الأمم المتحدة وتدمير اليمن
من قرأ المشهد في اليمن منذ بدايته سيلحظ أن "الربيع العربي" توقف على أعتابه، عندما أقدمت المملكة العربية السعودية بتحالفها العربي، وبانتزاع قرار أممي (2216) يؤيدها، على شن حرب على الحوثي لإيقاف زحف الخطط الاستعمارية في المنطقة العربية. لتأتي استقالة جمال بنعمر، بل سحبه من قبل الأمم المتحدة، لتثبت فشله في تحقيق أهداف اليمنيين، أو التي أوجد من أجلها في اليمن، أو أنه حقق المطلوب منه عبر الحوار الوطني الذي استطاع فيه التلاعب بجميع اليمنيين، واستطاع خداع الشعب اليمني باتفاقه مع الحوثي على اجتياح كامل البلاد. واعتبره الكثير من اليمنيين، أي بنعمرـ عار على جبين الأمة العربية، وسبب رئيس في تدهور الأوضاع في البلاد، وبالتالي فشل ذريع للأمم المتحدة ـ كعادتها في البلاد العربية.
ومن يقرأ تاريخ الأمم المتحدة في اليمن سيلحظ هذه النزعة أو الرغبة في إفشال أي توجه نحو استقراره، وما السعي الذي تقوم به هذه الأيام لإيقاف زحف الجيش نحو الحديدة وصنعاء وصعدة إلا دليلا يؤكد ذلك، ففي كل مرة يصل فيه الجيش الشرعي اليمني والتحالف إلى مشارف صنعاء كانت الأمم المتحدة تتقدم بمبادرة لإيقاف الحرب.. ,من ثمّ تتركها في مهب الريح، لعلمها أن أي مبادرة دبلوماسية لن تنجح. بل إن الانقلاب الذي حدث فيها من قبل الحوثيين على السلطة الشرعية يعدّ جزءًا مدروسًا يوضح الآلية التي تعمل بها في اليمن؛ إذ إن كل ما فعله بنعمر هو تأخير عملية السقوط أو تهيئة الأجواء للحوثي ليلتهم اليمن، مما اضطر رئيس البلاد الشرعي عبد ربه منصور هادي إلى الهروب من البلاد واستنجاده بإخوته العرب وأشقائه في المملكة العربية السعودية لعلمه أن استنجاده بالأمم المتحدة لن يفيده، وأنها لن تحرك ساكنًا باتجاه إصلاح الوضع، فكان القرار 2216 الذي أتاح الفرصة أمام التحالف العربي لشن حرب على الحوثي بعد أن عاثوا في البلاد فسادًا.
إن موقف الأمم المتحدة منذ إنشائها مخيبة لآمال وطموحات الشعوب في العالم، ففي سبتمبر 1962م أثناء الحرب الأهلية اليمنية استطاع عدد من ضباط الجيش الشباب الإطاحة بآخر إمام يمني وهو محمد البدر، ثم دخلت فيها مصر والسعودية لتأتي الأمم المتحدة عبر مبعوثها في اليمن آنذاك "بانش"، وكان الغموض يكتنف مهمته حيث أن لا يد له في المناطق على الأرض، ولا وجود لبعثته في المناطق التي يسيطر عليها الإمام، ولم تعترف الأمم المتحدة بالمعارضة القبلية من طرف البدر ككيان سياسي شرعي، وهذا ما جعل الأمر يزداد سوءًا. وتوقفت عملية البحث عن السلام في اليمن آنذاك على مشروع نزع السلاح من كل الأطراف، ولكن القبائل رفضت الخنوع وتسليم السلاح، خصوصًا وأنها دبلوماسيًا لا وجود لها حيث لم تعترف بها الأمم المتحدة ككيان سياسي ـ مثلما قلت سابقًاـ، هذا بخلاف أن ألجواء لم تكن مساعدة لتنقل أفراد البعثة الأممية، مما أضطرها إلى الانسحاب عام 1964م أي بعد سنة كاملة من العناء الذي لا طائل منه، ولم تخرج بشيء سوى الفشل في الوساطة أو تهدئة الأوضاع.

وخلال الحرب الأهلية في اليمن عام 1994م، أرسل مجلس الأمن مبعوثه الأخضر الإبراهيمي، ولم ينجح في وقف إطلاق النار، ولا في تدهور الأوضاع إلى أن حُسمت باتحاد اليمنين بالقوة.
وقبل الدخول بكم إلى الانقلاب الحوثي فإنني في شهر 1 عام 2014م تحدثت إلى عضو الحوار الوطني وأستاذ جامعة صنعاء الدكتور عادل شجاع الدين حول ما يحدث في "مؤتمر الحوار الوطني" وإلى أين هو ذاهب اليمن؟[1] حيث أكد في حواري معه أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ـ يقصد جمال بنعمر ـ عبث بالمبادرة الخليجية كيفما شاء. وأنه نسف المبادرة الخليجية، وصرح أكثر من مرة أن المبادرة مجرد ثلاثة أسطر، وأنه العراب الحقيقي لهذه المبادرة، وهو الذي أدخل القضية الجنوبية وأعطى المبادرة زخمها العالمي، أما المبادرة الخليجية في نظره لم تحقق شيئاً، ودعا يومها (شجاع) دول الخليج للتدخل من جديد لإنجاح المبادرة التي اعتبرها زورق النجاة بالنسبة لليمنيين جميعاً، وأن أي اختلالات ستنعكس سلباً على المنطقة برمتها.
وقال إن بنعمر يعمل مع أكثر من طرف، فهو وعد القادة الجنوبيين الثلاثة علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس وعلي ناصر محمد بتحقيق بعض مصالحهم، ومنح أقاليم لهؤلاء القادة يحقق لهم بعضاً ممَّا يصبون إليه. وأن الحوار نجح على الورق فقط «دخل المتحاورون وهم متوافقون وخرجوا وهم غير متوافقين»، وكل الأطراف تريد الإعلان للرأي العام المحلي والدولي أن الحوار الوطني ناجح. وأكد أن ما يجري الآن ـ وقتها ـ ليس سوى مجرد إلهاء لليمنيين ولأشقائهم وللعرب الحريصين على الوحدة اليمنية، وسيكتشفون أن الوحدة اليمنية أصبحت في مهب الريح.
أي أنه كان يرى فشل ممثل الأمم المتحدة في اليمن، وكان الغالب من السياسيين يرى ذلك، ويعي أن مآل الحوار هو الفشل الذريع، وأنه لن يحقق شيئًا على أرض الواقع، وأعاد يومها سبب الفشل إلى أن بنعمر كان هو الذي يضع كل شيء، وأن الحوثيين لم يتخلوا عن سلاحهم، بل وشدد على أنهم لن يتخلوا عن هذا السلاح، فهم لا يملكون إلا هذه اللغة " نحن أمام ميليشيات مسلحة، وهذه الميليشيات أصبحت أقوى من الدولة في الوقت الراهن، وهي التي تسيطر على الأرض، وهذه الميليشيات لن تخضع للدولة المركزية التي هي في الأساس دولة ضعيفة»، وأضاف شجاع: وعلى الجانب الاقتصادي، فالخبراء يقولون إن الأقاليم الستة تحتاج إلى تأهيل البنية التحتية لمراكز الإدارة وغيرها، وستحتاج إلى 78 مليار دولار، ولو تأمَّن هذا المبلغ للدولة المركزية لحُلَّت كل مشكلات اليمن."
وأوضح أن الحوثيين عندما اقتربوا من الاستحقاق النهائي للحوار هربوا من التوقيع، وهذا الانسحاب يدل دلالة واضحة على أنهم غير جادِّين في الذهاب نحو المخرجات، وأضاف الدكتور شجاع قائلاً "أنا عضو في فريق صعدة وتوافقنا على 59 نقطة من أصل 60، وبمجرد ما قرأنا التقرير في اليوم الثاني اندلعت الحرب في دماج".
ورأى يومها الدكتور شجاع أن البلاد تسير نحو الحرب، وأن الخلافات ستشتد، وهناك أطراف دولية من مصلحتها ألا يستقر الوضع ليس في اليمن فحسب، بل تريد أن تذهب بعيداً لتصفية حساباتها مع أطراف أخرى، وقال: " دعني أكون صريحاً، أيضاً إيران تريد أن تصفي حساباتها مع الآخرين في اليمن، هناك فراغ وإذا لم يُملأ هذا الفراغ ستملؤه أطراف أخرى، وإيران الآن تملأ هذا الفراغ والجو مهيأٌ لها خاصةً بعد الاتفاق الذي أبرمته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". وأضاف: «ليس هناك مواجهة الآن وما زلنا في أول الطريق، وأعتقد أن هدف إيران البعيد هو السيطرة على باب المندب وهي تعرف أن بإمكانها السيطرة على مضيق هرمز، وبالتالي تسيطر على الممرين الأهم في منطقة الخليج وتخنق العالم فيما يتعلق بالطاقة." وأكد شجاع أن إيران تساند الحوثيين بشكل كبير وتصل الأموال والأسلحة إليهم بشكل شبه يومي.
وهذا الحوار مع أستاذ جامعة صنعاء يدلل على أن دور المبعوث الأممي كان لإشعال الفتنة في اليمن، ولم يكن يهدف إلى حفظ السلام، والخروج به بعيدًا عن الحرب، وهو ما اتضح بعد ذلك حينما امتد سلاح الحوثي بعد دماج إلى صنعاء ومنها إلى بقية اليمن.
قرار 2216
وصدر قرار مجلس الأمن رقم 2216 حول اليمن، في خمسة وعشرين مادة، وبتأييد 14 عضوا بمجلس الأمن لصالحه وامتناع روسيا عند التصويت. ويشير القرار في الديباجة الطويلة إلى طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية التدخل العسكري لحماية اليمن من عدوان الحوثيين، وإلى قرار مؤتمر القمة السادس والعشرين لجامعة الدول العربية الذي أكد على ضرورة استئناف عملية الانتقال السياسي بمشاركة جميع الأطراف اليمنية وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي.
وأكدت الديباجة الالتزام بوحدة اليمن وشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ويكرر دعوته لكل الأطراف بالامتناع عن اتخاذ أي تدابير من شأنها تقويض وحدة اليمن، ويعرب عن قلقه من تدهور الأوضاع الإنسانية وضرورة توصل المساعدات الإنسانية.
وتؤكد ديباجة القرار على ضرورة العودة لتنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي وصياغة دستور جديد وتنظيم الانتخابات في اليمن مشيرة إلى الجزع من التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في محافظات تعز ومأرب والبيضاء واستيلائهم على الأسلحة بما في ذلك منظومات القذائف من المؤسسات العسكرية والأمنية اليمنية، ويدين بأقوى العبارات الإجراءات الأحادية للحوثيين ويطالبهم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة بسحب قواتهم والإفراج عن المعتقلين والتوقف عن تقويض عملية الانتقال السياسي في اليمن.
ويعرب القرار في ديباجته عن القلق من الأعمال المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها الرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح بما في ذلك دعم الحوثيين ويرحب بعقد مؤتمر في الرياض تشارك فيه كل الأطراف اليمنية لمواصلة دعم عملية الانتقال السياسي في اليمن ودعم المفاوضات التي تجري بواسطة الأمم المتحدة.
وتشير المادة الأولي إلى مطالبة جميع الأطراف اليمنية، لا سيما الحوثيين بالتنفيذ الكامل للقرار رقم 2201 والقرار 2015 والامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن ويطالب الحوثيين بالقيام فورا دون قيد أو شرط بالآتي:
أ - الكف عن استخدام العنف
ب - سحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء.
ج - التخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية بما في ذلك منظومات القذائف.
د - التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية.
هـ - الامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة.
و - الإفراج عن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص رهن الإقامة الجبرية
ز - إنهاء تجنيد الأطفال وتسريح جميع الأطفال المجندين في صفوفهم.
بينما المادة الثانية: تطلب من الأمين العالم أن يقدم تقريرا عن تنفيذ هذا القرار والقرار رقم 2201 في غضون عشرة أيام وفي حال عدم التنفيذ يعرب المجلس عن اعتزامه تسمية المزيد من الأفراد والكيانات الضالعة في تهديد السلام والأمن في اليمن[2].
"وقرار مجلس الأمن للأمم المتحدة 2201 في 15 فبراير 2015 اتخذه مجلس الأمن بالإجماع في جلسته رقم 7382، طالب فيه جماعة الحوثيين بسحب مسلحيها من المؤسسات الحكومية، واستنكر القرار تحركات الحوثيين الذين تدعمهم إيران لحل البرلمان والسيطرة على مؤسسات الحكومة اليمنية واستخدام أعمال العنف لتحقيق الأهداف السياسية، والاستيلاء على المنابر الإعلامية للدولة ووسائل الاعلام للتحريض على العنف. كما طالب القرار الحوثيين بالانخراط في مفاوضات السلام التي يرعاها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، وبالإفراج عن الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحاح وأعضاء الحكومة، الموضوعين جميعا تحت الإقامة الجبرية منذ استولى الحوثيون على السلطة. وأعلن المجلس استعداده لاتخاذ "مزيد من الخطوات" إذا لم تنفذ الأطراف في اليمن القرار، بما فيها استخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة أو العقوبات الاقتصادية لفرض تنفيذ القرارات[3]."
أمّا المادة الخامسة فإنها تدعو جميع الأطراف اليمنية لا سيما الحوثيين إلى الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن وتسريع المفاوضات للتوصل إلى حل توافقي والتنفيذ الكامل للاتفاقات المبرمة والالتزامات التي تم التعهد بها لبلوغ هذا الهدف والتعجيل بوقف العنف.
والمادة السادسة: يطالب جميع الأطراف اليمنية بالالتزام بتسوية الخلافات عن طريق الحوار والامتناع عن الأعمال الاستفزازية
والمادة السابعة: يحث جميع الأطراف اليمنية على الرد بالإيجاب على طلب رئيس اليمن حضور مؤتمر يعقد في الرياض تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي.
المادة الخامسة عشرة: أن تتولي الدول لا سيما المجاورة لليمن تفتيش جميع البضائع المتجهة إلى اليمن والقادمة منه إذا توافر معلومات للاعتقاد أن البضائع تحمل أصنافا يحظر توريدها.
وتأتي المادة الخامسة والعشرون: تقرر أن تبقى المسألة قيد النظر. وهو المرجو بقاءه من قبل الأمم المتحدة أن تبقى أطول فترة ممكنة قيد النظر، فهذا يصب في مصلحتها، ومصلحة الدول التي تريد تفتيت المنطقة، أو تسعى إلى سحب خيراتها منها.
قرارات الأمم المتحدة في اليمن : | |||||||||||||||||||||||||||
ـ لمدة 66 عاما، لم تصدر سوى 6 قرارات بشأن اليمن حتى عام 2011م
| |||||||||||||||||||||||||||
من 2011م حتى اليوم :
| |||||||||||||||||||||||||||
راجع: https://www.un.org/sc/suborg/ar/sanctions/2140/annual-reports وراجع: https://news.un.org/ar/focus/yemen |
ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش
[1] حوار أجريته مع عضو الحوار الوطني د. عادل شجاع الدين ونشر في صحيفة الشرق في العدد رقم (٧٨٢) صفحة أولى و(١٦) بتاريخ (٢٤-٠١-٢٠١٤). http://www.alsharq.net.sa/2014/01/24/1056575
[2] راجع صحيفة الشرق الأوسط
[3] راجع قناة الحرة: https://www.alhurra.com/a/security-council-to-adopt-yemen-resolution-/266449.html ‘ وغيرها من وكالات الأنباء والفضائيات والصحف التي أوردت الخبر في حينه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك