الأمم المتحدة والعرب
جاء برنامج النقطة الرابعة لتأييد "السلام العالمي"، الذي صنعته أمريكا، وفق أربعة محاور:
- التأييد المطلق للأمم المتحدة، فالأمم المتحدة تأتمر بإمرة أمريكا في كل خطواتها، بل إن توجهاتها تساير التوجه الأمريكي خطوة بخطوة، خصوصاً وأنها أُنشئت تحت نظر الغرب، ومن كان يدعمها بقوة في البدء هم الدول الكبرى، ولكننا سنلحظ حالات قليلة تتناقض معها في حالة استخدام روسيا ـ سابقا الاتحاد السوفيتي ـ للفيتو أو الصين.. وتكاد تكون باتفاق بين الطرفين.
- كسب الشعوب بالعمل على الإصلاح الاقتصادي، وهي الفكرة الجهنمية التي تسيطر بها الكربورقراطية على مكتسبات الشعوب.
- تقوية الأمم التي تعادي الشيوعية. وكانت آنذاك الحرب الباردة مستعرة بين أقوى دولتين، ولهذا فإن العدو الكامن أمام أمريكا هو المد الشيوعي.
- تقديم المعونات لتحسين أحوال مختلف البلاد، وهذه المساعدات استغلال فاضح جداً في السياسة الأمريكية، وعبرها تتحكم في الدولة أو تبتزها سواء بإدراك أو بدون إدراك.
وكثيرًا ما نرى التركيز على هذه النقطة لأنها تحمل أبعادًا إنسانية في ظاهرها، بينما أهدافها أو غاياتها هي امتصاص الحقوق في الدول التي تساعدها أمريكا، أو تتدخل الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي في المساعدة، وذلك كي توقع الدولة في الفخ، وتبدأ مساومة الشركات العملاقة عليها من كل حدب وصوب، بعد أن تتم السيطرة على بنوك الدولة المعنية ليبدأ البنك الدولي في عمله تجاهها. وليحقق الرؤية السياسية المرسومة لها من قبل الشركات المسيطرة على العالم
[1].
وعندما تأسست منظمة الامم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية فإن حفظ السلم والأمن الدوليين يعدان المشكلة الأهم التي تواجه المجتمع الدولي إلى اليوم، وهو المقصد الرئيسي الذي من اجله انشئت منظمة الأمم المتحدة. ولأهمية هذا المقصد فإن مؤسسي المنظمة قد ركزوا عليه في الميثاق وخصصوا له الوسائل والإجراءات اللازمة لتحقيقه.
"وكانت خمسة من الدول العربية ضمن مؤسسي الامم المتحدة، وهي: مصر والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا (كلها انضمت فعليا يوم 24 / 10 / 1945) والعراق (21 / 12 / 1945). ومن دول الشرق الأوسط كانت هناك أيضا إيران وتركيا. ثم إن للعرب ثقلاً إضافيًا يتمثل بأن اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست للمنظمة إلى جانب اللغات الإنكليزية والفرنسية والروسية والماندرين الصينية والإسبانية، مع العلم بأن أمينها العام السادس أختير من دولة عربية وهو الدكتور بطرس بطرس غالي الذي تولى المنصب لأربع سنوات بين 1992 و1996. واليوم تضم المنظمة 192 دولة، بينها 22 دولة عربية. وكان للعرب حضور مميز في الوكالات التابعة للأمم المتحدة حيث ترأسها بعضهم مثل الدكتور محمد البرادعي (مصر) والمهندس إدوار صوما (لبنان) وطالب الرفاعي (الأردن)..الخ."
القضية الفلسطينيةالإدانات التي يقوم بها مجلس الأمن ضد إسرائيل وما ترتكبه في حق الشعب الفلسطيني لا فائدة منها، طالما أن القرار يتوقف على استخدام الفيتو الأمريكي في كل مرة تتم الإدانة، أي أن أحد أهم أسباب تكوّن مجلس الأمن من خمس دول عظمى، ومن حق استخدام الفيتو يؤتي ثماره الآن، وفي كل آن، لحماية مصلحة الدول الخمس أو دولة منها أو دولة حليفة مثل إسرائيل. ولعل تقسيم فلسطين عام 1947م يعطي الدلالة الواضحة أن المجلس أو الأمم المتحدة لم يخلقا إلا لحماية المصالح الخاصة للدول العظمى. ولا تحمل همًّا تجاه أي قضية إنسانية في أي جزء من الكرة الأرضية، فما بالكم وهذا الجزء هو المنطقة العربية!!
"لقد صدر ما لا يقل عن
131 قرارا متصلا بالنزاع بين فلسطين وإسرائيل صدرت عن مجلس الأمن الدولي ما بين 1967 و1989 فقط. كما أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اسرائيل بإدانات تزيد على كل الإدانات بحق دول العالم الأخرى مجتمعة. وكان للأمم المتحدة دور وحضور فاعل في حروب العرب مع اسرائيل في الاعوام 1948 و1967 و1973 وغزو لبنان عام 1982 بصفة عامة، وغيرها من الاعتداءات والتجاوزات الاسرائيلية المتعددة على لبنان وسوريا ومصر والاردن والعراق. ومن الجدير بالذكر أن للأمم المتحدة وجودا عسكريا في مناطق النزاع العربي الاسرائيلي متمثلا في قوات الفصل الدولية الأندوف على هضبة الجولان في سوريا، وفي جنوب لبنان تنتشر قوات اليونيفيل، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة والدول المجاورة تعمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ناهيك من نشاطات اليونيسيف في مجالات الاهتمامات بالطفولة والأجهزة والوكالات الإقليمية
[2]."
(سأتطرق إلى ذلك بشيء من التفصيل عند الحديث عن إسرائيل)
وسنلحظ أن هناك العديد من القضايا المتعلقة بالمنطقة العربية، وهي من القضايا التي تستخدمها الأمم المتحدة بمطاطية مبالغ فيها، وربما ترى أطراف تؤججها ولكنها تغض الطرف عنهم.. فمثلا:
نزاع الصحراء الغربية؛ حيث كان لها دور بارز في التعاطي مع النزاع الحاصل بين المغرب وبين جبهة البوليساريو، وآخرها ما كان من إيران ومن حزب الله حين دعما ودربا هذه الجبهة في فضيحة انكشفت لكل العالم، ولم تتخذ حيالها الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن أي خطوة في هذا الاتجاه بل إن ستيفان دو جاريك، الناطق الرسمي باسم الأمين العام الأمم المتحدة، ردّ، خلال الندوة الصحافية الدورية المنعقدة الاثنين 02 أبريل 2018 بمقر المنظمة بنيويورك، ببرودة تامة على احتجاج المغرب من استمرار عمليات التوغل العسكري في المنطقة العازلة، حيث قال جواباً عن سؤال الصحافة: "نعم لديّ معلومات.. زملاؤنا في بعثة المينورسو لم يلاحظوا أي حركة لأي عناصر مسلحة شمال هذا الإقليم، المينورسو تُواصل مراقبة الوضعية عن كثب".
في نفس الوقت أكدت فيه مصادر إعلامية قريبة من "الجبهة" أن "نحو 14 عنصرا مسلحا تابعين للبوليساريو دخلوا المنطقة على متن أربع سيارات من نوع جيب، فقاموا بنصب خيام وتمركزوا فيها لما يناهز ساعة كاملة قبل أن يغادروا المكان ويسحبوا آلياتهم بعدما نصبوا خيامهم".
كما أظهرت صور لمجموعة شبابية محسوبة على جبهة البوليساريو تدعى "صرخة ضد الجدار" تنظيم وقفة احتجاجية يوم 31 مارس الماضي، رفقة أجانب، نددوا فيها باستمرار هذا الجدار الأمني.
وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قد أعلن عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بسبب اتهامات لها بدعمها وتسليحها جبهة البوليساريو الراغبة بالانفصال، بدعم ومساندة "حزب الله".
بينما ذكر موقع القوات اللبنانية أن تتجاوز علاقة البوليساريو بـ"حزب الله" تقديم الدعم بتحريض من الجزائر. حيث تربطهما أيضا تجارة السلاح والمخدرات وتبييض الأموال. فشبكة “حزب الله” في تبييض الأموال تمتد من أفريقيا (الغرب أساسا) إلى أميركا اللاتينية، وعلاقة البوليساريو بالتنظيمات الجهادية في المنطقة تفيد عمل “حزب الله” كثيرا.
[3]وقال المحلل الأميركي في صحيفة واشنطن اكزامينور، مايكل روين، أن تلك " لم تكن مجرد عملية مارقة. ففي النهاية ما تعرض له المغاربة ليس أول محاولة من إيران لزعزعة استقرار مملكتهم". أي أنه يناقض تحفظات الأمم المتحدة.
ويضيف روبن أن "الواقع يقول إن سلوك إيران يكتسب طابعا أيديولوجيا، ومشكلة إيران مع المغرب هي أيديولوجية، خصوصا وأن المغرب لا ينتمي إلى معسكر دول الغرب الليبرالي فقط، ولكنه يقف أيضا في طليعة القوات المحاربة للإسلام المتطرف”، مضيفا أنه “على الرغم من اختلاف المذاهب بين إيران والمغرب، إلا أن رجال الدين وقادة إيران لا يريدون رؤية هذا الفرق أو حتى الالتزام به".
وهذا الحدث الأخير يوضح بجلاء موقف الأمم المتحدة المائع تجاه هذه القضية المتعلقة بالشأن العربي. ولن أعود كثيرًا بالتاريخ لأستشهد بمواقفها تجاه هذه القضية لأن السلبية هي ديدنها الدائم تجاه القضايا العربية.
بينما
الحرب العراقية الإيرانية لعبت فيها الأمم المتحدة دورًا بارزًا، ويأتي التناقض من الموقف الأمريكي وهو العضو الرئيس في الدول الخمس العظمى أو في "نادي النخبة" الذي يحكم العالم، حيث أنه على مرأى ومسمع من مجلس الأمن ومن الأمم المتحدة ظهر بفضيحة " جيت إيران" أيام دونالد ريجان، ومع ذلك لم يكن هناك ما يثير التساؤل لدى المجلس. ولعل توقف الحرب بينهما جاء بعد خطة بديلة ستظهر في
حرب الخليج الثانية حين احتل العراق دولة الكويت وكان للأمم المتحدة دور فاعل في التعاطي مع تداعيات غزو الكويت عام 1990. حيث فوضت الأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 وعبر قرار مجلس الأمن 678 – استنادا إلى عدة قرارات سابقة – باستخدام القوة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، فشنت قوات متعددة الجنسيات، أمريكية أوروبية وعربية، ما عرف بعملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت يوم 24 فبراير (شباط) 1991، وتم لها ذلك خلال فترة قصيرة.
في المقابل في
حرب الخليج الثالثة وهي الغزو الأمريكي للعراق فإن موقف الامم المتحدة كان ضعيفًا ولم تستطع التصدي للغزو الامريكي البريطاني للعراق الذي تم سنة 2003 خارج نطاق الشرعية الدولية ودون تفويض من الامم المتحدة التي باءت جهودها بالفشل لمنعه يوم 20 مارس (آذار) 2003 تحت ذريعة تخزينه أسلحة دمار شامل ممنوعة، وأسقطت الحكم فيه واحتلت البلاد، وبقيت القوات الأمريكية في العراق حتى اليوم.
أما قضية
النزاعات في السودان فجميعنا يعي أن "جوبا" تحتضن تل أبيب، بل إن تل أبيب تحتضن جوبا، والتعاون بينهما على أعلى مستوى، وما يخدم إسرائيل لا بد أن تتبناه الأمم المتحدة أو يتبناه مجلس الأمن، ولهم حضور وأجندة بارزة جدا في الجنوب ودارفور. يقول ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي: "نحن شعب صغير، وإمكانياتنا ومواردنا محدودة، ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في تعاملنا مع أعدائنا من الدول العربية، من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديها. وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواؤها".
ولعل كلينتون بإشارة من رامسفيلد عندما دمر
"مصنع الشفاء" بحجة أنه يصنع أسلحة دمار شامل، لم تتخذ الأمم المتحدة أي دور بل قد تكون ذات أدوار ومواقف معاكسة؛ فقد اتهمت مصادر في الأمم المتحدة عام 2004 ميليشيات الجنجويد المناصرين لحكم الرئيس عمر حسن البشير بارتكاب مجازر في الإقليم. ثم فرض مجلس الأمن الدولي في مارس من عام 2005 عقوبات على الخرطوم، وكذلك إحالة المتهمين بجرائم حرب إلى محكمة العدل الدولية. الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين الخرطوم والامم المتحدة خصوصا بعد أن رفضت الخرطوم نشر قوات سلام دولية في إقليم دارفور. ثم أصدرت محكمة العدل الدولية عام 2007 أولى مذكرات التوقيف ضد المتهمين بجرائم الحرب، كما أصدر مجلس الأمن قرارا بتشكيل قوة سلام في دارفور. وفي العام التالي 2008 تولت الأمم المتحدة كليا أمر القوات الأفريقية – الدولية اليوناميد في الإقليم، وفي خطوة غير مسبوقة في عام 2009 أصدرت المحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة مذكرة اعتقال بحق البشير. ورعت الامم المتحدة عملية استقلال الجنوب عام 2011، كما أعلنت نهاية حرب دارفور.
"بالإضافة إلى ما سبق كان للأمم المتحدة نشاطات ومهام لافتة أخرى تتعلق بالعرب والشرق الاوسط، منها
النزاع الحدودي بين البحرين وقطر الذي حسمته قضائيا وتحكيميًا محكمة العدل الدولية عام 2001، بالإضافة الى قضية تورط ليبيا فيما عرف بقضية
لوكيربي أصدر المجلس القرار 1506 بغالبية 13 صوتا وامتناع فرنسا والولايات المتحدة عن التصويت برفع العقوبات المفروضة على ليبيا. وغير ذلك من القضايا. ورغم كل ذلك فقد اتسم تعاطي الأمم المتحدة مع القضايا العربية والشرق أوسطية بغير الموضوعي، حيث انطلق دائما من اعتبارات مصالح الدول الكبرى المسيطرة على سياسة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي منع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من التصرف والقيام بمسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم الدوليين
[4]."
يتبع...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الحرب القذرة على العالم، للمؤلف، تحت الطبع.
[2] عماد علو مقالة في صحيفة الزمان يوم 20 مايو 2014 الرابط: https://www.azzaman.com/?p=72168
[3] موقع القوات اللبنانية https://www.lebanese-forces.com/2018/05/04/hezbollah-polisario-front/
[4] عماد علو مقالة في صحيفة الزمان يوم 20 مايو 2014 (سابق).