· أن تكذب أكثر 5
· القوة الناعمة
نحت أمريكا منحى موازٍ تماماً لأيام الحرب الباردة، وأعادت صياغة مصطلح " الحرب الباردة" ليتحول إلى القوة الناعمة ( Soft power ) ولعل إيحاءات هذه المرحلة بدأت من عام 1989م عندما سقط جدار برلين دون أن تقام حرب أو تسفك دماء، حيث يشير مؤسس مصطلح " القوة الناعمة " جوزيف ناي ـ وقد كان نائباً لوزير الدفاع الأمريكي، وكتب عنه عام 1990م في كتابه ( ملزمون بالقيادة) ـ إلى أن الجدار تم اختراقه بالتلفزيون والسينما منذ زمن طويل قبل سقوطه، في إشارة إلى تأثير الثقافة الغربية بدلا عن السلاح.
وعندما صاغ هذا المصطلح اتجه به في خصائصه ناحية الروح ولكن المعنى هنا غير المبنى، فالروح الأمريكية بحسب السياسة هي روح المقاتل، الذي يحمل مسدسه أينما ذهب، ويستطيع إخراجه من مخبئه في أسرع وقت ممكن، ولهذا قلت في البداية إنه مواز لمصطلح " الحرب الباردة"، أي أن القرارات التي اتُخذت منذ صياغة هذا المفهوم اتجهت نحو الحرب لا نحو السلم أو إمالة الشعوب بهذه الأساليب التي وضعها ناي.
ورغم إن غالب التوجه الأمريكي هو الاصطياد في الماء العكر، والعمل على زعزعة أية استقرار في العالم، إلا إن هناك توجهات للقوة الناعمة نلمحها من خلال تربية الأصدقاء الموالين لها، واستغلالهم فيما يحقق الرؤية التي يريدون " لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا؛ ذلك أن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأمريكية." هنا يعلنها صريحة كولن باول وزير الخارجية الأمريكية الأسبق بأن النهج الذي يجب أن نتبعه هو نهج التأثير والعمل على كسب الأصدقاء، ولعل الذي يسير في هذا الطريق هو: نيوت غينغريتش الرئيس السابق في مجلس النواب حين قال حول نهج إدارة بوش في العراق: " المفتاح الحقيقي ليس في عدد الأعداء الذين أقتلهم، بل إن المفتاح الحقيقي هو عدد الحلفاء الذين أكسبهم" ومع ذلك فإن أسلوب "الكاوبوي" لا يمكن أن يتغير إذ إن الهدف الذي تسعى إليه أمريكا لا يمكن أن يأتي عبر هذه الطريقة، أو لنقل في الغالب أنه لم يأت بالقوة الناعمة، أو عن طريق الحرب الباردة، فعملية السيطرة على العالم لا تتطلب النعومة، ولن تسير عبر مؤثرات مادية، ولا يحرك الشعوب في الغالب إلا المؤثرات الروحية، والمؤثرات الروحية تفتقدها الولايات المتحدة الأمريكية أو بالأحرى يفتقدها صُنّاع القرار فيها لأن الغالب منهم يعمل بمبدأ رجل الأعمال، ولا يعمل بمبدأ القسيس. ولهذا فإن الشعار في هذه الحالة قائم على :" لدينا شيء يريدونه. إنهم بحاجة إلى الشرعية". وهذا تصوير كامل بأن العالم كله يفتقد الشرعية بينما الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة في هذا الكون هي القائمة على الشرعية، وهي المحافظة عليها والتي يجب أن تحافظ عليها، وأن يسير الجميع على نهجها الداعي إلى الحرية والسلام!!
" فما هي القوة الناعمة؟ إنها القدرة على الحصول عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام أو دفع الأموال". هكذا بكل بساطة يعرفها صاحب المصطلح، والجاذبية فيها أنها تأتي من الثقافة المنفتحة في أمريكا وتأثيرها على الشعوب، وتعلق الشعوب بما تقدمه الآلة الأمريكية، أو هذا هو الاعتقاد السائد لدى معظم الكتاب والمثقفين الأمريكيين، الذين لا يعرف غالبهم البلدان إلا من خلال سياستهم فقط. " فعندما تبدو سياستنا مشروعة في عيون الآخرين، تتسع القوة الناعمة.. وعندما تتمكن من جعل الآخرين يعجبون بمُثُلك ويريدون ما تريد، فإنك لن تضطر إلى الإنفاق كثيراً على العصي والجزرات لتحريكهم في اتجاهك، فالإغراء أكثر فاعلية من الإرغام على الدوام، وكثير من القيم مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإتاحة الفرص للأفراد لها قدرة عميقة على الإغراء. وكما قال الجنرال ويسلي كلارك فإن القوة الناعمة " قد أعطتنا تأثيراً أبعد بكثير من الحافة الصلبة لسياسات ميزان القوى التقليدية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا وسهلاً..سأحتفي برأيك