نحو هذه المنطقة أو تلك، المهم هو أن يحصل على أكبر قدر من ثروات الشعوب. وهذا التمرد ـ السابق الذكر ـ  قوبل باستخدام بريطانيا للغازات السامة ـ أيامها ـ وهي أول تطبيق لاستخدام هذه الأسلحة، أسماها تشومسكي تطبيق" العلم الغربي في الحرب الحديثة"، وعندما وردت اعتراضات ضد استخدامها قال تشرشل:" أنا لا أفهم هذه الحساسية المفرطة تجاه استخدام الغازات، إنني أحبذ استخدام الغازات السامة ضد العشائر غير المتحضرة...." وأضاف:" لا يسعنا بأي حال من الأحوال القبول بعدم استخدام الأسلحة المتاحة لنا من أي نوع كان، وذلك للحصول على نهاية عاجلة للاضطرابات السائدة على الحدود" عمليات الرفس للساقط على الأرض مستمرة من قبل الغرب على العرب، وهذه النظرة قائمة إلى اليوم تجاه العرب، فهم أمة غير متحضرة، ويجب أن يعلمهم الغرب الحضارة، وكيف تكون الحياة على وجه الأرض، وهي نقطة تشويه مستمرة ويتم استخدامها كثيرًا في السينما بحيث تظهر العربي على أنه متوحش وهمجي، وأشعث، غير نظيف، مع العلم أن التاريخ يشهد أن العرب هم من علّم الغرب كيف ينظف جسده، والأندلس وبقاياها إلى اليوم تشهد بذلك، ولكن صناعة الصورة الهمجية والنمطية من أجل تحقيق المآرب الاستعمارية مستمرة.

وقد سربت واشنطن بوست خطة وضعها البيت الأبيض لتصفية صدام حسين، وقد أقرّها رئيس الجمهورية حين أخبره وليام وبستر، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية: " إن صدام حسين يمثّل تهديدًا للمصالح الاقتصادية الأمريكية الطويلة الأجل." وبعد الثناءات على بوش وقراره، كثير من المحررين قالوا، إن ذلك " يُظهر استعدادنا لتحمّل أي عبء لتأديب أولئك الذين يلجأون إلى القوة أو يخرجون على تقاليدنا التي لا تؤمن بالعنف، والتزامنا بحكم القانون[4]."

ووقتها تمت المقارنة من البعض المقارنة بين غزو أمريكا لبنما وغزو العراق للكويت، وقالوا إن هذا فيه نفاق، فغزو أمريكا فيه الخير والإحسان، بينما غزو العراق للكويت فيه شر؟!

يوضح هذا النفاق ما تناولته الصحف الأمريكية عن الأمم المتحدة حين بدأت تلبسها ثياب التقوى والعدالة، وتكيل لها المديح تجاه الخطوات التي تتخذها نحو العراق، والتي تعتبره تحولا في تاريخ هذه المنظمة، رغم أ المشرو القائم هو نفسه، لم يتغير، والسير نحو الهدف مع قليل من المناوشات والمناورات يسير بشكل جيد في اتجاهه الصحيح أخذت الأمم المتحدة تحوز على حين غرة على ثناء لم تعهده من قبل، وقد أشاد محرر صحيفة بوسطن غلوب تحت عنوان " الأمم المتحدة تبلغ الرشد" بظهور "تغيير رائع في تاريخ المنظمة"، وروحية جديدة من المسؤولية والجدية إذ أخذت هذه المنظمة تدعم المبادرات الأمريكية لمعاقبة المعتدي."

وكتب مراسل جريدة نيويورك تايمز، ر.و. آبيل، "إن واشنطن تعتمد أكثر فأكثر في صنع قراراتها على الأمم المتحدة، فهي الآن أكثر فعالية مما كانت عليه في عقود مضت بسبب انتهاء الحرب الباردة[5]"  "فلتلقم حجرًا لأغلبية المستصغرين لشأنها" جملة تهكمية من تشومسكي.

وفي واشنطن بوست استعرض جون غوشكو خلفية:" هذه اللحظة النادرة في تاريخ الأمم المتحدة، التي أخذت تعمل فجأة بالطريقة التي صُممت المنظمة لكي تعمل بموجبها" فتحولت إلى وسيلة للسلام العالمي" بعد سنين من رميها بالفشل واعتبارها منبرًا لشعوذة العالم الثالث خلال المنافسة الطويلة أيام الحرب الباردة.."228 وكثر الحديث في الصحف الغربية والأمريكية على وجه الخصوص عن أيام الحرب الباردة وأن السوفييت كانوا سببًا في تدني مستوى وفعالية الأمم المتحدة، وكأن استخدام الفيتو من قبل أمريكا والذي يساند إسرائيل على وجه الخصوص، لم يكن مؤثرًا في قراراتها هي ومجلسها. في هذا السياق يقول تشومسكي:" إن الولايات المتحدة تتقدم الصفوف جميعًا منذ 1970م في نقض قرارات مجلس الأمن ورفض قرارات الجمعية العامة بشأن مختلف القضايا، تأتي بعدها بريطانيا، وبمسافة فراسخ، ورفضها القرارات يتعلق أساسًا في تأييدها النظام العنصري في جنوب أفريقيا. كان السفراء العابسون الذين يدلون بأصوات النقض يتكلمون لغة انجليزية خالصة، في حين كان الاتحاد السوفياتي يصوت بانتظام مع الأغلبية الساحقة. والواقع أن عزلة الولايات المتحدة كانت ستبدو أشد لو لم تستطع بنفوذها الكبير أن تستبعد قضايا رئيسية من جدول أعمال الأمم المتحدة[6].

وعلى الرغم من كل هذه المقولات إلا أننا لم نلحظ تحولا أو تغيرًا في مواقف الأمم المتحدة من الأمة العربية أو المنطقة العربية، بدلالة العراقيل التي تضعها هي ومنظماتها في سوريا واليمن ولبنان والمغرب، وليبيا، وما غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق سوى أكبر دليل أن لا قيمة لها في المنظومة العالمية وأن هدفها الأساس هو خدمة أعضاء النادي فقط نادي "النخبة".

كان دانييل باتريك موينيهان سفيرًا للأمم المتحدة وبعث ببرقية لهنري كيسنجر 23 يناير 1976م تحدث عن بلوغ هدف أساسي للسياسة الخارجية، ألا وهو تمزيق الكتل المتراصة للأمم، وذكر نجاحه في غزو اندونيسيا لتيمور الشرقية عام 1975م حين قال: كانت الولايات المتحدة ترغب في أن تتجه الأمور الوجهة التي اتخذتها، وعملت على تحقيق ذلك، وكانت وزارة الخارجية ترغب في أن تثبت الأمم المتحدة أنها عاجزة تمامًا في أي إجراء تتخذه. وقد أوكلت هذه المهمة إليّ، فقمت بها بنجاح غير قليل." يعلق تشومسكي " الأمم المتحدة "فعّالة" اليوم لأنها تقوم بشكل عام بما تريده واشنطن، وهذه حقيقة لا علاقة لها عمليًا بانتهاء الحرب الباردة أو الروس أو علل العالم الثالث.

وقدم العراق في آواخر ديسمبر اقتراحًا أعلن عنه مسؤولون أمريكيون في الثاني من يناير وهو عرض بـ " الانسحاب من الكويت إذا تعهدت الولايات المتحدة بألا تهاجم الجنود عند انسحابهم، وإذا تركت الجيوش الأجنبية المنطقة، وإذا تم الاتفاق على المشكلة الفلسطينية وعلى تحريم أسلحة الدمار الشامل في المنطقة."238 وهو اقتراح أثار اهتمام الجميع ولكن الولايات المتحدة رفضته فورًا، وبريطانيا وأمريكا تمسكتا بخيار القوة. وقدمت فرنسا اقتراحا آخر بالانسحاب من الكويت، ولكن السفير الأمريكي في الأمم المتحدة قال إن الاقتراح غير مقبول. وكانت رسالة بوش لصدام والتي رفض تسلمها " إن الخيار أمامه هو الاستسلام دون مفاوضات، وإلا فإنه سيسحق بالقوة. إن الدبلوماسية ليست خيارًا."

مما نلحظه في السابق هو أن أمريكا تفعل ما تريد، وأن الإعلام هو رأس الحربة ضد من يقف في وجه المصالح الأمريكية، وأن المشرعون في الأمم المتحدة يأتمرون بإمرتها، ولا يمكن لهم أن يناقضوها، فأيام الحرب الباردة كان الاتحاد السوفيتي يقف ندّا لها، ولهذا كان الإعلام الأمريكي يهاجمها، بينما من يعمل فيها هم مع التوجه الأمريكي أو معظمهم ممن هم في مراكز القيادات والتأثير في صنع القرار. ولهذا نجد أن غزو الكويت من بلد مثل العراق هو شيء غير عادي لدى الأمم المتحدة، بينما غزو الولايات المتحدة للعراق هو شيء عادي ولا تستطيع اتخاذ موقف حياله، لا هي ولا مجلس أمنها. وحديثي هنا لا يعني لا يعني أنني أؤيد العراق في احتلال الكويت ولكن لإيضاح أن هذه الأمم تكيل بمكيالين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] ما يكل كولينز بايبر، كهنة الحرب الكبار، تر: عبد اللطيف أبو البصل، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1ـ 2006م ص11

[2]  نعوم تشومسكي، إعاقة الديموقراطية، مركز دراسات الوحدة العربي، ط2، 1990، بيروت.ص180

[3]  نعوم تشومسكي، إعاقة الديموقراطية، (سابق). ص209

[4] نعوم تشومسكي، إعاقة الديموقراطية، (سابق). ص215

[5] نعوم تشومسكي، إعاقة الديموقراطية، (سابق). صو 228227

[6]  منذ سنة 1970م وحتى سنة 1989م، استخدمت الولايات المتحد الفيتو بالنسبة إلى 45 قرارًا لمجلس الأمن الدولي وحدها، و11 قرارًا بالاشتراك مع المملكة المتحدة، و4 قرارات مع كل من المملكة المتحدة وفرنسا.

وكان لبريطانيا 26 اقتراعًا سلبيًا " 11 مع الولايات المتحدة الأمريكية، و4 مع أمريكا وفرنسا". وكان لفرنسا 11 اقتراعًا (7 لوحدها). والاتحاد السوفيتي 8 اقتراعات (واحد مع الصين). وفي عام 1990 أضافت الولايات المتحدة ثلاثة آخرين الهجوم الأمريكي على سفارة نيكاراجوا في بنما، وغزو بنما، والدفاع عن إسرائيل. وقراران عن الجمعية العامة يدعوان الدول إلى احترام القانون الدولي، أولهما يدين مساعدة أمريكا لجيش الكونترا، والآخر يدين الحصار غير الشرعي على نيكاراجوا. وقرار يعارض امتلاك الأراضي بالقوة. وربما أن الاتحاد السوفياتي كان يمثل قلقًا فمنذ إنشاء مجلس الأمن حتى 1947/ استخدم الفيتو 17 مرة، بينما فرنسا استخدمته في تلك الفترة مرتان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك