الاثنين، 3 يوليو 2017

أن تكذب أكثر (3)


  • الحرب القذرة على العالم 22


لست حرّاً!!

يرى ليبمان أن المصالح العامة كفيلة بخداع الرأي العام، وليبمان هذا هو الذي درسنا له في الجامعة الكثير من النظريات عن الإعلام، والكثير من التعريفات عن الدعاية والإعلام، والكثير من التنظير عن الرأي العام. ويرى أن من يفهم المصالح العامة هم نخبة متخصصة وهم الوحيدون الذين يدركون الأمور ويعرفون ما هو الصالح العام، ولذلك فإن الاعتماد يرتكز عليهم في إدارة الجماهير. وفي نفس الوقت هم يناقضون فكرة الديمقراطية القائمة على أن المجتمع هو الذي يملك فيه العامة ( الجمهور) الوسائل اللازمة للمشاركة الفعالة في إدارة شئونهم، وأن تكون وسائل الإعلام منفتحة وحرة.. وبالتالي فإن فكرة الديمقراطية هنا تكون كما قال عنها تشومسكي " منع العامة من إدارة شئونهم، وكذلك من إدارة وسائل الإعلام التي يجب أن تظل تحت السيطرة المتشددة"[1]

هذا الأسلوب يمنح صانعي القرار حرية الحركة، ويمنح الجمهور إيحاءاته التي يريدها، والوهم الذي يعيش فيه المبني على الاعتقاد أنه حراً ويستطيع أن يوقف حكومته متى أراد.. بينما هم يجرونه جراً ليفعل ما يريدون هم لا ما يريد هو. ويؤكد على ذلك ما قاله مؤسس علم الاتصالات هارولد لازويل حين قال:" لا يجب أن نستسلم للدوجمات الديمقراطية التي تقول أن الرجال هم القادرون على تحديد مصالحهم،  فهم ليسوا كذلك! نحن أكثر الناس قدرة على تحديد ـ والحكم على ـ المصالح العامة"[2]

وهذه التعمية نجحت في أمريكا وسعت الولايات المتحدة إلى تصديرها للعالم، متناسية أن لكل أمة عقيدتها وعاداتها وتقاليدها، ولكل دولة سياديتها مهما كانت صغيرة، ففي النهاية لن تخضع لهذه الإرادة التي تقود الناس عمياناً نحو الدمار.

وكنموذج للكشف هنا يقول شيللر إن: " إدارة المطابع التابعة لحكومة الولايات المتحدة تتلقى يوميا، على سبيل  المثال، كميات من الورق مقدارها حمولة عشرين عربة سكة حديد .تمون نشاطا طباعيا يكلف سنويا مائتي مليون جنيه.

وتشتمل غرفة المقاصة الخاصة بالمعلومات العلمية والتكنولوجية الفيدرالية على ملايين النسخ من حوالي ستمائة ألف تقرير بحثي مستقل، يضاف إليها كل عام ٥٠ ألف تقرير جديد. وتمثل هذه التقارير، اﻟﻤﺨصصة للبيع، بعض نتائج البحث التكنولوجي المدعوم فيدراليا. وهناك فضلا عن ذلك مراكز حكومية إضافية للمعلومات، مثل مركز التوثيق التابع لوزارة الدفاع، وما يزيد على خمسين قسما وإدارة تعمل أساسا في برامج الأبحاث. على أن حجم الحصيلة الناتجة من المعلومات ، رغم إثارته للاهتمام من حيث هو " نموذج معرفي " يؤدي إلى التعمية أكثر مما يؤدي إلى الكشف[3].

إذ إن الإعلام الأمريكي يكرس، شكلا ومضمونا، أدواته القائمة على الأساطير والأكاذيب والقصص المصطنعة، وتفكيك القصة وإعادة صياغتها بما يتواءم والتوجه المطلوب سياسياً، وهذا العمل كله من أجل التضليل. " وعندما يجري استخدامها بنجاح، وهو ما يحدث دائماً، فإن النتيجة تتمثل في السلبية الفردية، أي حالة القصور الذاتي التي تعوق الفعل. وذلك في الواقع، هو الشرط الذي تعمل وسائل الإعلام والنظام ككل بنشاط جم على تحقيقه، من حيث إن السلبية تعزز وتؤكد الإبقاء على الوضع القائم"[4]

بخلاف أن هناك إدعاء الحيادية فيما يطرح عبر الإعلام العالمي، وليس الأمريكي فقط، ونستطيع النظر في إعلام منظمات الأمم، حيث أنها تدعي الحياد أما م الجماهير، في الوقت الذي تمارس فيه التضليل عياناً بياناً، ويستحيل أن تقدم موضوعاً دون أن يكون فيه ميل إلى طرف ما على الرغم من إدعائها بأنها لا تمارس التضليل وأنها تمارس الحيادية إلا إن هذا هو الواقع الذي يحدث، ولا يلمسه إلا من يطارد وراء الأخبار من الإعلاميين وممن يبحثون عن الحقيقة بصدق. كتب  مؤلف كتاب "المتلاعبون بالعقول" تحت نقطة ( الحياد الشخصي ) " لكي يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفعالية أكبر، لا بد من إخفاء شواهد وجوده. أي أن التضليل يكون ناجحاً عندما يشعر المضلَّلون بأن الأشياء هي ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية. بإيجاز شديد نقول: إن التضليل الإعلامي يقتضي واقعاً زائفاً هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا.[5]

وبالعودة إلى مسألة الحرية الفردية وتكريسها التي يدعيها الإعلام العالمي والأمريكي ستكون الملاحظة هي أنه يمرّر رسالته بأسلوب ذكي لو عبر أغنية أو عبر دعاية ما أو عبر كلمة في خبر كامل، هذه الكلمة هي التي ترن في الذهن، وتبقى هي المسيطرة.. وعلماء الاجتماع  في الغالب لا يقيمون حركة الفرد لوحده بل حركة المجتمع بالكامل، ولكن عملية السيطرة، ومن يريد التدمير سيسعى إلى تكريس الفردية من أجل الوصول إلى غاياته، وبوسيلة مكر وغطاء يمرر بذكاء " إن هناك من الشواهد ما يكفي للقول بأن حقوق الفرد المطلقة ليست سوى أسطورة، وبأنه لا يمكن الفصل بين الفرد والمجتمع."فبدايات الحضارة"، على حد قول كوماكس وبيركوفيتش ـ وكما لاحظ آخرون ـ " تمتد جذورها في التعاون والاتصال"[6]

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك