الحرب القذرة على العالم 24
معهد كارنيجي يقدم دراساته بعيدا عن الحيادية
في عام 1979 حين قامت الثورة الإيرانية أنجبت حكومة ثيوقراطية قدمت إيحاءاتها أنها معادية لأمريكا، وأنها تحارب ما أسمته بـ " الشيطان الأكبر" والعجيب في الأمر أن الغرب جاء بها رغم أن النظام الملكي الإيراني السابق كان متحالفاً مع الولايات المتحدة. وفي الجهة المقابلة سنجد المملكة العربية السعودية ثابتة راسخة على شواطئ الخليج العربي دون أن تقفز على الحواجر، ودون أن تناصب العداء لا أمريكا ولا غيرها، وسنلحظ أن ما يكمل المثلث في ما أسمته أمريكا بـ " الشرق الأوسط " هو دولة الكيان الصهيوني " إسرائيل " وهي الدولة الصديقة لأمريكا دون أي غموض أو رتوش، وكل ما يحدث في المنطقة العربية هو من أجل إرضاء الحركة الصهيونية التي يسيطر اللوبي الصهيوني على قراراتها.
ولكن واشنطن تُظهر في استراتيجيتها منذ الثورة الخمينية عداوتها لإيران، وصداقتها للمملكة العربية السعودية إلى أن تسنم باراك أوباما سدة البيت الأبيض فبدأت أمريكا تظهر وجهها الحقيقي تجاه إيران، وجميع أفعالها أكدت أن العداوة إنما هي عبر الإعلام فقط بينما على الأرض يعملان معاً لتفتيت العالم العربي، ونتج عن تقاربهما بشكل علني أن تم تتويج هذه العلاقة والصداقة المحفورة بالدسائس بالبرنامج النووي الإيراني. وقد ذكرت سابقاً العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وبأي شيء تتصف.
توجه الولايات المتحدة الأمريكية لعقد اتفاق على البرنامج النووي الإيراني أثّر على العلاقة بين السعودية وأمريكا، ولعل التأثير الواضح تماماً في العلاقة بين الطرفين وتوجه أمريكا نحو إيران جاء من خلال المكتشفات الحديثة للنفط والغاز الصخريين في أمريكا، فنظر الأمريكان إلى أنهم ليسوا بحاجة في الوقت الحالي إلى نفط المملكة، وصبوا مخططاتهم من أجل الجيوسياسي وجعلت طهران حليفها الأساسي في المنطقة، وقرنت ذلك ـ أيضاً ـ باعتقادها أن إيران ستحقق طموحها في هذا التغيير، دون أن تدرك أن الفرس لديهم أطماع نحو تكوين دولتهم الفارسية، والعودة إلى الزمن القديم بها.
اتضحت هذه الرؤية في ورقة قدمها معهد كارينغي للسلام الدولي عام 2014، وأيضا حين وضح رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما مقاربة جديدة في الشرق الأوسط، بأنه لن تسعى الولايات المتحدة لعزل إيران لكنها ستحاول بدلا من ذلك " منح إيران فرصة للعمل بطريقة مسؤولة” وذلك لتعزيز "التوازن الجديد" بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي يتّسم بالتنافس وربما الشك ولكن ليست الحرب الفعلية أو الحرب بالوكالة." وهذه كلمات " مطاطية" لا تعني شيئاً في السياسة الفارسية على وجه الخصوص، لأن إيران لا تريد سوى الثأر لتاريخها المجيد! الذي أسقطه " عمر بن الخطاب" والذي يتناوله التطرف الإيراني في كل محفل بأبشع ألأوصاف، لأنه أسقط الدولة الفارسية، والذي استغله الملالي بشكل مؤثر وأججوا الطائفية في المنطقة بمباركة من " أوباما".
أوجه الخلاف والاختلاف بين إيران والسعودية واضحة للعيان، حيث أن الملالي أتوا بدين مجوسي جديد قائم على الخرافات وعلى الشحن النفسي، وعلى حشد الطائفية، ورغم معرفة السياسة الأمريكية بذلك إلا أنها تشجعه لخدمة أهدافها التي لم يكتب لها النجاح بعد تصدي السعودية لكل مخططات الملالي وعلى رأسهم الملا أوباما. وقد نظر معهد كارنيجي في العلاقة بين إيران والسعودية كالتالي:
" ستحمل العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية و طهران في طياتها أبعاد و نتائج مهمة لمستقبل المنطقة "الشرق الأوسط" و مصالح الولايات المتحدة ، وتعد طهران والرياض هما الطرفان المتنازعان بشأن كل قضية رئيسة تقريبا في المنطقة مما يربك و يعيق الجهود الأمريكية في تحقيق الاستقرار. وفي الوقت عينه ،فإن كلا من إيران و السعودية خصمان عرقيان"عربي – فارسي" و طائفيان"سني- شيعي" ذات أبعاد جيو سياسية يتنافسان بشدة لامتلاك القوة والهيمنة على أراضي الخليج الفارسي و بلاد الشام و فلسطين و العراق وفضلا عن ذلك داخل منظمة أوبك”OPEC” منظمة البلدان المصدرة للنفط. بالإضافة إلى أن كليهما يتبنى أشكال مختلفة اختلافا كليا من الحكم و تقديم رؤى متباينة ومختلفة لنظام الشرق الأوسط، والخلاف الحاد بشأن مسألة وجود أمريكا في المنطقة."
لقد تعمدت ترك صياغة التقرير كما جاءت من المعهد حيث أنه جاء الوصف على المستقبل عبر استخدام كلمة " ستحمل" وأيضاً التأكيد بمقولة " مهمة لمستقبل المنطقة" وهذا يعني أن القارئ للمنطقة لم يكن دقيقاُ، حيث أن المسألة في ذهن الملالي لا تتعلق بالمستقبل بقدر ما هي متعلقة بالماضي، بدلالة المد الطائفي الخطير الذي ظهر بعد ظهور الملالي، وبدلالة أحاديثهم الخرافية الكثيرة التي تتناولها " السوشل ميديا" هذه الميديا التي لم تعد تخفي شيئاً بل بات كل شيء مكشوفاً للجميع، والعالم يتلقفه ويعي من المتسبب فيه، إلا أمريكا التي تضع يدها في يد هؤلاء النفر في طهران من أجل تحقيق مصالح مرسومة منذ زمن بعيد للكيان الصهيوني، والتي لن تتحقق على الإطلاق، لأن أهل الإسلام الحقيقيين يؤمنون برسالة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولديهم قناعة كاملة بأن ما جاء به هو الدين الصحيح، ولن تتغير فكرة المملكة ولا أهل الإسلام الحقيقي في كل أنحاء العالم عن هذا الاتجاه مهما حاولت أمريكا أو حاول الملالي ذلك. ثم إن صيغة " ستحمل " هنا تعني الأبعاد المنتظرة للمصالح الأمريكية في المنطقة، والتي يجب تأجيجها من اجل الاستفادة بشكل أكبر.. وهي رؤية بالنسبة للدارسين من حقهم أن ينظروا إليها من هذا المنظار، فمصلحة بلدهم فوق أي مصلحة، ولكن ليس مصلحة العالم، في زمن العولمة التي انكسرت هيبتها ولم يمض من عمرها سوى الشيء اليسير أو كأنها ولدت هذه العولمة " خديجا" بل بالأحرى لا يستطيع أن يلد الفكر ألأمريكي مولوداً كاملاً إلا بمواجهة عدوو أمامه، وإلا فإن مولوده لن يكتمل.
لنلحظ الملاحظة الثانية في هذه المقولة من المعهد حيث أشاروا إلى أن الخصام عرقي " سنة وشيعة، عرب وفرس " وبكل أسف لم تتم قراءة ما قبل ذلك على مر التاريخ، حيث أن العرقية والطائفية لم تظهر إلا من عقد الثمانينيات من القرن الماضي وجاءت مع مجيء الملالي وحديثهم عن تصدير الثورة، وهم يعلنون لأمريكا وللعالم إننا سنصدر الثورة، أي بكل بجاحة وأمام هذا العالم كله تعلن ذلك.. ودون أن يلمس التقرير هذا السبب على الإطلاق.
أما الملاحظة الثالثة في هذه الجزئية الصغيرة من الورقة هو مقولة " الخليج الفارسي" مما يؤكد عدم الحيادية على الإطلاق في هذا السياق، وهو صياغة تسند التوجه الأمريكي الأوبامي وتقف إلى جواره وتميل نحو إيران دون أن يراعي أن السعودية دولة صديقة منذ نصف قرن أو أكثر لأمريكا.
المغالطة الرابعة هي في تبني " الفكر الأمريكي" عبر آلة " صنع العدو" حيث أن ما ورد في آخر هذه الجمل للمعهد هو " بالإضافة إلى أن كليهما يتبنى أشكالاً مختلفة اختلافا كليا من الحكم و تقديم رؤى متباينة لنظام الشرق الأوسط، والخلاف الحاد بشأن مسألة وجود أمريكا في المنطقة." وفي ذلك إشارة إلى المملكة وأنها على عداء مع أمريكا ـ طيعاً في مرحلة أوباما ـ ، وهو غير صحيح، ولم يحدث ذلك، والعداء يتوقف على ما تفعله أمريكا في المنطقة، ومحاولة تقسيم الدول، وسعيها الدؤوب إلى صنع الأعداء ومن ثم سيطرتها على العالم، وكل منطقة في العالم ذهبت إليها " الكربورقراطية" الأمريكية وقفت الشعوب ضدها، وهذا ما سيحدث في عالمنا العربي.. فلن يرضى بوجود محتل فيه مثلما حدث في العراق.
والأمرّ من ذلك هو الوصف الذي أورده المعهد، وكأنه يكتب من "قم" اقرأوا ما يلي:
"تملك كلا من المملكة العربية السعودية و إيران موارد فريدة من نوعها. و يشكل العرب السنة الأغلبية الساحقة في الشرق الأوسط.و تضع المملكة العربية السعودية وصايتها على أماكن عبادة لها قدسيتها في الدين الإسلامي ،إلى جانب الإحتياطي الهائل من الطاقة والتي تعد مزايا للملكة. أما بالنسبة لإيران فلديها تاريخ طويل كدولة قومية و تفوقها ديموغرافيا وقدرتها على إبراز قوتها خارج حدودها مما يزيد من مزاياها التنافسية. وتعتبر كل دولة منهما زعيم "مرجع" العالم الإسلامي برمته و ذلك لوجود مقومات دينية لدى السعودية، ومصداقية إيران الأيدلوجية بإعتبارها حصنا للمقاومة ضد أمريكا و إسرائيل."
ألا يعد هذا القول تعدياً على المملكة العربية السعودية حين توصف بأنها ارض الحرمين الشريفين، وهي فعلا كذلك، وحين يقول من كتب الورقة أنها " تضع وصايتها" كيف تضع وصايتها، وهي جزء من أرضها.. إنه وصف غير محايد، ويبتعد كل البعد عن العلمية والمنهجية، التي يفترض أن يتحلى بها المعهد.
ولعل محاولة الانتقاص من السعودية عندما أوردت الورقة مقولة " وذلك لوجود مقومات دينية لدى السعودية، ومصداقية إيران الأيديلوجية باعتبارها حصنا للمقاومة ضد أمريكا وإسرائيل"
الكاتب أعتقد أنه ينتقص من السعودية وهو يقول لديها مقومات دينية، فعلا المقومات الدينية موجودة، وهي ذات أبعاد عالمية ويدركها أهل الكتاب، ويعيها معظم أهل الأرض، ويستوعبها كل ذي عقل، بخلاف الأيديولوجية الإيرانية القائمة على " الخرافة" وعلى " اللطم" و" الشتم".. اما كلمة " مصداقية " فإنها كلمة كبيرة ترد من أروقة المعهد الذي يفترض به أن يتصف بالحيادية، وأن يقرأ قراءة علمية صحيحة تؤكد ربط الأحداث بعضها ببعض، لا أن يخدم أجندة تُملى عليه، فمن " الخرافة" أن إيران تصرخ ليل نهار ضد " إسرائيل " وضد " الشيطان الأكبر" ـ أمريكا ـ ومع ذلك صواريخها وعتادها وحربها التي فتخر بها المعهد " خارج الحدود" كلها ضد المسلمين وليست ضد إسرائيل.. ربما كان يتوجب على المعهد أن يعي أننا في عام 2014م ولسنا في عام إذاعة "هنا لندن"، لقد ولّى ذلك الزمن، وتغيرت أمور وانكشف المستور، فإيران تخدم الأجندة الإسرائيلية وتتعاون معها في كل صغيرة وكبيرة.
جزء يسير أوردته هنا كي تعلموا أين تذهب مراكز الفكر هذه!!