(2)
إن التوجهات المطروحة نسبيتها ليست في صالح الشعب السوري، والخيارات التي يتحدث عنها الجميع سواء ببقاء الأسد أو رحيله، أو مقاسمة السلطة، أو بتقسيم سوريا من عدمه، لا تجدي نفعاً للداخل السوري.. فالعبث الإيراني في سوريا لا يريد لها أن تقوم من جديد، ويريدها مثل العراق تماماً تحت سيطرته، والتوجه الغربي وعلى رأسه أرميكا لا يقدم ولا يؤخر بقدر ما سيكسب فقط.
والضربة الترامبية التي طالت مستودع الخردة في مطار الشعيرات، لا فائدة منها، فالتوجه الغربي بالكامل نحو سوريا على مدى ست سنوات كان يحمل في طياته الصمت،بل كأنه كان يستمتع بما يحدث فيها، إلى أن بدأ مدّ اللجوء إليه، فاستشعر الخطر وتصاعدت الأصوات ام 2015 إلى أن سمع دويها أوربيا عام 2016م .
في ورقة بحثية أطلقها معهد تشاثام هاوس عن سوريا وسياسة الغرب تجاهها منذ انطلاق الثورة فيها، وبدء الحرب المتعددة الأطراف، حملت الورقة في طياتها عدم وضوح الرؤية لدى الغرب في النزاع السوري، وقد وجهت الورقة إلى أنه يجب اتخاذ
الخطوات الآتية:"· يتعين على صناع القرار مواءمة التدابير المتخذة من القمة إلى القاعدة والعكس، لأنه لا يمكن إيجاد حل وطني في سورية دون كسب المجتمعات المحلية، فقد أغفلت المبادرات على المستوى المحلي في المجال الإنساني والحكم القضايا السياسية إلى حد كبير، بينما ركزت مبادرات السلام على المستوى الوطني على القضايا السياسية لكن بقليل من الاهتمام بالديناميات والجهات الفاعلة المحلية. ومن أجل الوصول إلى استراتيجية غربية ناجحة، يجب تحقيق التوازن بين السياسات على المستوى الوطني مع الأولويات والاهتمامات على المستوى المحلي، من أجل ترسيخ دعم الجهات المحلية.
- يجب على القوى الغربية-خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا-تحقيق الاستفادة القصوى من نفوذها المحدود من أجل الحصول على "تنازلات" من الدولة السورية وداعميها الدوليين. مع الأخذ بالحسبان أن النفوذ الغربي الأكبر يكمن في الجانب الاقتصادي، وذلك من خلال العقوبات وفرص التبادل التجاري وإعادة الإعمار. ويبدو أن لهذا العامل تأثيراً مهماً في تحديد مستقبل سورية ما بعد التسوية بالنسبة للغرب، لأن روسيا وإيران لا تملكان رأس المال لتمويل جهود إعادة الإعمار، وليستا مهتمتان في ذلك."
بالطبع يعتبر الحديث هنا عن إعادة الإعمار نوع من التنظير الذي يقفز على الحقائق على الأرض ويتجاوزها ليراوغ للخروج من الأزمة الحقيقية في سياسة الغرب تجاه الوضع في سوريا، ومثل هذا هو الرؤية الأمريكية لسبب وجودها في سوريا أو الدخول فيها، والتي تتمثل في محاربة " داعش " ، هذا البعبع الذي جعل 61 دولة تتكاتف من أجل القضاء على هذا التنظيم ، بل إن الدارسين والباحثين والمعاهد وضعت الخطط والاستراتيجيات لمواجهته وشددت علىأن أهمية محاربة داعش تفوق أهمية محاربة النظام في سوريا، وشأن الشعب السوري لا يعنيهم في شيء لا من قريب ولا من بعيد.
وها هو معهد دراسات الحرب يقدم دراسة لمجموعة من الكتاب عن " استراتيجية أمريكا الكبرى.. لتدمير داعش.. طريق أمريكا المقبل في سوريا" ولأهمية هذا المبحث فإنني أنقله مثلما تم تلخيصه من أحد مواقع الدراسات والأبحاث، مع الشكر لهم.
" ضمن سلسلة "استراتيجية أمريكا الكبرى" أعدت مجموعة من الباحثين تقريراً بعنوان "طريق أمريكا المقبل في سورية"، نشره معهد دراسة الحرب في آذار/مارس 2017. تحدثوا فيه عن وضع أمريكا الحالي في سورية وفي العراق، وعن فشل واشنطن في تحقيق أهدافها ومصالحها، واتجاهها نحو الهزيمة هناك. وقدموا بالتالي مجموعة من الخيارات والتوصيات لتغيير هذا الواقع.
تحديد المشكلة
رسم الخطوط العامة للواقع الحالي للوضع الأمريكي في المنطقة، ولخصوه كالتالي:
- الولايات المتحدة تخوض الحرب الخطأ في الشرق الأوسط، فتنظيما القاعدة و"داعش" يشنان حربهما باستخدام السكان في حين تجري عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية بالوكالة. فإذا أرادت الولايات المتحدة هزيمة هذه التنظيمات عليها مواصلة حربها عبر شركاء في سورية والعراق مقبولين ومؤثرين في المجتمعات "العربية السنيّة".
- استراتيجية الولايات المتحدة الحالية تقوي تنظيم القاعدة في سورية والذي يعد العدة ليحل محل تنظيم "داعش" عبر استغلال الضعف الذي سيحصل في المجتمعات التي كانت واقعة تحت سيطرة "داعش". لقد أجلت الولايات المتحدة هزيمة تنظيم القاعدة إلى ما بعد الانتهاء من القضاء على "داعش" لكن الأول أخذ يعزز وجوده شمال غرب سورية بعد الانسحاب من حلب ويحضّر لهجوم مضاد في سورية في الوقت الذي يعيد فيه بناء نفسه في العراق.
- على العمليات الأمريكية أن تستهدف دفاعات العدو الخلفية والأمامية معاً لتشتيتها ووضعها أمام عدة معضلات لا تستطيع مواجهتها على نحو كافٍ.
- إن "العرب السنة" ينظرون للولايات المتحدة على أنها في صف التحالف الروسي-الإيراني الآخذ بالتعمق وأنها متواطئة مع ما يرتكبه من "فظائع".
- على الولايات المتحدة استعادة زمام المبادرة وقيادة استراتيجية متعددة الجنسيات. فليس بمقدور أي من الفواعل الإقليمية تطوير ما سماه الكاتب "مقاومة عربية سنية معتدلة" لهزيمة القاعدة و"داعش". فتركيا تدعم "أحرار الشام" المخترق من القاعدة. في حين تغرق السعودية والإمارات في ورطة اليمن كما أصيبتا بخيبة الأمل من وجود “معارضة معتدلة" في سورية. أما الأردن فيواجه تهديداً سلفياً-جهادياً داخلياً كبيراً وموارده قليلة.
- على الولايات المتحدة نزع فتيل الخلاف السياسي التركي الكردي في سورية لكسب نفوذ على الطرفين. فالأهداف السياسية الكردية في السورية تهدد المصالح الأمريكية. لذا يجب أن توقف الولايات المتحدة تقدم الأكراد بعد أن يُؤمنوا سد الطبقة.
- روسيا وإيران تقيدان حرية التحرك الأمريكية في سورية وحوض المتوسط ويمكن أن تهددا ثلاثة من سبع منافذ بحرية كبرى وهي قناة السويس، مضيق هرمز، وباب المندب، خلال السنوات الخمس المقبلة.
- من المرجح خلال السنوات الخمس القادمة نشوب صراع كبير بين الولايات المتحدة وإيران، التي لن تقبل الضغوط الأمريكية حول المسائل غير المتصلة بالملف النووي، وبالتالي ستعمد إلى التصعيد في الخليج والبحر الأحمر وأماكن أخرى.
- يجب على الولايات المتحدة أن تضع خطة لتحقيق المصالح الأمريكية دون الاتكال التام على التمركز في العراق، فانتخابات عام 2018 قد تأتي برئيس وزراء حليف لإيران ومن المرجح بالتالي أن يخفف أو يمنع التواجد الأمريكي في العراق.
المفهوم العملياتي: المهمة:الخطة الجديدة التي طرحها الباحثون في هذا التقرير جاءت كالتالي «بالتعاون مع الشركاء المستعدين والمقبولين، تستولي الولايات المتحدة وتؤمن قاعدة عمليات جنوب سورية لتوسيع نطاق حرية تحركاتها، وبناء "شريك عربي سني سوري جديد"، يمكن معه وعبره تدمير تنظيمي القاعدة و"داعش"، وتهيئة الظروف التي تمنع إعادة بنائهما، وأخيراً إعادة توطين اللاجئين».
خطة العمل الموصي بها: المرحلة الأولى في سلسلة من الحملات متعددة المراحل.
ولتحقيق هذه الخطة قدّم الباحثون مقترح
السيناريو التالي: تستولي الولايات المتحدة -مع شركائها المقبولين-وتؤمن قاعدة جنوب شرق سورية، في البوكمال على سبيل المثال، وتخلق "منطقة آمنة " بحكم الأمر الواقع. تقوم بعد ذلك بتجنيد وتدريب وتجهيز قوى "عربية سنية" محلية والعمل بالشراكة معها لقتال "داعش". هذه "القوة السنية المستقلة" ستشكل الأساس لحركة مستقبلية لتدمير "داعش" والقاعدة في العراق وسورية. وعلى القوات الأمريكية أن تقاتل مع تلك القوات جنباً إلى جنب للحد من حالة ضعف الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها المحتملين. ويجب على هؤلاء الشركاء ألا يدعموا السلفيين الجهاديين أو "وكلاء إيران" أو النزعة الانفصالية الكردية.
يرى معدو التقرير أن عمليةً في جنوب شرق سورية بدلاً من الرقة هي أكثر ملائمة لأن من شأنها:
-تقليل مخاطر التصعيد على المدى القريب مع روسيا وسورية من خلال التركيز على مناطق ليست حساسة بالنسبة لهم؛
-إنشاء تمركز للقوات الأمريكية في منطقة مستقلة عن المقاتلين بالوكالة الحاليين؛
-نزع فتيل الحرب التركية-الكردية؛
-التخفيف من خطر خسارة امتيازات التمركز في العراق؛
- خلق ظروف الانتصار على "داعش" في المدن من خلال استهداف مناطق التنظيم الخلفية؛
- تمكين الولايات المتحدة من إسباغ الشرعية على وجودها في "المناطق العربية السنية". والحد من تهديد "داعش" على الأردن.
ويستمر سيناريو معدي التقرير لينتقل إلى مجموعة من الخطوات في المراحل اللاحقة،
أهمها:
-تطلق الولايات المتحدة عمليات تطهير على طول وادي الفرات باتجاه الرقة، باستخدام القوات الأمريكية وقواتها الحليفة الجديدة في البوكمال ومحافظة الأنبار العراقية.
-تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط في صفقة سلام بين الأتراك و"قوات حماية الشعب الكردية".
- تنشئ الولايات المتحدة منطقة حظر جوي في درعا "لتسهيل" قيام وقف إطلاق نار ولتأكيد التزام الولايات المتحدة "بالتصدي" لمعاناة سكان المناطق التي تقع تحت سيطرة الجهاديين. وعلى الولايات المتحدة أن تدعم القوات الشريكة لها على الأرض في درعا في القضاء على القاعدة و"داعش" الأمر الذي من شأنه أن يساعد على التوصل إلى تسوية تفاوضية للأزمة السورية.
-على الولايات المتحدة الربط بين القوة الجديدة والمقاتلين الحاليين المدعومين أمريكياً لخلق شريك واحد قادر على تأمين واستعادة الأراضي من الجهاديين، وخوض التسوية مع الحكومة السورية."
ــــــــــــــــــ
ملحوظة: من يريد المصادر أو المراجع يراسلني على الإيميل أو على تويتر، مع الشكر والتقدير.