الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

الحرب القذرة على العالم 31



  • إمبريالية الإمبراطورية الأمريكية 5




هاتفني أحد الأصدقاء وتحدث معي حول ما كتبته هنا عن نظرية " مجتمع الخوف" .. ورأى أنني ذهبت بها إلى غير محلها عندما عكستها على المجتمع الأمريكي، وقال: إن هناك قانوناً يحكم الجميع فلذلك لا خوف.


قلت متى تحدثت عن ليبرالية فإنني أتفق معك.. أما إن تحدثت عن علمانية فإنني لست معك. فالحرية الفردية تختلف عن الحرية السياسية.. والحديث الأخلاقي الذي طرحته هو عن الحرية السياسية وفسادها وعدم مصداقيتها وبعدها عن الأخلاق تماماً، ولهذا فإن أمريكا تخاف من فقدان هذه الحرية الفاسدة، بالنسبة للنخبة المسيطرة. ومن هذا الجانب فإن الخوف سينعكس على المجتمع على مدى الزمن، وستخشى النخبة انحراف العامة بعد اكتشاف الحرية المخادعة التي تطرحها الليبرالية الحديثة، وتحديداُ ليبرالية " المحافظون الجدد" الذين يرون في هذه الحرية الفردية أنها الدرب الذي يستطيعون عبره السيطرة على الشعب؛ أي كأن عملية رسم الوهم لهؤلاء البشر هي الطريق الحقيقي لبقاء الديكتاتورية، لأنه متى ما كان انسياق المجتمع ككتلة واحدة فإن قدر هؤلاء هو خروجهم من السلطة شاءوا أم أبوا، ومتى ما تمتع الشعب ، بل العالم ، بحرية فردية فإنه من السهولة بمكان انسياقه لقطيع تسيره الديكتاتورية، التي تريد السيطرة على العالم. وأعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تتنبه له الشعوب لهذا الخطر وسيخرجونهم من السلطة، لأن البناء على " الكذب النبيل"[1] ، الذي يرونه، لا يمكن له الاستمرار.


وعندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش، في فترة رئاسته الثانية، عن سعيه لنشر الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط،  فإنه بذلك أعلن الحرب على المنطقة العربية، وعلى المسلمين، لأنه يرى حسب وجهة نظره أن عدوه الإسلام فهو الذي يولد العنف، بينما ومثلما رأينا سابقاً وبعد أن قلبنا نظرية شارانسكي ووجدنا أن الخوف يعشعش في السياسة الأمريكية ويخيم على المجتمع الأمريكي سنلحظ أن حديث بوش سينعكس على السياسة الأمريكية وسنجد أن الطغيان الذي تمارسه أمريكا هو الذي يولد الكراهية، وهو الذي أنتج التنظيمات والميليشيات التي تساعد الأمريكان على تحقيق أهدافهم في الشرق الأوسط. والحديث عن أن الديمقراطية ستقضي على العنف هو فقاعات تكررها أمريكا باستمرار، لأن الديمقراطية تدعو إلى السلام وليس إلى الحرب، وديمقراطية الكاوبوي تقوم على المسدس وليس على غصن الزيتون. وقطعاً في نهاية المطاف عند الحديث عن الشرق الأوسط وعن السلام فإن الحديث هو عن " إسرائيل" ولا غيرها.


في هذا السياق يقول ديفيد هيرست في مقالة له، تحت عنوان " لن يحقق بوش الديمقراطية في الشرق الأوسط"، نشرت يوم 23/2/ 2005م : " لا يمثل الحديث عن أمريكا كنصيرة للديمقراطية فكرة جديدة ولكن الجديد فيها هو نطاقها والحماس الذي يصاحبها والتوقعات الكبيرة التي يعلقها بوش عليها. ولكن لا يوجد مكان آخر في العالم كالشرق الأوسط تعاني فيه هذه الفكرة من سجل سيئ أفسدته الانتهازية الاستراتيجية والانتقائية والمعايير المزدوجة من خلال التعامل مع طغاة كالرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذين دعمتهم أمريكا ضد حكام آخرين لا تربطهم صداقة بواشنطن كالزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني."


وهنا لا أرى ـ وغيري الكثير ـ أن أمريكا كانت تدعم العراق مثلا في حرب الخليج الأولى بل كانت تلعب على الحبيلين ـ مثلما يقولون ـ وهي سياسة تمارسها ومارستها أمريكا طوال تنقلات الحكم بين رؤسائها؛ أي أن ذلك ليس فقط بظهور المحافظين الجدد أو ظهور " مدرسة شيكاغو" في السياسة الأمريكية بل منذ القدم، والشواهد كثيرة على ذلك، ليس هنا مجال ذكرها.


ويضيف هيرست، بعد حديثه عن أنه حتى الأصدقاء يجب أن تشملهم الديمقراطية: "على الرغم من ذلك، لوحظ بوضوح عدم وجود اسم "إسرائيل" في القائمة التي تحدث بوش عنها. ومن الواضح أن بوش لم تغب عن باله العبارة المأثورة التي يحلو لغالبية السياسيين الأمريكيين ترديدها وهي أن "إسرائيل" هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط."


وهذا شيء واضح في السياسة الأمريكية حيث أن المحتل والمغتصب والمتطرف هو الديمقراطي والآخر هو الإرهابي، والقياس لا يتوقف على المحمية الإسرائيلية، بل على ما تفعله أمريكا في العراق مثلاً وعلى ما فعلته في الصومال وما قامت به في العديد من البلدان.  واعتبر هيرست أن شخص الوزير الإسرائيلي ناتان شارانسكي هو رأِس الإلهام لبوش ويقول بوش: إن تفكير شارانسكي "جزء من جيناتي الرئاسية"، وهنا أشير إلى ما أشار إليه طاهري سابقاً، وهذا القول يناقضه تماماً مثلما ذكرت حيث أن بوش هو الذي تشرب شارانسكي وليس العكس، والأساس المنطقي لحملة الدمقرطة التي يبشر بها. وسبق أن تحدثنا عن كتاب "قضية الديمقراطية" وتقسيم المنشق السوفييتي السابق شارانسكي إلى مجتمعين. وعندما يطرح هيرست سؤالاً: هل "إسرائيل" دولة ديمقراطية حقاً؟ أي بمعنى هل إسرائيل من " المجتمعات الحرة" أم أنها من " مجتمعات الخوف"؟ ولن أذهب إلى المسألة السياسية في الإجابة على هذا السؤال بل سأذهب إلى قول الله عز وجل ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) آل عمران/112. فهم مجتمع قائم على الهوان ويخافون من كل صيحة أو حدث، ولهذا تراهم يتوارون خلف الدول العظمى كبريطانيا سابقاً والولايات المتحدة حالياً.


ويعلق هيرست، على ديمقراطية اسرائيل: "إنها كذلك بالنسبة لمواطنيها اليهود الذين يتمتعون بحريات دستورية تكبتها الأنظمة العربية. أما بالنسبة للفلسطينيين فهي ليست ديمقراطية إطلاقاً وهي حقيقة يجسدها على أفضل وجه شارانسكي ذاته الذي يظهر بمظهر بطل الحرية في البيت الأبيض وهو المتعصب التوسعي الأكثر تطرفاً من شارون في فلسطين."


ويضيف: إن "إسرائيل" التي يعرفها الفلسطينيون هي التي قامت  قبل إنشاء الدولة العبرية وخلال فترة الانتداب بتخريب جميع المحاولات البريطانية الرامية لتنصيب حكومة تمثيلية إلى أن تصبح الأقلية اليهودية قوية بما فيه الكفاية لتفرض إرادتها على الأغلبية الفلسطينية بالقوة وتطرد معظم أولئك الفلسطينيين من البلاد خلال "حرب استقلالها" عام 1948، وتقمع  في ما فاق في وحشيته الفصل العنصري الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم، وتوسع هذا النظام القمعي بأشكال أخرى ليشمل الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما منذ 1967. مستشهداً بما كتبه ليف جرينبيرج في صحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي مقالة قال فيها: إن "إسرائيل" ليست ديمقراطية لأنه لا توجد ديمقراطية في العالم تقرر لدولة أخرى ما يصلح لها أو يضرها، وإن "إسرائيل" هي "اثنوقراطية" و"استعمارية" و"تمييزية" يهودية.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


[1] "الكذب النبيل" أطلقه أفلاطون، وفيه يرى أنه مفيد للدولة في عالم يعيش في قلاقل ومخاطر. وتلقفه " المحافظون الجدد" في الولايات المتحدة وعلى رأسهم عرابهم في جامعة " شيكاغو" ليو شتراوس، حيث رأوا أنه "من الواجب عملياً أن يتم الكذب على الجماهير، وذلك لأن نخبة قليلة فقط هي المؤهلة فكرياً لتعرف الحقيقة"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك